JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


الصفحة الرئيسية

المقاومة برصاصة الجمال: من عهد الأدارسة إلى معركة أنوال (الجزء الثاني)


 

ياسين الحراق - شاعر وباحث في التاريخ


ظلت الكتابات الشعرية المغربية في بداية القرن العشرين، تشكل امتدادا لمرحلة سابقة تميزت بانحطاط الإبداع الشعري، فأصبح الشعر خال من الحياة ولا يعمق التجارب أو يحمل في ترنيمات أوزانه وقوافيه، ما يدفق العواطف. فكان طبيعيا أن تصرف الأوساط الاجتماعية اهتمامها بالمشاعر فضمحل بذلك حضور هذا الجنس من الأدب.

ورغم ذلك، ظلت نخبة مثقفة فتية تعمل على تطوير الشعر العربي تطويرا يساير البعث الجديد الذي كان يشهده في المشرق. ويرجع سبب ذلك حسب "الدكتور إبراهيم السولامي إلى تحرج الفقهاء من إلقاء الشعر باعتبار حقل الأدب عامة، والشعر خاصة ينتقص من مقامهم بين الناس، ثم إلى الوقفة الباهتة لرجالات الدولة اتجاهه.[1] فضلا عن عامل الجهل. وقد صور محمد المختار السوسي في مؤلف المعسول هذه الحالة ببيت نقله عن الشاعر لبيد بن ربيعة:

 

« الكلب والشاعـــر في رتبـــة     وددت أنـــي لم أكن شاعـــرا »[2]

 

    ومع بداية المرحلة الاستعمارية التي تؤرخ بتوقيع عقد الحماية وتمتد حتى سنة 1956م. سيتحتم على الشعر العربي المغربي أن يصير من أهم الأسلحة التي تجابه المد الاستعماري وتستنهض الهمم وتصدع باللسان ضد هجمة السلب اللغوي والثقافي.[3]

     وهكذا ساهمت موجات الاحتجاج التي جاءت ضدا على آلتي القمع الفرنسية- الإسبانية بشكل أو بأخر، في تغيير هذه النظرة الباهتة تدريجيا، وتحول الشعر من أغراض الترفيه والتأنيس إلى غرض تمرر من خلاله القضايا القومية والتحررية. فبدأت نفس الفئات التي كانت قد تذمرت من قبل تعتز بقريحتها وفي ذلك يقول محمد المهدي الحجوي:

 

« الشعـــر روح في الفؤاد كريمـــة    يوحــي إليها الكون ما يخفيــــه »[4]

 

     في خضم هذه التحولات، كيف كانت رؤية الشاعر المغربي للاستعمار ؟ كيف ساهم في تأجيج الشرائح الاجتماعية ؟ وما هي الأدوار التي لعبها داخل الأوساط الثقافية المغربية في محاولة لترسيخ المعالم النهضة ؟ وما هي أهم الروافد الإيديولوجية التي كان ينبع منها الشعر المغربي في محاربته للامبريالية ؟ وما دوره في المقاومة المسلحة التي كانت انطلاقتها من البوادي ؟

الشاعر المغربي وعقد الحماية:

 

     تم توقيع معاهدة الحماية الفرنسية على المغرب يوم 30 مارس 1912م خلال حكم السلطان عبد الحفيظ. كتتويج لسلسلة من الاتفاقيات المبرمة بين القوى الكولينيالية - إيطاليا، إنجلترا، ألمانيا...- الهادفة إلى الحصول على الحصة المغربية. فأجبر العاهل المغربي نتيجة التهديدات المتواصلة إلى توقيع المعاهدة « ولم يكد السلطان يوقع المعاهدة حتى أدرك ما كانت عليه معارضتها من حماسة واتساع، وما كان عليه مركزه من تضعضع »[5]، وهكذا غادر المغرب « في 12 آب  آخر سلطان شريف مستقل ».[6]  

      وفي اتفاق نونبر من عام 1912 اعترفت السلطات الفرنسية بحق إسبانيا في السهر على المناطق الشمالية وأن تتدبر أمورها باستقلالية شبه تامة عن فرنسا مقابل تبعية هذه المناطق  للمغرب. في حين تبقى منطقة طنجة ضمن النظام الدولي.[7]

