JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


الصفحة الرئيسية

ثلاثة جسور معلّقة

 




رجاء بكريّة -قاصّة وروائية فلسطينية


رقصة ُفلامِنكو بِدِفءِ جسورِ بابلَ المُعلَّقة


مساء اليوم الأوّل من سنة انتظرتها سنة كاملة. مساء حبق يعود لقلبي شاهق العِطرِ عميق الوهجِ بعيد الأثر. هل ينتظر النّاس 365 يوما كي يقلبوا صفحة بيضاء ناصعة مثلي؟ أمس سجّلتُ تدوينة قاسية بحقّ سنة وَجِعة نثرتُ فيها محطّاتٍ بالغة الغرابة شَوّهّتْ صَورَ العالم الّذي عرفتُهُ حتّى الآن بعينيّ، ومسحتُها على ألم. سنة واحدة قلبت معايير الموجودات وأبعادها بِعَينيّ. صبَغَتْهُ بألوان لم تُجرّبها فُرشاتي مرّة واحدة، ولا اختارها رصاصي لمرّة عابرة لقد كانت الألوان مُطفأة تماما لا يحتملها الوهج الّذي أحبّهُ في رزنامة حياتي. تَرى هل نقابلُ الوجوه الخطأ أحيانا ونُصرُّ أن تظلّ الأبهى والأصدق برغم إدانات المواقفِ لها؟ هل نقاضي أنفسنا بغير حقّ أحيانا ونحن نعرف أنّ الحالات الّتي استضفناها طَوعا على صفحاتِنا الإفتراضيّة والواقعيّة لن تًفرِزَ غيرَ سموم لا نعرف انتماءاتها ولا هويّاتها القاتلة؟ وهل نفتّش عن فرائس نرميها في مياه القلب الإقليميّة كي يتغذّى عليها هؤلاء وهم يغادرون أم نهمسُ لهم بفكرة أخذها عن طيب خاطر لساعة طفرٍ سيعيشونها بعدنا؟ كلّها أسئلة حاصرت ساعات السّنة الفرديّة الفائتة الأخيرة وتغذّت عليها هواجسي. كُنتُ أقرّرُ حجم التّنازلات أسماءها وماركاتها، وأُحدّدُ حجم خُساراتِها، لكنّي للمفاجأة البالغة اكتشفتُ أنّ الخسارة خُساراتهم وليست خُساراتي. لقد كانت إنجازاتي أبهى ماركة أهديتها على طبق وفاء من ذهب، وللدّهشةِ المُضافةِ في الموقف مسحوا الوفاءَ وعلّموا الذّهب، لكن على مشابِكِ أوراقِهم ووهجها، وأحيانا حول معاصمهم العاطلة عنهم. لقد أضاء ترتيب الأرقام الجديدة لهذه السّنةِ الأنيقة 2022 شُهرة لأرقام الحياة. ببساطة أعجبني أن أدخل سنة تؤدّي رقصة فلامِنكو باذِخة يوزّعها زوجان ناضجان متعالقان بدفء جسور بابل القديمة، ذات الجسور الّتي سرَقت حدائق حيفا المُعلَّقة، بقتنة طاغية، هندسة خصرها وعنقها وجيدها. وداعا للوجوة الخطأ ولزهر لا يعرف أن يصير كبِرِياءِ حَبق. هذا المساء ننهي صفحة العابرين الوارمة من رزنامة تساقطت ورقاتها خلال شهر واحد. لم نؤجّلها أبدا، فقط انتظرنا إجهاضا طبيعيّا في توقيتهِ المُناسب، لا يُمكِن أن يكون أبهى من ليلةٍ كهذه باردة في قلب جليل يوزّعُ بردَهُ دفئا على صقيع العالم.. أهلا بالفلامنكو ورقْصِهِ رفيق العُنفِ، أهلا بلَحنِ باكو_دي_لوسِيا، وبأرقامهِ العالقة في زرّ أناقتِها البالغة.


