نورالدين البكراوي - باحث في العلاقات المغربية الإسبانية ونزاع الصحراء
لقد تناولنا في الجزء الثاني من مقالنا "طوبوغرافيا الدعاية السياسية الجزائرية" على موقعكم الإلكتروني باب المغاربة، الدور الخطير الذي تلعبه الدعاية السياسية الجزائرية من أجل الحفاظ على استمرارية النظام الشمولي العسكري في حكم دولة الجزائر، وتطرقنا إلى أهم استراتيجياتها القائمة على تضليل الرأي العام الجزائري وتصريف الأزمات الداخلية المزرية عبر تبني عقيدة العداء للمغرب، وشرعنا كذلك في التأصيل والتفكيك لمبادئ اشتغالها من خلال صياغتنا لمبدأي تسييس كل مناحي الحياة والإسقاط بالمماثلة. أما في هذا الجزء الثالث، سنخصصه بشكل كامل لمبدأ الإسكات المعتمد من طرف وسائل الإعلام الجزائرية ومدى خطورته في إخفاء وتزييف والتلاعب بالحقائق التي من شانها قلب الأوضاع رأسا على عقب في المشهد العام الجزائري الداخلي منه أو الخارجي.
3)-مبدأ الإسكات: يمكن تعريفه بالصمت في القضايا التي لا جدال بشأنها وإخفاء الأخبار التي تصب في مصلحة الخصم، وكذلك البرمجة المضادة بمساعدة وسائل الإعلام ذات الصلة. فوسائل الإعلام الجزائرية على المستوى الخارجي لا تستطيع إخبار الجزائريين عن انتصارات المغرب الدبلوماسية، خصوصا في قضية الصحراء المغربية أو عن التطور الاقتصادي والصناعي والعمراني المغربي الكبير أو عن التعدد الثقافي والحريات. أما على المستوى الداخلي فحدث ولا حرج. هناك قضايا لم يحرك فيها الإعلام الجزائري ساكنا، والتي سنكتفي بطرح الاسئلة التالية، وعلى الباغي تدور الدوائر: أين التحقيقات عن ملابسات وفاة أو اغتيال القايد صالح؟ لماذا تخلى النظام الجزائري عن التحقيق في الاتهامات الأخيرة للمغرب في عدة قضايا "كحرائق منطقة القبائل" و"بمقتل "الجنود والمدنيين؟ من قتل الشاب جمال بن إسماعيل؟ وما هو مصير عمار سعيداني ولم هرب من الجزائر؟ ماذا تقول الصحافة عن الأسباب الحقيقية لهروب الجنرالات؟ كيف استطاع خالد نزار الرجوع إلى الجزائر؟ وكيف نال الجنرال توفيق (محمد مدين) البراءة؟ وكيف للجنرالان حسان (مهندس إشعال حرائق منطقة القبائل رفقة جنرال آخر اسمه عبد القادر آيت ورابي قصد إلصاق التهمة في المغرب، كما جاء مؤخرا في تسريبات فيديو قرميط بونويرة) وجبار مهنا حضور اجتماع المجلس الأعلى للأمن المنعقد في 5 يناير 2022، وهما اللذان في الأصل حوكما بتهمة الفساد ومنهما من قضى عقوبة سجنية امتدت لخمس سنوات قبل أن يتم تبرئته من جميع التهم كما هو الحال مع الجنرال حسان؟ لم لا يتم النقاش وتغطية إصدار الكتاب المثير للجدل "ربيع الإرهاب في الجزائر"؟، متى توفي عبد العزيز بوتفليقة وكيف كان حكمه في عهدته الأخيرة؟
