JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


الصفحة الرئيسية

المعرض الدولي للنشر والكتاب: رافعة ثقافية أم مناسبة إقصاء ثقافية؟

 



ياسين الحراق- شاعر 




بعد توقف فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب خلال الدورتين السابقتين بفعل جائحة كورونا، تنظم "وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الثقافة)" الدورة 27 بالعاصمة المغربية "الرباط". وذلك لأول مرة في تاريخ المدينة خلال الفترة الممتدة من 3 إلى 12 يونيو المقبل.

    ويشارك في هذه الدورة، حوالي 712 عارضا من 55 دولة، فضلا عن مشاركة عدد كبير من الملحقات الثقافية الأجنبية والسفارات وفق برنامج يشارك في مختلف فعالياته ما مجموعه 380 متدخلا.

    ولعل ما يميز الدورة 27 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، الاحتفاء بالآداب الإفريقية باعتبارها ضيفة شرف على الدورة، لاسيما وأن الحدث الثقافي يتزامن مع مناسبة اختيار مدينة الرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي، وعاصمة للثقافة الإفريقية.

    وإذا كان معرض الكتاب هذه سنة ينظم بالرباط بدل مدينة الدار البيضاء التي احتكرت جميع دوراته السابقة منذ انطلاقته الأولى سنة 1989 بمبادرة من وزير الثقافة السابق "محمد بنعيسى"؛ فإنه يفتح نافذة هامة للنقاش والتساؤل حول لامركزية الثقافة بتنظيم معارض دولية في مختلف المدن المغربية، ما سيشكل رافعة أساسية تفضي إلى تحقيق نهضة ثقافية تجعل المواطن المغربي قريبا من الثقافة والكتاب تحديدا، وفي الوقت نافسه فاعلا نشيطا ومراقبا للدينامكية الفكرية التي تعرفها بلادنا.

    فتنظيم معرض دولي للنشر والكتاب في مدن مثل طنجة وتطوان وأكادير وفاس ومكناس ومراكش والعيون والداخلة ووجدة، يقطع مع المركزية الثقافية ويؤثث لبلورة حكامة ثقافية تسد الفجوة القائمة بين الجهات الإدارية بالمغرب. وهو ما سيشكل نهضة ملموسة بالحقوق الثقافية وتعزيزا يحقق الانفتاح الحضاري للمجتمع، وفي الآن نفسه مساهمة بناءة نحو بلورة التعدد اللغوي ودمقرطة التنوع الثقافي وصون لقيم التسامح والتعايش المشترك، وقاطرة تعزز حق مشاركة المواطنات والمواطنين في الحياة الثقافية بشكل متساوي، علاوة عن ما يمكن أن تقدمه هذه التظاهرات من حيوية سياحية داخلية، خاصة وأن وزارة الشباب والثقافة قد أعلنت أن الهدف من تنظيم المعرض هو الاحتفاء بالكتاب ومبدعيه، من المفكرين والأدباء والشعراء، وترك بصمة تتسم بالجدة والتجاوز، وتحقيق إضافة نوعية إلى ما أنجزته طيلة السنوات السابقة.

    وإذا كانت معارض الكتب غالبا ما تعد عرسا وطنيا وملتقى لتبادل التجارب والأفكار، والاطلاع على النتاجات الجديدة في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية والتطبيقية والطبيعية، فإن الدورة الحالية، عرفت قبل بدايتها جدلا غير مسبوق في تاريخ المعرض، نظرا للعدد الكبير من النخب الثقافية التي أعلنت رفضها لمحتويات هذه المناسبة السنوية، حيث وجه مثقفون وكتاب نقدا لاذعا للمشرفين على وضع البرنامج، ما جعل وزارة الثقافة تلزم الصمت حول الكشف عن برنامج المعرض رغم تسريب معظم فقراته.

    فعلى نحو غير متوقع، اشتكى الروائي والشاعر ووزير الثقافة السابق "محمد الأشعري" من إدراج اسمه ضمن فقرات البرنامج الثقافي إلى جانب الروائيين ناصر عراق و"كمال العيادي" والأديب "أحمد المديني" دون التواصل معه، وهو الأمر الذي استغربه أحد مسؤولي إدارة المعرض.

    أما الكاتب والروائي "أحمد الكبيري" فدعا في تدوينة له على صفحته بالفضاء الأزرق إلى تصحيح الخلل الذي يلازم باستمرار دورات المعرض الدولي للنشر والكتاب بصفة عامة، وإلى رد الاعتبار إلى الكاتب المغربي باعتباره ابن الدار وليس متطفلا «في كل دورة من دورات معرض الكتاب في المغرب، ترتفع أصوات مثقفين بالاحتجاج والتذمر والشكوى، ليس لأنهم، كما قد يفهم البعض، بكائيون أو طماعون وحساد ومتهافتون، ولكن لأنهم يحسون بحيف وإقصاء يلحقهم ويلحق صفتهم ككتاب ومثقفين ويسيء إليهم وإلى تجربتهم. وهذا دليل على أن ثمة خللا ما، لم يجرؤ حتى اليوم أحد على تصحيحه وتحديثه، ليجعل من المعرض عرسا ثقافيا يحس فيه أي كاتب بأنه ابن الدار وليس متطفلا عليه أو كاتبا من درجة رابعة.»

