JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


Startseite

المغرب والجزائر: دبلجة جديدة للحرب الباردة

 



ياسين الحراق- شاعر وباحث


تحول العالم سنة 1991، إلى قرية صغيرة تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي. فصارت الخصوصيات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للدول تذوب لتطفو على سطح العالم الراهن هوية كونية.

ولم يكن هذا التحول الكوني يسيرا فقد تمخض بعد صراع طويل بين القطبين مقتحما مختلف الميادين والقطاعات بما فيها الثقافة والفن؛ فبينما العالم مشغولا بالبعد العسكري للحرب الباردة، طفت رحى حرب فنية بين المعسكرين الشرقي والغربي حيث استثمر كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية بسخاء لدعم القطاع السينمائي باعتباره وسيلة دعائية تساهم في توجيه الرأي العام والتأثير على العقول حول العالم، وذلك لبساطة محتواه، وسهولة تلقيه وانتشاره أكثر من أي وسيلة فنية أخرى.

فظهرت سلسلة من المحتويات السينمائية كمسلسل «Get Smart» وأفلام «JFK» و Rocky 4 الأمريكية. في حين ردت الدعاية السوفيتية بحزمة أفلام من قبيل The Ugly American، The Cranes Are Flying، Moscow Does Not Believe in Tears.

وبما أن التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة بتعبير الفيلسوف كارل ماركس، يعاد اليوم استكمال أطوار هذه الحرب بدبلجة مغاربية خالصة.

فبعد اقتناع الجزائر بعدم جدوى الصراع العسكري لمحدودية قدراتها العسكرية عقب فشلها في حرب الرمال وأسلوب الحرب بالوكالة، إضافة إلى انكماش نظامها السياسي، تبنت مؤخرا أسلوب الحرب الثقافية وهي حرب تقوم على استحضار الأبعاد الحضارية باعتبارها جزءا من العوامل المساهمة في بناء مشروعية النظام وتبرير سياساته. كما أنها مادة مثيرة للجدل تستطيع من خلالها لفت انتباه الرأي العام والتأثير فيه وتوجيهه.

ومن هنا طفت جملة من النقاشات الحضارية المثيرة للجدل ركز بعضها على الأصول التاريخية للباس القفطان وتقاليد الزواج في المنطقة المغاربية، وتاريخ المطبخ. فضلا عن الاستيلاء على الملكية الفكرية لعدد مهم من الأعمال السينمائية المغربية.

وقد تفاجأ متتبعي السوشيال ميديا في المغرب، بتشكيك المؤسسة الإعلامية الجزائرية المتمثلة في قنوات النهار والحياة والفجر وباهية تيفي وغيرها في الجذور التاريخية لمكونات التراث المغربي بنسب العديد من التقاليد المغربية إلى أصول عثمانية أو جزائرية. ويبقى أهم سجال حضاري دار بين البلدين الجارين، هو السجال الدائر حول جذور لباس القفطان الذي اكتسح الصفحات الإعلامية الرسمية للجزائر، فضلا عن اكتساحه لقنوات الإعلام السمعي والبصري الحكومية، حيث ركزت هذه القنوات على إرجاع هذا اللباس إلى أصول عثمانية فيما أرجعته منابر إعلامية أخرى إلى فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر موضحة أنه أدخل إلى المغرب عن طريق الهجرات الجزائرية الفارة من السطو الكولونيالي، وهو تأصيل لا يستقيم من وجهة نظر تاريخية باعتبار هذا الشكل من اللباس كان موجودا من حيث المظهر العام قبل تكون الدولة العثمانية. فالنتف التاريخية ترجح أسبقية الفينيقيين والقرطاجيين في استعمال لباس مشابه للقفطان من حيث الشكل، ثم ظهر فيما بعد بالإمبراطورية الفارسية كلباس حرب. غير أن القفطان المغربي من حيث وظيفته لا يتماشى مع المعطيات التاريخية المشككة في أصوله كما أنه لا يتقاطع مع الاستنتاجات التي ترجعه إلى العصور القديمة لبلدان المغرب الكبير.