على مر سنوات ولادة الجزائر حديثة العهد (1962)، تنتهج أبواق الدعاية الجزائرية مبدأ الصمت القائم على اتخاذ نظام "لا يوجد حدث" إزاء كل الأخبار التي لا تكون في مصلحتها. إن هذه الظاهرة اللامهنية لوسائل الإعلام الجزائرية المتمثلة في ابتلاع ألسنها كلما خرجت في وجهها أحدات وتظاهرات تكون ضد سياسة النظام الجزائري أو تهديد للمشاريع التي يحارب من أجلها ويؤمن بها؛ بل ويتخذها كعقيدة راسخة في تاريخ دولته المستحدث، كقضية "الصحراء المغربية الذين يسمونها في الجزائر عبثا "جمهورية الوهم العربية الصحراوية"-التي صرف عليها النظام الجزائري 400 مليار دولار منذ نشأتها في التكوين والتسليح والتعريف بها دوليا والدفاع عنها ديبلوماسيا على حساب الشعب الجزائري-لا تحرك فيها ساكنا. كان هناك في يوم الثلاثاء، 14 من ديسمبر 2021، قمة مهمة جدا لمجلس التعاون الخليجي 42، التي أقيمت في الرياض، والتي ناقشت قضايا مصيرية تهم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن أهم القرارات الصادرة في البيان الختامي للقمة، نجد في بنده 52، الدعم المطلق واللامشروط لسيادة المغرب على صحرائه والحث على التشبث بأوامر الأخوة والسير على نهج الشراكة الاستراتيجية المثمرة. كما أن الصحافة الجزائرية لم تتطرق إلى النقطة 29 من البيان الختامي المتعلقة (بحليفة النظام العسكري السياسي) بإيران الداعمة للجماعات الإرهابية التي تهدد الأمن العربي وتعصف باستقرار المنطقة، حتى أنها لم تشر ولو بخبر عابر عن دعم المجلس للقضية الفلسطينية وسعيه لإيجاد حل نهائي لفلسطين يصون كرامته وحقوقه ويحفظ استقلال أراضيها على حدود 67. أليس هذا التجاهل يؤكد أن النظام العسكري الجزائري ضد وحدة الصف العربي ويؤيد أجندات أخرى معادية لمصالح الأمة العربية؟ وهل هناك من حجة أكبر على تورطه المفضوح مع إيران؟ وكيف إذا، مع هكذا ردود فعل، ستنجح في تنظيم القمة العربية؟ كما أن العالم يترقب ردة فعل الإعلام الجزائري، وهو ينتظر أكبر صفعة في تاريخ دبلوماسيته، بعد القرار الأخير بفرض اعتماد خريطة المغرب كاملة بما فيها الصحراء المغربية لدى كل الهيئات والمؤسسات التابعة للجامعة العربية. كيف للنظام الجزائري تحمل هذا الموقف الصعب وهو على موعد مع حدث استضافة القمة العربية على الأراضي الجزائرية (إن هي نظمت)، في نونبر 2022، وسيكون مفروض عليه اعتماد خريطة المغرب كاملة بما فيها الصحراء.
كيف للنظام العسكري الجزائري تجاهل ألمانيا لها، والمسارعة الى المصالحة مع المغرب بعد تولي المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس مقاليد الحكم، وتأكيد دعمه وحكومته وتبنيها لمقترح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية وتنصيب سفير فوق العادة بالمملكة المغربية، والمبادرة إلى حسن النية بالدعوة الصريحة في رسالة للرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، بمناسبة حلول العام الجديد (2022)، للملك محمد السادس بضرورة زيارة ألمانيا قصد إرساء سبل التعاون المثمر والدخول في شراكات اقتصادية واستراتيجيات تنموية جديدة بين البلدين، وطي صفحات التوتر والعداء الماضيتين؟ كيف يتحمل الإعلام الجزائري وآلة دعايته تتبع الانتصارات الدبلوماسية عن كثب والتقدم السريع في سلم الرخاء والازدهار مع حلفاء الجزائر التقليديين، من بينها مبادرة الحزام والطريق المبرمة بين الصين والمملكة المغربية في يناير 2022.
