د. سعيد ميراري - باحث في التنمية المستدامة
" إن مكافحة التصحر هي قبل كل شيء إبقاء الواحة حية "
تشهد واحات المغرب اليوم لحظات مأساوية يجري فيها قتل مستقبل الأراضي الشاسعة الواقعة بين الحدود الجزائرية ـ المغربية والجنوب الأطلسي ويتم تهجير عددا مهولا من السكان يقدر بأكثر من 2 مليون نسمة[1]. ولسوء الحظ، أصبحت حالة التدهور المتقدمة بفعل التغيرات المناخية والتأثير البشري تؤدي إلى اندثار واحات بأكملها والتخلي عنها في نهاية المطاف. لتصبح بعدئذ كل واحة مهجورة بابا مفتوحا على مصراعيه لتبتلعها الرمال والجفاف، ومعه يبدأ إعلان تهديد صريح لمناطق داخلية أخرى، وهذا يعني فقدان حاجز إيكولوجي مهم ضد ظاهرة التصحر وزحف الرمال ابتداء من منخفضات كلميم الأطلسية إلى المناطق الصحراوية الشرقية لمرتفعات فكيك[2]. وإدراكا للمشكلة، فقد أضحى لزاما على الفاعلين المحليين في إطار الجهوية المتقدمة إجراء تشخيص شمولي مع وضع استراتيجية وخطة عمل يستند مضمونها على حماية الواحات من التغيرات المناخية وضرورة تحقيق التنمية المستدامة مع تضافر الجهود وتناسق الاستراتيجيات للحفاظ على الموروث الطبيعي الفريد من نوعه.
ومنه، قررت المملكة المغربية التوجه العام نحو حفظ النظام الإيكولوجي الواحي فضلا عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك عبر تحقيق استراتيجية التنمية المستدامة التي انطلقت في نوفمبر من سنة 2000، وقد اعترفت اليونسكو بمنطقة الأقاليم الثلاث الواقعة في جنوب المغرب «ورزازات» و «الرشيدية» و «زاكورة» بوصفها «محمية المحيط الحيوي لواحات جنوب المغرب». مع الاعتراف بوضع محمية المحيط الحيوي، أصبحت هذه المنطقة جزءًا لا يتجزأ من برنامج اليونسكو العالمي للإنسان والمحيط الحيوي (MAB)[3].
وقد ذكر وزير التعمير وإعداد التراب الوطني المغربي خلال لقاء نظم بجناح المغرب بمؤتمر (كوب 21 ) بباريس 2015 تحت شعار "نحو استدامة الواحات :من الالتزام الوطني الى الأولوية الدولية" بان المجلس الأعلى لإعداد التراب، أوصى السلطات العمومية بإدراج قضية المناطق القاحلة والصحراوية بشكل عام، ومناطق الواحات بشكل خاص، ضمن الأولويات الوطنية، وطرح المشكل من زاوية الحماية والتثمين أيضا، الذي يتطلب تعبئة القوى الحية لهذه المناطق، في اطار مشاريع تنمية مندمجة. وأكد الوزير، أن النظام البيئي للواحات بالمغرب، يوجد في صلب تحديات التنمية المستدامة، ذلك أنه لا يختزن فقط كنوزا للتنوع البيئي، بل أيضا حضارة عريقة للواحات، ومعارف تتماشى ومعايير التنمية المستدامة.
ومن أجل حماية وإنقاذ وتطوير هذه النظم البيئية المتسمة بتنوعها البيولوجي، أطلقت المملكة المغربية مبادرة "الواحات المستدامة" خلال مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين المنعقد بمراكش من 07 إلى 18نونبر 2016. وتهدف هذه المبادرة إلى الدفع نحو اتخاذ تدابير مناسبة ومشتركة ومتوافق عليها لضمان بقاء الواحات عبر أرجاء المعمور كي تواصل تأدية أدوارها المتعددة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
كما سعت الوكالة الوطنية للتنمية مناطق الواحات والأركان منذ إحداثها سنة 2010 إلى وضع الأدوات اللازمة للإعداد وتنفيذ ورصد وتقييم المشاريع المرصودة بالتنسيق وبالتعاون مع جميع الشركاء والمتدخلين، ولا سيما في ميادين التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية من خلال التثمين والمحافظة على الأنواع والأحياء النباتية والحيوانية التي تتكيف مع النظم الإيكولوجية الواحية.
كما بادر المغرب إلى القيام بمجهودات بغية عكس مسار ظاهرة التصحر والتخفيف من حدتها، وتشمل على وجه الخصوص الإنجازات الماديّة المرتبطة بتوفير المياه، واستصلاح الأراضي الفلاحيّة، وتهيئة المراعي، والمحافظة على الموارد الغابويّة وتنميتها. بالنسبة للمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر فقد همّت إنجازاته بشكل أساسي المحافظة على المياه والتربة، وذلك عبر مخطّطات التهيئة المندمجة للأحواض المائيّة، ومحاربة زحف الرمال عبر تثبيت الكثبان الرمليّة، وتحسين الحراجة الرعوية، ومكافحة الحرائق والقيام بعمليات التشجير[4].
