JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


الصفحة الرئيسية

أربعة عوامل تفسر قيام دولة الملثمين بالمغرب (الجزء الاول)

 





ياسين الحراق - شاعر وباحث في التاريخ



يصعب تفسير قيام "دولة المرابطين" بالمغرب الأقصى دون محايثة المرجعيات المفضية إلى نشأتها باعتبار قيام الدول، تتحكم فيه ضروب عوامل مختلفة؛ فما أن تخفت أو تضطرب حتى تصير في الوقت نفسه سببا من أسباب سقوطها. وقد حصرنا قيام دولة الملثمين أو المرابطين بالمغرب الأقصى في أربعة عوامل أساس وهي: العامل السياسي، والعامل الاقتصادي، ثم العاملين الاجتماعي والديني.



1/ العامل السياسي:

    بعد القضاء على آخر الأدارسة في المغرب الأقصى، على يد "مصالة بن حبوس" صاحب الدعوة الفاطمية في المغربين الأوسط والأقصى، وفشل هذا الأخير في استتباب الأوضاع لصالحه، دخل المغرب في مرحلة اتسمت بتنامي الصراع بين زعماء القبائل كالصراعات القائمة بين قبائل برغواطة ومغراوة، وتلك القائمة بين قبائل زناتة وصنهاجة.

    ضمن هذا الأفق، أشار الأستاذ حسين مؤنس في كتابه "معالم تاريخ المغرب والأندلس" إلى تجربة الأدارسة السياسية في المغرب باعتبارها تجربة تقوم على تولي الإمارة التي يتولاها إمام مطاع يستقيم به أمر المسلمين وينصاعون له [1]، ومن ثمة غدت هذه التجربة حافزا قويا لدى زعامات هذه القبائل كمحاولة لإعادة النسق السياسي القديم. غير أن هذا الحافز يطبعه التنافس القبلي إذا ما أخدنا بعين الاعتبار جدلية الصراع القائم بين زناتة وصنهاجة التي ستنبع منها دولة المرابطين فيما بعد؛ ما يعني أن مسألة النزاع هنا لا تخلو من الحيز السياسي لما يمثله موضع صنهاجة من أهمية استراتيجية حيث تحد موضع صنهاجة من جهة الجنوب بلاد السودان الغربي، وفي الغرب المحيط الأطلسي، وفي الشرق نهر النيجر عندما يلتوي شمالا إلى جهة تمبكتو، وفي الشمال منطقة سجلماسة التي تعرف اليوم باسم منذطقة تافيلالت .[2]

    ويعمر هذا الموضع الصحراوي حسب البكري ظواعن رحالة في الصحراء، وهم إلى بلاد السودان أقرب ولا يعرفون حرثا ولا زرعا ولا خبزا، وإنما أموالهم الأنعام، وعيشهم من اللحم واللبن ينفذ عمر أحدهم وما رأى خبزا أكله إلا أن يمر بهم التجار من بلاد الإسلام أو بلاد السودان، فيطعمونهم الخبز ويتحفونهم بالدقيق.[3] ومن أشهر قبائل صنهاجة، لمتونة تليها مسوفة وجدالة. وبالتالي نفهم من وصف البكري أن هذه القبائل، قد سعت إلى كسر الحصار المضروب حولها من قبل القبائل الزناتية فكانت تتحين الوضع المناسب لبسط طموحاتها السياسية المشروعة حسب أعراف العصر الوسيط. وهو ما تأتى مع شيخ جدالة الأكبر حيث كانت الرياسة لهذه الأخيرة عبر زعيمها يحيى بن عمر الجدالي الذي استطاع أن يهتدي إلى حيلة ذكية يجمع من خلالها شمل القبائل، حيث أقنع الفقيه أبى عمران الغفجومي الفاسي أن يبعث معه من تلاميذه من يعلم الصنهاجيين أمور دينهم إلا أنهم لم يستجيبوا له فبعث كتابا إلى أحد تلاميذه من الفقهاء ...واسمه وجاج بن زولوا اللمطي... لكنه لم يشأ القيام بهذه المهمة فندب لذلك تلميذا شابا من تلاميذه يسمى عبد الله بن ياسين الجزولي[4].