ولمَ لم تخرج وسائل الإعلام الجزائرية لتشرح للشعب الجزائري الأسباب الحقيقية التي دفعت إسبانيا إلى الاعتراف بمغربية الصحراء في 18 مارس 2022، وقلب الطاولة على النظام العسكري، بل ومعاداته حاليا أمام كل الهيئات الدولية وجره إلى مواجهة مباشرة مع الاتحاد الأوروبي بعد قطع أنبوب الغاز المغاربي وتعليق اتفاقية الصداقة والتعاون وتهديدها بقطع الغاز، والآن، تورطها الصريح في أحدات الهجرة إثر الهجوم المظم الخطير-الذي بلغ أكثر من ألفين إفريقي جنوب الصحراء- للمهاجرين الغير شرعيين على مدينة مليلية المحتلة، التي صارت تعرف بيوم الجمعة الأسود 24 يونيو 2022، والتي راح ضحيتها أكثر من 24 قتيل من الأفارقة والكثير من الجرحى من الأفارقة والسلطات المغربية على السواء؟
فضلا عما سبق، لكن في نفس سياق تحليل مبدأ الاسكات، نتساءل، ما هو مآل مصطفى محمد علي سيدي البشير؟ "وزير الأرض المحتلة والجاليات" في جبهة البوليساريو الانفصالية، وأحد الرجالات الاقوياء السبعة في الأمانة العامة للتنظيم السياسي لجمهورية الوهم، بعد تصريحه في حالة تجلي ومكاشفة في ضواحي باريس أن: "أنا لست وزيرا للأراضي المحتلة، أنا مجرد لاجئ في دائرة المحبس، وزير خارجيتنا ولد السالك موجود في الجزائر، علينا أن نكون واقعيين " ليكمل حديثه مشددا مصطفى ولد سيد البشير( من قبيلة الركيبات البيهات)، أن "رئيس وزرائنا بشريا بيون ليس رئيسا للحكومة". مع الإلحاح بأن "إبراهيم غالي هو أيضا لاجئ في دائرة الكويرة ومسجل باسم غالي سيد المصطفى وليس هناك إبراهيم"، وأن "وكالة اللاجئين لا تعتبره رئيسا لدولة أو مسؤولا كبيرا"؛ مبرزا أن "كل الصحراويين هم لاجئون يعيشون بفضل مساعدة الجزائر". مع أن كلامه فضح الجزائر وسبب رجة سياسية قوية كونها تؤكد أن "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" مجرد وهم وأكذوبة من صنع الجزائر، وأن هذه الأخيرة هي طرف مباشر في هذه القضية المفتعلة، إلا أننا كمتابعين نؤكد أن كلامه هذا فيه مغالطة كبيرة، وأبرزها هي أن مخيمات تيندوف فيها محتجزين بالقوة وليس لاجئين بالاختيار. وإذا ما عرفنا الفرق بينهما سيتحقق الفهم المطلوب للوضعية الكارثية التي يعيشها المحتجزين الصحراويين طيلة خمس عقود من الزمن والظلم الذي يتعرضون له وحقوق إنسانيتهم التي تغتصب من طرف نظام العسكر الجزائري وشردمته من قيادة انفصاليي البوليساريو المتناحرة فيما بينها.
الكل يريد أن يعرف مصير هذا الرجل الذي طلبوه للعودة بعد أيام قليلة من شهاداته، وأرغموه على التصريح في الجزائر بأقوال مناقضة للأولى التي أدلى بها في فرنسا، عرضته وكالة الأنباء الجزائرية والوكالة الصحراوية وعدة مواقع تابعة لها في 28 ديسمبر 2021، ليختفي بعدها عن المشهد دون خبر أو أثر. وعلى نفس المنوال، بلعت وسائل الإعلام لسانها دون أي رد يذكر، بعد أن أشهر السيد عمر هلال سفير المغرب لدي الأمم المتحدة ردا على اتهامات نظيره الجزائري نادر العرباوي للمغرب بالاحتلال وانتهاك حقوق الإنسان في الصحراء المغربية حيث لوح له بصورة الصحراوي السيد مرابيح أحمد محمود عدا ، خلال الاجتماع السنوي للجنة الـ24 بتاريخ 13/06/2022، مؤكدا له إن "لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أصدرت لتوها، اليوم، بيانا بشأن صحراوي اختطفتموه وحجزتموه وعذبتموه. قد اختفى وطلبت اللجنة منكم توضيحات وجددت التأكيد على مسؤوليتكم بصفتكم البلد المضيف لمخيمات تندوف، وذلك في خرق سافر للمادة الثانية للجنة". ليكشف السفير المغربي، بعد ذلك، انتهاكات الجزائر للقانون الدولي، مخاطبا الدبلوماسي الجزائري: "أنتم لا تحترمون الشرعية الدولية ولا القانون الدولي. لقد فرضتم على المغرب نزاعا دام لـ45 عاما وتسببتم في شل المغرب الكبير. لقد دفعتم بـ"البوليساريو" إلى انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار والاتفاقات العسكرية بهدف زعزعة استقرار المنطقة".