خريطة: المشروع الوطني لإنقاذ وتهيئة الواحات 2006 من إنجاز أبوبكر صابري بتصرف
ورغم كل هذه الجهود، عانت واحات المغرب من تدهور حاد، حيث فقدت ما يقارب من ¾ من الموارد الطبيعية[5]، وهي خسائر تسارعت بقوة خلال السنوات العشرين الماضية. كما تعرض النظام الإيكولوجي للواحات الى التهديد بسبب التدهور المرتبط بالضغط البشري المتزايد على الموارد الطبيعية وكدلك آثار التغيرات المناخية مثل تعاقب فترات الجفاف وانخفاض الموارد المائية. في هذا الخضم تضاف أسباب أخرى مثل عوامل التعرية الريحية والمائية وملوحة التربة والتصحر وزحف الرمال ومرض النخيل (البيوض). كما، تكررت في المغرب ظاهرة الحرائق الشديدة والتي دمرت مئات الهكتارات من الثروة الواحاتية. كل هذه الحقائق تجعل الفضاء الطبيعي أكثر تهديدًا بسبب ظاهرة التمدين في مساحة الواحات وكذلك تعديل طريقة استغلال الأراضي الزراعية. إذا كانت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وسوء الاستغلال من أهم مشاكل الواحات، فإن نذرة الماء بسبب استمرار حالات الجفاف المتكررة وتدخل النظم الزراعية الدخيلة تعد أهم أسباب تدهور الواحة[6].
وقد أدى الاختفاء التدريجي للظروف المواتية للاستغلال الزراعي للواحات إلى انخفاض مصدر دخل الساكنة المحلية، وأصبح الفقر مشكلة كبيرة بالنسبة لغالبية مجتمعات الواحات الجنوبية. ومن المؤسف أن الاتجاه ينحو إلى النمو السريع لهذا التطور السلبي للأوضاع الاجتماعية والتي استعصت على الأسر البقاء في الواحة، أما الأسر المتبقية فهي تعيش بفضل المساهمات المالية للهجرة[7].
ولمكافحة هذا التدهور المتزايد في الواحات المغربية، من الضروري في المقام الأول استحداث نهج وتقنيات جديدة قادرة على حل ما لم يتم حله بعد، وإثبات فعاليتها وأهميتها، ثم تعزيز نشرها واعتمادها في سياق التنمية المستدامة. إد لم يعد بإمكاننا أن نكتفي ببروتوكول التدخل التقليدي، الذي يبدو أنه لم يحسن الوضع، بل وجب التفكير في إعادة تأهيلها وتطويرها من زاويتين: الأولى لاستعادة الإنتاجية والحياة في الواحات، والثانية لمواكبة وتطوير مشروع إقليمي يوحد جميع مكونات التنمية في نفس الرؤية.
في هدا المقال ركزنا على تشخيص وتقييم حالة الواحات بالمغرب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وسننكب في مقالات قادمة إن شاء الله على دراسة كل ظاهرة على حدة مرتبطة بتدهور المجال الواحاتي ستنشر تباعا على موقعكم باب المغاربة فكونوا في الموعد.
الإحالات المرجعية والهوامش
[1] عبد الجليل الكريفة، محمد بولمان. 2019. “المنظومات الواحية بالجنوب المغربي: الواقع ورهانات الاستدامة حالة واحة امكون”، مجلة منشورات علوم جغرافية، عدد 454-. ISSN 2286 ص: 89-109
[2] عبد الكريم اكريمي: تنمية الواحات المغربية: المدخلات النظرية والمخرجات العملية. نموذج درعة تافيلالت مجلة التمكين الاجتماعي. المجلد 02 / العدد: 03 سبتمبر 2020، ص 314 ـ374
[3] Mirari, S., & Benmlih. A. (2018). The Sustainable Development of Oued Noun Oases through the Integration in the Biosphere Reserve Oasis of Southern Morocco. International Journal of Science and Research (IJSR). 7(11), 1211-1218. http://dx.doi.org/10.21275/ART20192816
[4] http://www.eauxetforets.gov.ma/AccueilAR/SitePages/Lutte.aspx
[5] Le Programme des Nations Unies pour le développement (PNUD), la Banque mondiale et le Policy Center for the New South organisent, conjointement, la 6ème édition des débats « Parlons développement » 2022. Cette nouvelle édition permettra d’aborder le thème suivant : « Quelle stratégie de développement adopter dans les zones oasiennes »
[6] حسن رامو وأسماء بالعوينات: الواحات المغربية: من مجال مركزي الى مجال هش: أي بدائل. https://www.academia.edu/35969598/les_oasis_dun_espace_central_%C3%A0_un_espace_pauvre_pdf
[7] إسماعيل أي باسو و عبد الصمد خضيري: تدبير الواحات المغربية : خطاب وممارسة مزدوجين، المعهد العلمي المغربي للتحليل السياسات 2022 https://mipa.institute/9145