وبالمقابل تطلعنا القطع الأثرية والمصادر التاريخية على معلومات غنية حول التطورات التي شهدها هذا النوع من اللباس فالقفطان نشأ في البداية كلباس خاص بالأمراء والملوك وتحديدا خلال فترة الدولة الموحدية حسب مخطوطة " Cantigas de Santa María " ثم تطور إلى لباس خاص بالنساء خلال الفترة المرينية حسب حسن الوزان صاحب مؤلف "وصف إفريقيا"، وبالتالي تفند هذه المعطيات الأطروحة الإعلامية للجزائر..

في خضم هذا الجدال، اكتسح مواقع التواصل الاجتماعي نقاش آخر حول المطبخ المغاربي أثارته القنوات الحكومية الجزائرية نفسها، وهو سجال متطرف يقوم على نفي ملكية الأطباق المغربية والتشكيك في أصولها. وهذا طرح لا يستقيم جغرافيا واجتماعيا وتاريخيا ويفسر ذلك بكون معظم الأطباق الشهيرة كالكسكس والطاجين...، تعود إلى أصول أمازيغية تمتد من المغرب إلى ليبيا؛ أي أن هذا النتاج هو من إنتاج الإنسان ذاته في تفاعله مع الواقع والمجال فكان لابد وأن يفض هذا النزاع الحضاري بتدخل منظمة اليونسكو التي حسمت على الأقل في أصول طبق الكسكس معتبرة أنه ذو أصول مغاربية مشتركة حيث يصعب الحسم في أصوله الدقيقة من خلال المصادر رغم ترجيح كفة المجال المغربي. ومع ذلك لا يخف التفوق المغربي في مجال الطبخ. إذ يمكن استخلاص حيثياته من خلال المراتب العالمية المتقدمة التي استطاع المطبخ المغربي بلوغها حسب الأرشيف الرقمي Wayback Machine. بينما تذيل المطبخ الجزائري التصنيفات العالمية.

ولعل أطرف السجالات التي دارت بالمنابر الإعلامية غير المرئية كموقع البلاد وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، هو ربط التقاليد المغربية في حفل عرس لاعب برشلونة الإسباني عثمان ديمبلي بكونها تقاليد جزائرية.

وربما يتساءل المتتبع للشأن السياسي للمنطقة المغاربية، حول أسباب التحول من الصراع السياسي والعسكري، إلى الصراع الحضاري إلى حد أن وزير الخارجية الجزائر يغير أسلوب تقديم التحية مع وزيرة خارجية بلجيكا في قمة الاتحادين الأوروبي والأفريقي في بروكسل بامتناعه عن المصافحة رغم تناقض سلوكه مع إيديولوجية النظام الجزائري كسلوك حاول من خلاله لفت الانتباه.

غير أن لفت الانتباه لا يكفي إذا كانت الدولة لا تستشعر أهمية تراثها الخاص، أو لا تتوفر على المقومات التي تمكنها من كشف عناصر تراثها لتكوين هوية وطنية تجعل الخطاب الجزائري يبدو قويا على الأقل في المنطقة المغاربية. لذلك عمدت القنوات الجزائرية إلى الارتماء على تراث الآخرين ونهبه.

إن التحول الجزائري نحو إقحام الثقافة لإيقاد نيران الحرب الخافتة بين المغرب والجزائر، ينم عن إخراج جد رديء لاسيما وأن أغلب العاملين داخل أروقة المؤسسات الجزائرية، ينتمون إلى فئة العسكريين ولا يمثلون حقل الثقافة؛ فكل محاولة لطمس الهوية الثقافية للبلاد لا تستقيم، ما دامت الببليوغرافيا التاريخية لا تساعد حتى على إمكانية التأويل. وبالتالي يسهل نسف البناء الجديد لأنه بني بمواصفات حديثة مكشوفة ما دام ليس بإمكان البناء الجزائري (رغم محاولات النظام الجزائري اليائسة صنع تاريخ مزور باعتمادهم على الويكيبيديا)، مماثلة البناء المغربي العريق. وبالمقابل قد تتمكن المؤسسات الجزائرية من خداع ناشئتها عبر استصدار تاريخ جديد يقوم على التزييف والاستلاب ضمن المقررات التربوية والتعليمية، لكن لا يمكن وضع خط آخر غير مواز لخط التاريخ الأصيل.



المغرب والجزائر: دبلجة جديدة للحرب الباردة

نورالدين البكراوي

Kommentare
    NameE-MailNachricht