     كما هيئت إدارة الاحتلال الفرنسية - الإسبانية كل صغيرة وكبيرة لتسهيل عملياتهما الاستعمارية بالمغرب، وبالمقابل، تبلورت رابطة متلاحمة للدود عن الثوابت الوطنية تمخض عنها مواجهات عنيفة عمت مختلف ربوع البلاد، كالريف والأطلس والجنوب، وقد تزامن ذلك مع ظهور مجموعة من المنظمات الفدائية السرية كمنظمة « اليد السوداء، الهلال الأسود، أنصار محمد الخامس، اليد المتوكلة على الله».[8]

 

     وإلى جانب المقاومة المغربية المسلحة نشأ فصل آخر من المقاومة ينتظم ضمن الإطار السلمي على غرار ما انتهجته الحركة الوطنية ونقصد بها المقاومة الأدبية التي لوحظ بعض التحسن في أداءها خصوصا في مجال الشعر الذي شهد نهضة سريعة. حيت سجل تهافت كبير في كتابة القصائد بعد أن فسحت الصحف المجال أمام المبدعين للإدلاء بإبداعاتهم، كما أبين عن روح وطنية في عدد كبير من الأشعار.[9]منها نصوص اليفراني الذي كشف عن حس أدبي مناوئ لنظام الحماية وللمستعمر قاطبة:

 

« وقـد بلغ السيـــل الزبى بظهوره       وإن لم يداوى  العـــر بالكي يزدد

فقــد طبق الصحراء بالنحس شؤمه       وأعـدى نواحـي التل بالخبث الردي

وجــاس على هاذي السواحل كلما       يبحــر سفيــن بالقوارب مزبد »[10]

 

فاليفراني لا يرى في هذه السياسة الجديدة المفروضة على المغرب، سوى مكيدة ومصدر شؤم أطبق على البلد كله. فهو بذلك يدق ناقوس الجهاد حتى "يداوى العر بالكي"، ولدرء هذه السياسة الاستعمارية يتوجب حسب الشاعر محمد السليماني على حماة الدين من علماء وفقهاء وكل صاحب فضيلة، أن ينهض من سباته للقيام بهذه المهمة المقدسة داعيا في الوقت نفسه إلى التمسك بتعاليم الدين الإسلامي حسب ما تكشفه أبياته الشعرية:

 

« حمــاة الدين هبوا من سبـــات    فمـركزنـا يؤول إلى الخــراب

تركنــا الديـن خلفـا لا نبالـي    ولم نترك لنــا غيـر انتســاب »[11]

 

     أما محمد بن إبراهيم، فيلقي باللائمة على بني وطنه واصفا إياهم بأكثر الشعوب تقاعسا عن نيل الحرية، ولذلك فهو يحث بني جلدته على مسايرة التقدم الذي يشهده العالم موضحا أن زمن الجهل قد ولى وحل محله زمن العلم:

« بنـي وطنـي إن الشعـوب وأهلهــا      قـــد استيقظت طـرا وأنتـم نوم

هـــو الوطن المحبـوب يرجو من أهله      سماعــــا لشــكواه وأهلـه أنتم

مضـــى زمن الجهل الذميــم زمانه    وهــذا زمـــان آن فيـه التعلم » [12]

 

     ولا يختلف محمد المختار السوسي بوصفه شاعرا مع طرح محمد بن إبراهيم منتقدا واقع المرحلة الاستعمارية مؤكدا أن أي مقاومة، لا بد أن تنطلق من أمة متعلمة تقودها نخبة مثقفة ومن ثمة فهو يذكر ويعاتب مجتمعا لا يعي تاريخه الحافل بالانتصارات والأعمال الكبيرة:

حتى متى شعبي يعبده الجهل     كأن لم يكن قطبا للسيادة من قبل

كأن لم يكن يوما مديرا لتلكم المما     ليك يحمي ما يشاء ويحتل

***

تسقط على الأرض السماوات ولتقم     قيامة شعبي فالهلاك ولا الـجـهل

فقد ضاق بالشعب الجهول خنـاقـه   وقد ساء محياه وقد طفـح الـكيل [13]

 