    وهكذا بدا واضحا أن يحيى بن عمر كان يرجوا من خلال تبنيه للإيديولوجية الدينية التخلص من نفوذ الزناتيين بعدما غدت القبائل الصنهاجية الكبرى، تعاني كثيرا من تلك السيادة الزناتية إذ كان يسودها خوف على المصير، لأن سيادة قبيلة على قبيلة أخرى لمدة طويلة تنتهي بهبوط القبيلة المستضعفة إلى مستوى الرعايا المحكومين الخاضعين، وهذا نذير بزوال أمر القبيلة [5].

    وكان عبد الله بن ياسين -التلميذ والفقيه المنتذب للمهمة- قد أبان عن عزيمة قل نظيرها بعد أن قلب في وقت وجيز حياة تلك القبائل رأسا على عقب، وتجلت شخصيته كذلك في صورة رجل سياسي مؤهل للقيام بحركة سياسية كبيرة [6] تجاوزت حتى توقعات زعيم جدالة ما أكسبه ثقته فتزايدت حماستهما السياسية، لكن عزيمتهما تلك باءت بالفشل في جدالة فتم إجلائهما عنها، وذلك حين بدأ الفقيه عبد الله بن ياسين بتغيير العادات التي ألفها الصنهاجيون من إنهماك كبير في ملذات الحياة، وجهلهم بأحكام الدين، وذلك بفرض تعاليم وأحكام تخالف ما درجوا عليه، ومن هنا بدأت الجفوة والإعراض يتزايدان[7] ليتجه بعد ذلك صوب جزيرة غير مؤهولة بالسكان كون فيها جيشا قويا نجح في ترجمة أفكار يحيى بن عمر على أرض الواقع، بل وتجاوزها نحو تحقيق أفكار الفقيه نفسه التوسعية.



2/ العامل الاقتصادي:

    كي نبرز دور هذا العامل، سنتتبع رحلة البكري عبر الطرق التي قام بوصف ثرواتها وتفاصيلها الدقيقة عبر مؤلفه وهما طريقين: طريق تربط بين أغمات وسوس مرورا ببعض المدن كنفيس وأبيفن وتمرورت وترفا وإجلى ونول و سوفه التي تبايع أهلها بالحلي [8] وأهل سوس وأغمات الذين هم أكثر الناس تكسبا وأطلبهم للرزق... وبأرض أغمات وسوس شجر الهلجان يستخرج من حبه زيت طيب كثير النفع وذلك أنهم يجنون ثمره بتعليفه الماشية ثم يعمدون إلى أعجمه فيطحن ويطبخ.... ويكادون يستغنون به عن جميع الزيوت لكثرته عندهم[9] هذا فضلا عن انتشار بعض الزراعات كزراعة قصب السكر والثمار والفواكه... وغيرها.

    أما الطريق الثانية، فهي الطريق التي تربط بين وادي درعة إلى الصحراء ومنها إلى جنوب السودان مرارا بالمجايا الكبرى وقرية بني ينتسر ومدوكن ومدينة غانا ولمتونة وجدالة وبني وارث المجاورين للبحر. وكل هؤلاء يقول عنهم البكري ظواعن رحالة لا يعرفون حرثا ولا زرعا ولا خبزا، أموالهم الأنعام، وعيشهم اللحم، واللبن والنص معروف، وهنا كان لا بد من وضغ بصعة أسئلة تستكنف البعد الإقتصادي فيما قدمه البكري ومنها:

    هل مرور التجار والقوافل بهذه المنطقة الصحراوية أمر عرضي؟ وهو مرور لم ينكره البكري باعتباره مؤرخا وجغرافيا. فإن كان الأمر عرضيا لتم تغييرعبارة التجار بعبارات تدل على كون المسار المتخذ ثانويا من قبل التجار، وبذلك يكون الأمر عرضيا. ثم لماذا كانت هذه القبائل تقوم بشراء الخبز والدقيق من التجار وهي لم تعتد على هذا النمط من الطعام؟ "ينفذ عمر أحدهم وما رأى خبزا أكله إلا أن يمر بهم التجار"[10]. وهذا إنما يدل على وجود طريق صحراوي رئيسية، كما يمكن أن نعتبر أيضا أن ما شاهده البكري من أنماط طعام مختلفة قد يشي عن مجاعة أو فقر لم تخلو منهما بلاد المغرب كما أن ذلك إن صح أيضا فلا ينطبق على سائر صنهاجة، بل على بعض المناطق المعزولة منها، التي ربما قد تكون عانت من تبعات الجفاف والمجاعة والعزلة أو أن نمط حياتها يقوم فقط على ثقافة الرعي.