    من جانبه، لم يستغرب الدكتور والناقد "عبد اللطيف محفوظ" من تعاقب مجموعة من الأسماء الثقافية من شيوخ وشباب على دورات المعرض باعتبارها لوبي يمارس نوعا من الإقصاء على الأصوات التي من الفروض أن تحل مكانها لقوة أثرها الفكري والأدبي، كما أردف أن الدورة الحالية يهيمن عليها بشكل غير مفهوم جنس الشعر بشكل مبالغ فيه «حين اطلعت على برنامج المعرض، لم استغرب من وجود الأسماء التي ألفنا وجودها من شيوخ وشباب.. لكن الذي أدهشني وجعلني أفكر في الاستراتيجية الجديدة، التي ظلمت تلك الأسماء التي ألفناها أيضا كما ألفنا كل الأقدار القاسية... لماذا اختفت هذه السنة، هل لقلة عدد المدعوين من المغاربة، أم لأن جهة ما قزمت بعض حجم (الشلل) وأبقت على قادتها فقط.. لذلك، تضامنا مع غيابهم الذي ألفناه، تمنيت لو وجد من يغني أغنية عبد الوهاب الدكالي (الله حي) مع تحوير لكلماتها»

    أسماء وبرمجة ولقاءات متكررة، كتاب من عدة درجات متفاوتة، الارتجال والريع وأشياء أخرى، هي ملاحظات صاغها بأسلوب ساخر الكاتب والباحث "يوسف توفيق"ّ، إذ لم يحد عن طابع الكوميديا السوداء حتى في انتقاده للنخبة المثقفة داخل أروقة المعرض الدولي للنشر والكتاب حيث وصف أحد الإعلاميين البارزين بكيليان مبابي الثقافة المغربية «نجم النجوم: أو كيليان مبابي.. وهذا يصول ويجول ويسير ويحاضر وينشط ويشنشط وله فيها مآرب أخرى»

    بينما يتسائل الشاعر جمال الموساوي، عن الهدف من تنظيم المعرض الدولي للكتاب عبر مجموع أسئلة يرى أن الإجابة عنها هو المخرج من الأعطاب التي تكتنف دورات المعرض عامة «ما هو الهدف من المعرض أصلا؟ هل الثقافة المغربية تتحدد بأشخاص أم باتجاهات في الفكر والأدب؟ هل تشرك الوزارة الناشرين المغاربة في إعداد البرنامج؟ لماذا لا يطالب اتحاد الناشرين بحصة من الأنشطة تخصص للكتب المغربية التي سيتم عرضها وذلك في القاعات المخصصة للندوات والمحاضرات وليس المقصود عمليات التوقيع المرتجلة البائسة في الغالب؟».

    من جانبها لم تفوت الشاعرة والأكاديمية "مليكة العاصمي" المناسبة لتوجيه دعوة إلى وزارة الشباب والثقافة لمناقشة موضوع سحب جائزة المغرب للكتاب، معتبرة الكتاب الذين سحبت منهم الجائزة قد عبروا عن رأيهم انطلاقا من الثوابت التي يضمنها الدستور المغربي. كما دعت إلى تعزيز وضعية المؤلف واحتضان تجربته «لا يمكن أن ينعقد معرض للكتاب في ظل موقف مهين للكتاب والكتاب، ولا شك أنكم لن تسمحوا بذلك. ولن تسمحوا لوضعية الكتّاب والكتاب أن تتكرس في الهامش بل، أن تنكص إلى أسفل الدرك. ومطلبنا الجماعي ككتاب ومثقفين أن ترفعوا هذه الإهانة الجماعية عن الكتاب. وأن تكونوا حماة الكتاب والكاتب المغربي مما يعانيه.»

    بينما انتقدت الشاعرة ورئيسة فرع "رابطة كاتبات المغرب" بمدينة المحمدية "فتيحة واضح" تهميش أجناس القصة والمسرح والتشكيل ضمن أنشطة المعرض الدولي للنشر والكتاب وهو ما اعتبرته تقليدا يجسد برنامجا غير مفكر فيه وبالتالي يغيب عنه الإبداع والخيال ولا يؤمن بمبدأ تعدد الأجيال.

    لا مراء إذا، أن المعارض الدولية للكتاب ليست مجرد أروقة لعرض الكتب، فهي تعكس عقل المجتمع وواقعه، وصيرورة الدولة نحو التقدم والابتكار؛ فلا يمكن أن تزدهر الدولة إلا حينما تتم معالجة علاقتها بالثقافة، معالجة قائمة على الموضوعية.

    ومن هنا لا بد أن تخضع الثقافة المغربية لفعل التخطيط والتدبير والخلق والإبداع كعوامل قد تساهم في صنع ثقافة مغربية خاصة قوامها الأساس: جعل السياسة الثقافية والفنية دعامة لتعزيز الهوية الوطنية وتعزيز الانفتاح على الثقافات والحضارات.
المعرض الدولي للنشر والكتاب: رافعة ثقافية أم مناسبة إقصاء ثقافية؟

نورالدين البكراوي

تعليقات
    الاسمبريد إلكترونيرسالة