وماذا قالت الدعاية الجزائرية عن 1400 مليون دولار المهدورة على الديبلوماسية في السنوات الأخيرة، سواء كانت قروضا أو رشاوي تحت اسم الهبات أو غيرها من الطرق المشبوهة، لعل آخرها كانت 400 مليون دولار معلنة في وسائل الإعلام (وما خفي أعظم) من أموال الشعب المصروفة عبثا في أقل من شهرين (أكتوبر وديسمبر)على تونس والرئيس عباس؟ وماذا جناه النظام العسكري مقابل ذلك؟ وكيف له أن يستضيف رئيس السلطة الفلسطينية ب 100 مليون دولار، وبعدها يزور تونس مقابل 300 مليون دولار ويدخل معها في أزمة سياسية طاحنة بعد ذلك نتيجة تصريحات غير موفقة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بشأن تونس في زيارته لإيطاليا حيث قال أمام الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا في روما أن بلاده مستعدة: "لمساعدة تونس في الخروج من المأزق، والعودة إلى طريق الديموقراطي". ما يظهر جليا للعيان هو أن الجزائر تحاول عبر دبلوماسية الشيكات ضخ الأموال في الخزينة التونسية من أجل استغلال عزلة نظامها القمعي (الذي يعرف حاليا وضعا سياسيا واقتصاديا متأزما وخطيرا، وسيكون من الظلم الحكم عليه في الوقت الراهن، لكن في المقابل، يمكن الجزم أن شعبه الذي علم العالم الحر كيف تكون الثورة لن يسكت ولن يبقى مكتوف الأيدي) لدفعها لتبني طرحها والسير على خطاها في معاداة المغرب، الشيء الذي سيضر بها ويمكن أن ينتج مع الوقت علاقة سامة و ملتبسة تشبه إلى حد كبير علاقة سوريا بلبنان. لكن الحقيقة أن تونس مضطرة إلى هكذا سياسة خارجية، خصوصا بعد انقلاب الرئيس التونسي قيس السعيد على الدستور وتجميد البرلمان ومطاردة خصومه السياسيين، ولم تذعن -إلى حدود الساعة- بالكامل لرغبات النظام العسكري الجزائري ولم تمكنه منها إلى الآن، وهذا ما انجلى للجميع إبان التصويت على قرار مجلس الأمن 2602، حيث امتنعت فيه عن التصويت لصالح المغرب، في موقف حيادي سلبي وضبابي لا يخدم مصلحة أحد.
أين هو صوت الصحافة الجزائرية -المتواطئة والمستفيدة من الريع الثقافي- من أجل إعلاء كلمة الحق، وأين دورها في مراقبة صرف أموال الشعب الجزائري المضطهد؟ ولم الدعاية تسوق فكرة أن النظام العسكري ينتصر دبلوماسيا، في حين هو -في حقيقة الأمر-يستنزف موارد البلاد ويفلس الخزينة العمومية في أمور لا طائل منها، وبدون أي مكاسب تذكر؟كيف ستفسر وستقنع الرأي العالمي هذا الأسبوع من ديسمبر 2021، باعتقال مع نية الحكم على الطفلة سيرين زرفة، ذات 14 ربيعا رفقة 20 شخص آخرين في محكمة عنابة في 29 من ديسمبر 2021، بحجة التجمهر غير المسلح على خلفية وقائع مرتبطة بالحراك، لتستدرك هذا الخطأ الفادح بعد ضغط عالمي وتسقط التهمة عليها في 27 من ديسمبر2021. فهل هناك انتهاك لحقوق الطفل، وحقوق التعبير والرأي، وحقوق الإنسان أكثر من هذا؟ إنه الخزي والعار يمشي على قدميه.