        وإذا تأملنا لما ورد في حديث البكري عن الطرق الصحراوية نجد الصنهاجيين لم يكونوا منعزلين تماما عن العالم نظرا لقرب المسافة بينهم وبين منطقة أغمات وسوس التي تنتشر فيها حياة الزراعة والتجارة والتكسب. وبذلك يكون الصنهاجيين قد تعلموا من الشمال طرق الزراعة والصناعة والتجارة... وهذه قائمة بأهم ثرواتهم :

  •  زراعة قصب السكر والثمار واليقطين والشعير... وكانت الزراعة في بعض واحات صنهاجة تتم بالمحراث وتجره الجمال.

  •  الاتجار بالملح والتبر والجلود والرقيق والزيوت والسروج ولجم الخيل والصناعات الحربية ويتم نقلها إلى الجنوب.

  •  كما اهتم الصنهاجيون بتربية الحيونات للحصول على قوتهم واستعمالها في تنقلاتهم واقتصر ذلك على الجمال والبغال والحمير... كما عرفوا تربية المواشي من بقر وغنم ومعز... واهتموا أيضا بتربية النحل للحصول على العسل والشمع... هذا فضلا عن ممارستهم الصيد والقنص .[11]وقد أدى ذلك إلى ازدهار صناعة محلية للاكتفاء الذاتي[12]

    ومن هنا يتبين لنا مدى أهمية النشاط الاقتصادي الذي تتمتع به منطقة صنهاجة، وإن كان اقتصادها جد محدود وغير منظم يتمحور فيما بين منطقة صنهاجة ثم إلى حدود مملكة غانا جنوبا.

    ولم يكن من اليسير حفظ هذه المكانة المرموقة مع تنامي أطماع أعداءهم "الزناتيين والمصامدة والغانيين" خصوصا وأن ملك غانا عاد يبسط ظله على مدينة أودغست ويهدد تجارة السودان تهديدا خطيرا،[13] ولكبح هذه الأطماع وحماية مصالحها الاقتصادية اتحدت صنهاجة الجنوبية مع صنهاجة الشمالية، وتبنت لتحقيق ذلك الإيديولوجية الدينية للم التجزئة وتوحيد من والاهم من القبائل الأخرى وهذا ما ثم بالفعل.

يتبع الجزء الثاني في قادم الأيام على موقع باب المغاربة...


الإحالات المرجعية والهوامش




[1] يُنظر:- معالم تاريخ المغرب والأندلس، لحسين مؤنس، منشورات دار الرشاد، الطبعة الخامسة سنة 2000 .


[2] عبادي أحمد مختار، صور من حياة الحرب والجهاد بالأندلس، منشورات: منشأة المعارف (الاسكندرية)، الطبعة الأولى (2000)،ص:94.


[3] أبي عبيد البكري، المغرب في وصف بلاد إفريقيا والمغرب (جزء من المسالك والممالك)، مكتبة المثنى (بغداد) ص:164 .


[4] مؤنس حسين، معالم تاريخ المغرب والأندلس، منشورات دار الرشاد (القاهرة)، الطبعة الخامسة سنة 2000، ص: 183.


[5] نفسه، ص: 182.


[6] نفسه ،ص: 184.


[7] الفاسي علي ابن أبي زرع، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار المغرب وتاريخ مدينة فاس، دار المنصور للطباعة والوراقة (الرباط)، الطبعة الأولى: 1972، ص: 126.


[8] البكري، المغرب في وصف إفريقيا والمغرب، ص: 162


[9] المصدر نفسه 163/162.


[10] المصدر نفسه، ص: 164 .


[11] يُنظر:- دولة المرابطين في المغرب والأندلس، سعدون عباس نصر الله دار النهضة العربية للطباعة والنشر (بيروت)، الطبعة الأولى: 1985.


[12] نصر الله سعدون عباس، دولة المرابطين في المغرب والأندلس، دار النهضة العربية للطباعة والنشر (بيروت)، الطبعة الأولى: 1985، ص،15.


[13] حسن أحمد محمود، قيام دولة المرابطين، منشورات: دار الفكر العربي (القاهرة)، الطبعة الأولى (دون تاريخ)، ص:101 .
أربعة عوامل تفسر قيام دولة الملثمين بالمغرب  (الجزء الاول)

نورالدين البكراوي

تعليقات
    الاسمبريد إلكترونيرسالة