     ولتفسير الأوضاع المزرية التي آلت إليها البلاد يرى محمد السليماني أن سبب ذلك راجع إلى ترك التعاليم الدينية والانغماس في الطرقية وأشكال الجهل باعتبار أن أسلافنا الأوائل ما بلغوا ما بلغوه من عز وتقدم إلا بناء على تمسكهم بهذه المعادلة، التي أمنوا بها وأن الغرب ما وصل إلى ما وصل إليه من تقدم إلا بالعلم والاجتهاد:

 

«  أمــا ترك الرســول لنـا وصايــا     تقـود المسلمــين إلى صــواب

مصــانعنا ألم بهـــا فســــاد      فأصبحت الضـــائع في اضطراب

وســاد علـى تجـارتنـا كســاد        فرأس المــال منخرم الحســاب

وزاحم فـي فلاحتنـــــــا أناس      جنوا من ريعهـا عجب العجـاب[14] »

     من هنا يتبين الشرخ الكبير الذي أحدثه عقد الحماية داخل الأوساط المغربية، لاسيما بعد أن انحرف عن المسار الذي أبرم من أجله، ما أفضى إلى تيقن الغالبية تيقنا لا يقبل الشك أنهم أمام احتلال ممنهج ومنظم تستوجب مقاومته بعدما تبينت المرتكزات الاستعمارية المستترة الرامية إلى ضرب المصالح الحيوية للمغاربة.


المراجع



[1]- السولامي إبراهيم، الشعر الوطني المغربي في عهد الحماية ، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، طبعة 1974، ص: 8.

[2]- السوسي محمد المختار ، المعسول ،الجزء السابع، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، طبعة 1963، ص: 148.

[3] - المديني أحمد الأدب المغربي الحديث  مجلة الموسوعة الصغيرة، عدد 136، دار الحرية للطباعة، بغداد 1983 ص: 65.

[4] -  القباج محمد بن العباس ، الأدب العربي في المغرب الأقصى، الجزء 2، مطابع فضالة ،المحمدية، طبعة 1979، ص: 10.

[5] روم لاندو ، تاريخ المغرب في القرن العشرين ، ترجمة نيقولا زيادة، دار الثقافة، بيروت، الطبعة الثانية، 1970ص: 108

[6] - نفسه، ص: 109.

[7]عسه أحمد ، المعجزة المغربية ، دار القلم للطباعة، بيروت ، الطبعة الأولى 1975، ص:152/153/154/156/157.

[8]- أورد اسم هذه المنظمات الفدائية  الدكتور أحمد زيادي في إحالة مؤلفه الاتجاهات الوطنية في النثر المغربي الحديث في عهد الحماية (1912/1956)، عن سلسلة رسائل وأطروحات، رقم 45، منشورات كلية الآداب بالرباط ، مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء ص:475.

[9]- يؤكد الأستاذ أحمد الطريسي أعراب في مؤلفه الابداع الشعري والتحولات الاجتماعية والفكرية بالمغرب من أواخر ( ق19 ) إلى منتصف (ق 20) "أن مفهوم الشعر عند المغاربة خلال فترة الحماية الفرنسية، أصبح مرتبطا بفكر الحركة الوطنية ورصد التحولات الاجتماعية وأيضا بتكريس دينامية الوعي الوطني لدى عموم المجتمع ( ص: 146).

[10]- السلاوي محمد أديب ، الشعر المغربي مقاربة تاريخية 1830-1960، مطبعة أفريقيا الشرق، الدار البيضاء ، طبعة 1986.  

[11]- كنون عبد الله، أحاديث عن الأدب المغربي الحديث، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 1978، ص: 65/66. 

[12]- أحمد الطريسي أعراب الرؤية والفن في الشعر العربي الحديث بالمغرب، منشورات المؤسسة الحديثة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1987، ص: 207.   

[13] القباج محمد بن العباس ، الأدب العربي في المغرب الأقصى، الجزء 2، مطابع فضالة ،المحمدية، طبعة 1979،ص: 64/65.

[14]- كنون عبد الله،  مرجع سابق، ص : 66.


 المقاومة برصاصة الجمال: من عهد الأدارسة إلى معركة أنوال (الجزء الثاني)

نورالدين البكراوي

تعليقات
    الاسمبريد إلكترونيرسالة