نبقى دائما في إبراز أهم ما يميز مبدأ الإسكات، لكن هذه المرة سنتطرق إلى الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى جمهورية مصر، يوم الاثنين، 24 من يناير 2022، والتي كان مقررا أن تستغرق يومين والتي أسمتها الرئاسة الجزائرية في بيانها ب "زيارة عمل وأخوة". كان الهدف منها نقاش أربع ملفات رئيسية: القمة العربية" و"الأزمة الليبية" و"الحوار الفلسطيني" و"العلاقات الثنائية"، إضافة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية.قد تكون الجزائر مهتمة بهذه القضايا لكن الهدف الحقيقي من زيارتها كان هو إنقاذ تنظيم القمة العربية الذي كانت تعتزم تنظيمه على أراضيها في 22 من مارس 2022 والذي تم تأجيله إلى أجل غير مسمى وكل المؤشرات تدل على أن هذه القمة سيتم إلغاؤها تماما وذلك هو ما يتم السكون عنه في وسائل الإعلام الجزائرية ويتم توظيف الدعاية بغرض التعتيم وتضليل الرأي العام الجزائري. اتفق المحللين على أن الجزائر تمضي من فشل إلى فشل وذلك للأسباب التالية:
تريد الجزائر إنجاح القمة عبر ثلاثة ملفات هما "فلسطين" و"عودة سوريا" إلى الجامعة العربية والأزمة الليبية، لكنها بعدما تورطت في هذه الملفات بشكل أحادي ودون تنسيق يذكر مع الدول الكبيرة في محاولة منها للعب دور إقليمي بارز، تنبهت متأخرة إلى أنها قاطعة للعلاقات مع المغرب، وأن القوى العربية العظمى في صف المغرب وتدعمه بشكل صريح وعلني مباشر. ويبقى المغزى من الزيارة، هو معرفتها المسبقة أنها اقترفت أخطاء فادحة في حق مصر، وذلك بدخولها في عدة مناسبات في مجال النفوذ المصري وحاولت المزايدة عليها في قضايا مختلفة الشيئ الذي استقبلته مصر بنوع من الشك والريبة . تشكل هذه الزيارة الى جمهورية مصر العربية محاولة لتصحيح الأخطاء الجسيمة التي تبادرت منها واستدراك لما اقترفته الجزائر من سوء تدبير لقضايا تهم مصر التي لم تنسى لها موقفها السلبي في قضية سد النهضة في أكتوبر 2021، ولم تنسى محاولتها جمع الفصائل الفلسطينية دون مشاورتها، ولا مناوراتها السياسية والاستخبارتية في ليبيا دون التنسيق المسبق معها، كما أن مصر لا تدعم سوريا المتحالفة مع إيران ولا تعترف بالبوليساريو التي تحاول الجزائر جاهدة فرضها في قمة الجامعة العربية. فكانت الصفعة القوية التي تلقتها الجزائر تجمع كشف حساب ثقيل من لدن الدولة المصرية كبدته للنظام العسكري الجزائري بمجرد وصول الرئيس الجزائري إلى أرض الكنانة، حيت في نفس الوقت وتزامنا معه خرج السفير المصري بالمملكة المغربية ياسر مصطفى كمال عثمان مصرحا في حوار أجرته معه جريدة هيسبريس بتاريخ الاثنين، 24 يناير 2022: ما يلي " بداية، يجب التأكيد أن مصر تدعم وبقوة الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية، وترفض أي مس بوحدتها الترابية. ثانيا نحن لا نعترف بالجمهورية الصحراوية ولا توجد لدينا أي علاقات مع البوليساريو. ثالثا، وهذا لا يتم ذكره، أن مصر كانت من بين الدول التي شاركت في يناير الماضي في مؤتمر عقده المغرب وأمريكا لدعم مقترح الحكم الذاتي. كل هذا يشكل الموقف المصري ويدعم الوحدة الترابية للمغرب، ونحن نؤيد المسار الأممي وقرار مجلس الأمن الأخير الذي رحب به المغرب ورحبت به مصر أيضا؛ وبالتالي عندما ترى الموقف المصري في مجموعه فهو موقف قوي، ولا أعتقد أنه قابل للتأويل بشكل مختلف أو قابل حتى للتشكيك فيه... موقفنا قوي وواضح مع الوحدة الترابية للمغرب". هذا التصريح جعل تبون يقطع الزيارة في موقف سلبي له دلالاته في العلاقات الدولية وسيكون له ما بعده، عائدا إلى بلاده مثقلا بالذل والهزيمة دون أي انتصار أو نفع يذكر.
