JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


الصفحة الرئيسية

الحدث الجانح بين مطرقة القضاء والتدابير الإصلاحية


 

يوسف الأزرق، محامي متمرن بهيئة المحامين بطنجة، باحث في العلوم القانونية


يصنف موضوع الأحداث الجانحين ضمن المواضيع التي شغلت اهتمام التشريعات العالمية ومنها التشريع المغربي، فهو يحتل أهمية قصوى في السياسة الجنائية الحديثة للدولة المغربية؛ كما أن أول نص قانوني اهتم بالأحداث في المغرب هو المادة 31 من القانون الجنائي الصادر سنة 1925، والتي تبرئ الشخص غير البالغ سن 18 سنة شمسية في حالة ما ارتكب فعلا إجراميا من غير إدراك ولا تبصر؛ وتوالت القوانين في عهد الحماية والتي لم تخلو كذلك من نصوص تهم فئة الأحداث الجانحين .

وتماشيا مع خصوصية الحدث الجانح المتمثلة في ضعف تكوينهم النفسي والجسدي لم يتونى المشرع المغربي في إحداث قواعد خاصة بالأحداث الجانحين، وكذلك قضاء متخصص في جميع مراحل التقاضي؛ حيث عالجها المشرع في الكتاب الثالث من قانون المسطرة الجنائية وبالتالي تخصيص رعاية متفردة لهم خلال مختلف مراحل المحاكمة ابتداء من مرحلة البحث التمهيدي، ثم مرورا بالتحقيق الإعدادي، ثم وصولا إلى مرحلة المحاكمة وكذلك عند الزج بالحدث في المؤسسة الإصلاحية السجنية .

غير أن مسألة الطفل الحدث لم تعد تقتصر على أوليائه وعائلته؛ وإنما أصبح للمجتمع دور فعال في حمايته عبر مؤسساته المختلفة، والمسعى هنا هو تكريس مبادئ المحاكمة العادلة وثقافة حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا من أجل تحقيق هدف سام وغاية وحيدة وهي حماية الحدث من الانحراف وتقويم سلوكه وإعادة إدماجه في المجتمع. وكذلك تحقيقا للردع بنوعيه العام والخاص نظرا لما يشكله هذا الموضوع من إطراب في العلاقات الاجتماعية والإنسانية والعبث بسلطة الدولة وخرق القانون؛ وهذا موقف يحسب للمشرع المغربي لأنه يعتمد المقاربة الإصلاحية الوقائية كما يخضع الحدث للفحص الطبي في التصدي لهذه الانحرافات التي يرتكبها الحدث الجانح قبل توقيع العقاب عليه.

ونظرا للزخم القانوني والقضائي الذي عرفته المملكة المغربية نتيجة الفراغ القانوني عقب استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل؛ فإن المغرب تبنى قواعد متقدمة خاصة في قانون المسطرة الجنائية والقوانين الأخرى ذات الصلة، من أجل الحفاظ على الحدث وإنقاذه من الوقوع في أحضان الإجرام، لاسيما وأن المغرب يقر بمعاملة الأحداث معاملة تهذيبية تقوم على مبدأ التكريم والعناية التي أقرتها الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية لأنه يتميز بعدم نضوجه الفكري وعدم اكتمال إدراكه؛ ومهما يكن من أمر فيجب أن نقر أن هذه الظاهرة استفحلت وانتشرت بالرغم من أن المشرع عمل على تكييف قواعد قانون المسطرة الجنائية مع المنظومة الدولية لحماية حقوق الإنسان بصفة عامة، والأحداث بصفة خاصة مما يحتم تضافر الجهود من أجل تطويقها وإنتاج أطفال صالحين لا طالحين.

فالطفل أو الحدث هو إنسان صغير وزهرة الحياة ورجل الغد ومستقبل الدولة. وبالتالي، فإن انحرافه يشكل خسارة كبيرة للحدث نفسه ولمجتمعاتهم باعتبارهم قوى عاملة معطلة عن العمل والإنتاج؛ وإصلاحه وتقويمه وهو صغير أكثر سهولة وأضمن نجاحا وأوفى غاية من تقويمه بعد أن يكبر.

وعموما فعندما يرتكب الحدث الجانح أحد الأفعال المخالفة للقانون؛ فالمشرع متعه بضمانات في سائر مراحل الدعوى الجنائية والتي من شأنها صون حرية الحدث من أي تجاوزات قد تمس أو تخدش بكرامته؛ غير أنه يتوجب إثارة بعض الملاحظات وهي عدم تواجد المؤسسات العلاجية الخاصة بالأحداث وغياب مراكز حماية الطفولة بشكل جزئي أو كلي مما يعتبر إشكالا عمليا سواء في معالجة أو النهوض بقضايا هذه الفئة الجانحة. موازاة مع ما سبق أحث المشرع المغربي رعاية منه لهذه الفئة من المجتمع قضاء متخصصا خاصة في المحاكم الابتدائية وكذلك في محاكم الاستئناف ما يشكل ضمانة مهمة تمنح للأحداث الجانحين.

