ترجمة فخري صالح
المرجع: صالح فخري، شعرية التفاصيل: أثر ريتسوس في الشعر العربي المعاصر، منشورات الاختلاف، الدار العربية للعلوم ناشرون، طبعة 2009.
صانع الفخار
في أحد الأيام وبعد أن انتهى من صنع الأباريق وأواني الزهور
وأوعية الطبخ الفخارية تبقى لديه بعض من
طينة الصلصال فصنع منها امرأة. كان نهداها
كبيرين وصلبين. تاه عقله. عاد إلى البيت متأخرا.
تذمرت زوجته فلم يجبها. وفي اليوم التالي
احتفظ بكمية أكبر من الصلصال، وفي اليوم الذي تلاه
احتفظ بكمية أكبر أيضا.
لم يعد يذهب إلى البيت فهجرته زوجته.
احترقت عيناه. أصبح يسير نصف عار. ارتد شريطا أحمر
تدلى من وسطه.
كان يرقد طيلة الليل مع المرأة الفخارية. وفي الفجر
كنت تستطيع سماعه يغني خلف سياج الورشة.
خلع الشريط الأحمر عن وسطه أيضا. عاريا، تماما
أصبح الآن
وحوله الأباريق الفخارية الفارغة، وأواني الطبخ الفخارية
الفارغة، وأواني الزهور الفخارية الفارغة
والنساء الجميلات العمي الصماوات الخرساوات بنهودهن
المقضومة.
درجات الإحساس
غطست الشمس وردية اللون، برتقالية. والبحر
مظلما كان، أخضر لازوردي اللون. وبعيدا هناك ظهر قارب
علامة سوداء تتأرجح في المدى. أحدهم
نهض على قدميه وصرخ: «قارب، قارب».
أما الآخرون الجالسون في المقهى فقد تركوا مقاعدهم
وحدقوا.
كان هناك قارب بالتأكيد. لكن الشخص الذي صرخ نظر
إلى أسفل،
وكأنه يشعر بالإثم الآن بتأثير نظرات الآخرين المتجهمة،
وقال: «لقد كذبت عليكم».
في الليلة نفسها
عندما أشعل الضوء في حجرته عرف في الحال
أن ذلك الشخص كان هو نفسه، في مكانه هو، منعزلا
عن سرمدية الليل وامتداداته. وقف
قبالة المرآة ليتأكد أنه كان هو وليس شخصا آخر. ولكن
ماذا عن تلك المفاتيح التي
تتدلى من عنقه في خيط وسخ
ذات ليلة
كان القصر موصدا منذ سنوات طويلة،
كان يتهاوى سنة بعد سنة – الأسيجة، والأقفال، والشرفات؛
إلى أن أضيء
فجأة ذات ليلة الطابق الثاني بأكمله،
نوافذه الثمانية أشرعت جميعها، وأبواب الشرفتين الإثنتين
أزيحت الستائر عنها.
المارة قليلو العدد توقفوا وتطلعوا إلى أعلى.
صمت مطبق. لا حياة هناك. فضاء مربع مضاء. باستثناء
شيء وحد فقط،
تلك المرآة العتيقة المسندة إلى الجدار،
ذات الحلية الثقيلة المصنوعة من الخشب المحفور الأسود،
والتي تعكس
الحواف المتقابلة للأرضية المتعفنة إلى عمق خيالي.