بلّور_منفضة


كتبتُ عن نفسي كثيرا وأنا أسجّل ملاحظاتي عنك. أحيانا تكون الملاحظات الهامشيّة مركز تسوّقٍ كبير في نظام الكَون المُلوّن الّذي يُسَمّى نَحن. وأحايين كثيرة نكتشف أنّ ما نسينا أن نصِفَهُ لأنفُسِنا عنها هو دهشةُ الإكتشاف العابرة للمِجرّات حين نَصِفُها لِغَيرِنا، لكَ مَثَلا لحظةَ انتشاء وشغَف. أعُدّ لكَ التّفاصيل كأطفالِ الرّوضات على أصابِعي عبر هاتف لا يعرفُ كيفَ يتمارى في الأظافرَ المُمَنكَرةِ وَلَها وخَجَلا. هل نستحي أحيانا حينَ نصغُرُ ونحنُ نُحب؟ أعواما كثيرة لم نَحتَسِبها من أعمارِنا المارقة، وندوسَ عليها بمعاطِفِنا وأقدامِنا وضحِكِنا المُجلجِلِ دونَ ندم. ننكِرُها دون أن نسأل الزّمن إذا كان يوافِقُ على جحودنا، نتجاوزهُ بإصرارِ نَيزَك، فالنّيازِكُ وحدَها تملكُ طاقة العبورِ بينَ المِجرّات والأزمان وتنتصر أيضا على نِظامِ الفضاء. تُرى أهكذا أريد أن أنتصرَ عليك، أم أتحسّسَ شكل انغماري السّماوي بِك؟ مُنذُ عرفتُكَ وأنا أعدّ على أصابعي عددَ الإعترافات الّتي رسمتُها على الهواء، والطّرقات الّتي مشيتُها في دروبِ السّماء، وأنا أردّد اسمك بأحرف فالتة غير مُنَقَّطة كي أنقِّطُها بوهجِ دفئي وهو يمشي إليكِ. ألغيتُ مسمّيات كثيرة للحياة وأنا أسمّي ما يلقي بِنَفسهِ أمامي على أسماءِ صُوَرِكَ الغريبة وعينيكَ الّتي لا ترى ما يراهُ الآخرون حدّ أنّي غِرتُ منك. مصوّرٌ تقولُ عنك، فأضحكُ من تعريفكَ، وأشاكِسُكَ لا تملكُ إِثباتَ عَين! العيون لا ترى تقولُ أنت، بل هي القلوب من يسجّلُ صخب الحياة عبر عَدَسة. تَفجأُني فكِرتكَ عن العالمِ أحيانا، كيف تراني إذن وتلتقطُ صوَري وأنت لا ترى منّي غير صوتي بتقلّباتِ مواسِمِهِ وينقطعُ الصّوتُ دائما قبل أن تتبخّر قارورة العطرِ من حنايا البدن. يظلّ اشتياقي مفتوحا على نصفِ جملة، ونصفِ كلمة. نصف شهقة ونصف قلب. هل تستقيمُ أنصافُ غرغرةٍ عالقة مع ذاكرةٍ سائحة، بمثل هذه البساطة كي نُغلِقَ عليها، ونؤجّلها إلى الغَيب؟ تذكّرتُ رأس السّنة، حين اقتطعتُ إحدى سنبِلاتِ شَعرِها لأنّ الأخذ في غير المواعيدِ موهبة. تعالَ نسأل جمهور السُّنبُلاتِ أيّ الرّغباتِ ينتقي، أَبَريق الخواتمِ أم خشخشةَ الأساور أم بلّور المِنفضة؟


كنتُ دُعسوقة صغيرة جدّا تُدبّقُ..