إن الخوض في مبدأ الإسكات الذي تنتهجه وسائل الإعلام الجزائرية وتتبعه بعين فاحصة ترصد كل القضايا الكبرى التي تتستر عليها، هو ضبط للنقط السوداء التي تظهر النظام العسكري وكهنة المرادية في مواقف ضعف وحالات من الهزيمة نتيجة سوء التسيير وعدم جدوى الاختيارات السياسية والاقتصادية والتنموية القادرة على تحسين أوضاع البلاد والعباد. وخير مثال على ما نقول هو ما شاب ألعاب البحر الأبيض المتوسط المقامة حاليا في مدينة وهران الجزائرية- ولو أن الافتتاح كان جيدا- من كوارث تنظيمية وما يعيبها من ضعف للبنيات التحتية وعدم تلبية الاحتياجات الضرورية لأعضاء اللجنة الدولية لألعاب البحر الأبيض المتوسط وللوفود المشاركة والضيوف الآتية من كل حدب وصوب، أضف إلى ذلك فضيحة منع الوفد الصحفي المغربي من الدخول الى الأراضي الجزائرية لتغطية الألعاب، واحتجازهم لمدة 30 ساعة وطردهم من الجزائر بذريعة أنهم جواسيس، كل هذا دفع اللجنة الدولية للألعاب المتوسطية، توجيه توبيخ للجزائر شديد اللهجة على يد الكاتب العام للجنة الدولية للألعاب المتوسطية، ياكوفوس فيليبوسيس، في رسالته المؤرَّخة بأثينا يوم 27 يونيو 2021، إلى عزيز درواز، المكلف بإدارة الألعاب المتوسطية، بوهران 2022، أن حفل الافتتاح لم يكن سوى وجهاً لرسالة إلى الخارج، ولم يتم إبراز قيمة الألعاب المتوسطية، إلى جانب أن خريطة بعض البلدان المشارِكِة تم محوها من حوض البحر الأبيض المتوسط.
تم تحرير الرسالة ردا على ما لاحظته اللجنة من عجز في تقديم الصورة المُثلى لألعاب البحر المتوسط، ونبهت الجزائر على أنها لم تركز إلا على حفل الافتتاح، بتسويق صورتها للخارج كبلد قوي.
ولم يفت المسؤول المذكور أن يسجل التقصير الكبير الحاصل على المستوى التنظيمي، والتجاوزات والخروقات الحاصلة فيه والتي خلّفت حالات استياء كبيرة وانطباعات جدّ سيئة لدى أعضاء الأسرة المتوسطية، وأثارت ردود فعل قوية؛ تهم من بين أشياء أخرى جانب عدم احترام مخطط النقل الذي عرف فشلا تاما إلى جانب العجز الملاحَظ في عدم تلبية الحاجيات الضرورية على المستوى الطبي، والماء الصالح للشرب، وجودة التغذية… ومع ذلك، وفي تجاهل كلي لهذه الرسالة ومعها سيل الانتقادات السلبية الذي عرفته هذه النسخة الرديئة من ألعاب البحر الأبيض المتوسط، ما زالت أبواق الإعلام الجزائرية تصر على تسويق أن دورة وهران 2022 هي أحسن نسخة في التاريخ.
بهذا نكون قد سلطنا الضوء على أهم خصائص مبدأ الاسكات الذي تتميز به الدعاية السياسية الجزائرية، وأرفقناه ببعض الأمثلة الحية من صلب الواقع الجزائري، ويبقى علينا -في قادم الايام- تقديم المبادئ الأخرى المشكلة لها والمساعدة على فهم طوبوغرافيتها على موقعكم باب المغاربة، فكونوا في الموعد.