كما يندرج الاهتمام بمحاكمة الأحداث ضمن نقاش قانوني وقضائي وحقوقي واجتماعي كبير، حيث تشتد سجلاته يوما بعد يوم، نظرا لما تشكله محاكمة الحدث من خطورة كبيرة على شخصيته ومصيره وكذا العواقب المحتملة على مستقبله. وإذا كان القانون الوضعي قد استقر على تمييز الأحداث الجانحين عن الرشداء نظرا لخصوصيتهم، فإن الشريعة الإسلامية كانت هي السباقة إلى التفريق بين الإجرام المرتكب من قبل الصغار الأحداث والإجرام المرتكب من طرف الكبار الرشداء.

كما أن تقرير النماذج السلوكية التي يبدو عليها الحدث عندما يكبر إنما هي من تقاليد وعادات وقيم ومعايير ونتاج لما يتلقاه الطفل في أسرته ومحيطه الاجتماعي منذ يوم ميلاده، لذلك نجد معظم الباحثين يربطون ظاهرة جنح الأحداث بالتفكك والهشاشة التي تعترض نمو الحدث الجانح. وعلى إثر ذلك عندما يتم الزج بالحدث في المؤسسة الإصلاحية السجنية فالمشرع هنا وضع قاضي تطبيق العقوبات لمراقبة الحدث السجين ومدى قانونية اعتقاله. لهذا فقاضي تطبيق العقوبات يمكنه تقديم مقترحات حول العفو حيث ينص الفصل الثاني من ظهير 6 فبراير 1958، على أنه:《 لا يجوز إصدار العفو إلا إذا أصبح الحكم بالعقوبة المطلوب العفو من أجله لا مراد له وقابلية للتنفيذ》والإفراج المقيد بشروط وفقا لمقتضيات الفصل 59 من مجموعة القانون الجنائي وذلك بعد أن يقوم بزيارات لهذه المؤسسات وبالتالي الوقوف على مدى إصلاحه وتربيته فضلا عن القيام بتلقي تكوين مهني من أجل تأهيله وإدماجه في المجتمع لأنه يشكل واحدا من الانشغالات الجوهرية لمختلف الدول والحكومات والمنظمات المهتمة بعدالة الأحداث الجانحين.

وحتى يتم الاعتناء بالسجناء الأحداث، تم إحداث مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء سنة 2002، ويظل الهدف منها تكريس ثقافة المساعدة الاجتماعية والرعاية اللاحقة للسجناء من اجل تمكين نزلاء المؤسسات السجنية من اكتساب مهارات وكفاءات تساعدهم على الاندماج في سوق الشغل وتحمل مسؤولياتهم والمساعدة في التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للبلد؛ وقد حددت مهام هذه المؤسسة في تحسين ظروف الإقامة وتطوير التعليم والتكوين المهني لدى السجناء لإدماجهم الاجتماعي والمهني.

غير أن التشريع والنهوض بالأحداث الجانحين يعد من الوسائل المعتمدة في سبيل معالجة هذه الإشكالية العويصة؛ إذ أن إصلاحهم وإعادة تأهيلهم لن يأخذ مساره الحقيقي إلا إذا ساهم القضاء في تحقيق الأهداف التي يحددها المبتغى من الإصلاح على أرض الواقع وهو ما يعتبر انسجاما مع القوانين الوطنية ومع المعاهدات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية أو انضمت إليها وفق المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة لمنع جنوح الأحداث. ورغم ما يميز هذا الموضوع على كافة مستوياته يظل غير كاف ما دامت القوانين تفتقر للصرامة اللازمة على مستوى التنزيل والتطبيق ما يحتم وضع مقاربة شمولية تنسجم مع ملائمة التشريع المغربي والمواثيق الدولية.

لذلك مهما بلغت أي سياسة نموذجية تقارب موضوع الأحداث من تقدم، لا يمكن أن تتصف بالكمال والخلود، حيث لن يتم القضاء على انحراف الأحداث الجانحين إلا بتوفير التعليم المناسب وتقديم المساعدة لهم للبقاء أكبر قدر ممكن من الفضاء المدرسي وتبسيط الاستفادة من المؤسسات الوطنية والدولية، وكذلك رعايتهم في المؤسسات الإصلاحية السجنية ومنع الاعتداء على كرامتهم وحقوقهم بما يحقق مصلحة الحدث الفضلى ومصلحة المجتمع.
الحدث الجانح بين مطرقة القضاء والتدابير الإصلاحية

نورالدين البكراوي

تعليقات
    الاسمبريد إلكترونيرسالة