أمام الأبواب المفتوحة كما المُغلَقة تحدُثُ الأشياء. حيوات تنهضُ وتسقُط، ذاكرة تبكي وتضحك، صورٌ تلتئِمُ وتتمزّق وقلبٌ يدقّ بِعٌنفٍ ولا يُعلِن. أمام ذلك الباب المُغلَق تقاتلت مدُنٌ وتصالحت قبائل وأنا أوزّعُ كَذِبي الأبيض عن بُعدٍ على كتفيكَ. لم أعترف مهما رقّت روحِك أنّي أُحسّ شعطّة شوق كي أدَوِّرَ عُذوبتي حَولِك وأدبّسَ البابَ للأبد بِصَمْتِه. لم أعترف، حتّى وأنا أحتضِنُك وأُعلِنُ شبَعي من كلامِ العُيونِ المُشاكِس أنّ فكّي الأسفل ارتجفَ من برودةِ كفيَّ وهما تضعان حنانَ العالم في يديك وتظلّانِ مُحايِدتين. لم أعترف أنّ دورة المواسِم احتضنت جسدي في غمرة نرجس يُقاتِل على شَرعِهِ في إطلاقِ مِزاجِهِ على أوراق الخريفِ والشّتاء والرّبيعِ دفعةً واحِدة، ونَعفِ رغبتي في بدَنِكَ الواقف في طابور انتظارٍ طويل دفعةً واحدة أيضا. كلّ الّذين تقصِفُهُم عاصفة ثلجيّة لئيمة ينكمشون مثلي على شراسة الصّفعة حتّى يأتي زهرٌ يَقْبَلُ أن يَشُمَّ العِطرَ الّذي يتأخّرُ في نَومِهِ، يبتسم ولا يُحاسِب. ابتسامة من النّوعِ الّذي يُسافِرُ خلف غمامة تائهة. لم أصادف رجالا يكفِتُ ضوء ثُغورِهم طللا على منابت االلّهف وينشر اللّغةَ غسيلا على حبالِ الصّوت. كُنتَ يا سيّدي اللّهفَ واللّغةَ والصّوت. كلّ المعاني معا دفعة واحدة، مثلَ حُبّ يدفَعُ كلّ الأبواب الموصدةِ بركلةِ قدمٍ عنيفة واحدة لأنّها تُجيد تدوير زاوية الالتفاف في لِعبةِ الحياة. تُرى هل نسيتُ لِعبةَ تدوير الأصابِع حتّى أطبقتُ على لمعان باهت يذهب وأنا أخبرُ الحياة حرارة احتضاني إلّاكَ أنت؟ كنتُ دُعسوقة صغيرة جدّا تُدبّقُ في ملابِسِك تَشرُقُ العُيونَ إلّا عينيكَ..



حين مسحتَ على خطّ قلبي بإصبعِك



وغارَ جمرُ الهواء. غارَ شَوقا إليك. لم أتعرّف على الجمر الّذي يغارُ في الهواء، لكنّي لسَعتُهُ في مصادِرهِ الأولى بعيدانِ حطبٍ شَلَختُها عن زيتونتنا في صِغَري. أتيتُ بها خضراء طريّة إلى جبل صغير من التّراب تعيشُ تحتَهُ قبيلة من قِطَعِ الشّجرِ اليابِس. يُسمّونَها مشاحرَ، ربّما لأنّها تُشَحِّرُ الفضاءَ بدُخانها الأسود وتُبدِّلُ لونَهُ، ولونَ الوجوهِ الّتي تفُجُّ حطبَهُ حين ينضُجُ ويصيرُ فحما نُشعِلُهُ في كوانين الحياة ونتدفّأ. كنتُ أحدّقُ بالفحمِ الأسود مُبتهِجَةً، وأنا أُحَرِّكُهُ تحت الرّماد وأضحك. واليومَ أحرِّكُ ذاتَ الجَمْرِ بأصابِعي مكانَ غُصنِ الزّيتون وتزوغُ عيناي إلى جمرِكَ. تتيهُ في شَررِ المسافة الّتي تفصِلني عنك. وأتساءل كأنّ في سؤالي تهريبا لرمادٍ نسيتُهُ مُنذُ زَمَن، كم عدد النّساء اللّواتي جمَرَتْهُنّ رقّتُك، فيبتسمُ سِنُّكَ وتمسحُ سؤالاتي بإصبَعِكَ، ذاتِ الاصبع الّتي جمَرت هواءَ اللّهِ بفِتنةِ خطوطِها وتزيّت. لماذا إذن ندوسُ على الجمرِ أحيانا ونحنُ نعرفُ أنّهُ يحرقُ رُسغَ اليدِ بحنين لا يُقاوَمُ للغُيّاب؟ والرّسغُ غيرُ القلبِ والكَتِفِ والحُنجرة لأنّهُ أماكنَ مُعرّفة لدفءِ الرّيق والتّوقِ معا. أنا لا أستبِقُ الأسماءَ الّتي وزّعتُها عليكَ لحظة وهج، لكنّها وحدها جاءت على فمِ طير بديع إليّ صباحا، كَتَّت حروفها في كَفي وطارت. لم تنتظر دهشتي، كانت مشغولة بقشّةٍ ترتاحُ فوقَ جناحِها، كانت تؤسّس بيتَها وتفكّرُ بطريقة تنقُلُ فيها أسماءَ السّماء. ماءُ السّماء أحجيةُ أرواحٍ التقت في لُجِّ زَحمةٍ وشَهوةِ عناق. كُنتَ الزّحمةَ والرّهبةَ مَعا، مُعلّقتانِ في عًنُقِ الفضاء. وكلّما أرسلتُ عينيّ اللّتينِ تُحبُّهما إلى فَوق غارَ الجمرُ والهواء. فهل تُغامِرُ في التّبعثُر وروحي توشوشُ حَرّى لهفِك وتشتاق؟ كُلّما كتبتُ لكَ "اسمع"، أرسلتَ إليّ رسمَ أُذُنٍ مُغلقةٍ عليَّ. كأنَّي إذّاكَ أصيرُ إلى جنيّةٍ صغيرةٍ تتعبّأُ أذُنَكَ، مُرهفةَ الإيقاع، فلِهذه الدّائرة غير المُرتّبة قلبٌ لا نراهُ نحن المُنشَغِلينَ بِخَضِّ الحَياة. وحين أنكمشُ في دوائرها أتعرّفُ لتفاصيلي فيكَ أكثر، وأفهمُ أيضا أنّ صوتي يضجُّ معكَ دُفوفا تُجَنِّحُها الرّيحُ، فأَحكي لكَ أوراقَ شهرزادَ للملك، "حكايا ألفُ دقيقةٍ وثانية". وكُلَّما توقّفتُ، سألتَني "أما زالَ رُقاصُ شغَفِك مُعلّقا هناكَ في عُنُقي؟ أستفزُّكَ، "نقَرَتهُ العصافيرُ" فتغضب، وتَنتَزعُ الحِكاية من طُفولتِكَ شَغَبَها، فَتُرسِلُ إليَّ وجهاً مُفَتّحَ الرّأسِ عليّ، بحاجَبٍ معقوف، وفمٍ مُغلَق. أُشَقرقُ دهشةً كأنّ في شَقرَقةِ الرُّسغِ ما يُحيلُ الألفُ دقيقةٍ وثانية لقُلوبِ زيتونٍ أخضر حاملٍ براعِمَ زنبَق. لقد بدّلَ الزّيتونُ عصيرهُ كُرمى لحكايا الملكِ السّعيد الّذي عِشناهُ في الحِكاية..وأهمسُ في ذاتِ الأُذُنِ بِشَغَف لا يُصدّق، "أيُّها الملِكُ السّعيد ذو الرّأي الرّشيد، هل أتابعُ نَعفي، أم أعيدُ صبغَ جمرَ الدّقيقة بالثّانية وأتدَوزَن؟"
ثلاثة جسور معلّقة

نورالدين البكراوي

تعليقات
    الاسمبريد إلكترونيرسالة