د. سعيد ميراري - باحث في التنمية المستدامة
يعود إدراك المجتمع الدولي لخطورة ظاهرة تدهور الأراضي في المناطق القاحلة، ولا سيما الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المرتبطة بها إلى أوائل السبعينات. فعلى سبيل المثال، اعتمد مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة التصحر لعام 1977 خطة عمل لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد مناطق شاسعة من العالم[1]، بيد أنه لم يتم إنشاء لجنة حكومية دولية إلا بعد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في ريو في عام 1992 [2]. واتفاقية مكافحة التصحر، هي الاتفاقية الوحيدة الناتجة عن اعتماد إجراء باريس يونيو 1994 ودخلت حيز التنفيذ في دجنبر 1996، وتعتبر كالصك الأول والوحيد الملزم قانونا للتصدي لظاهرة التصحر، كما تستند الاتفاقية إلى مبادئ المشاركة والشراكة واللامركزية (الإطار 1).
ويعرّف التصحر بأنه « تدهور الأراضي في المناطق الجافة وشبه الجافة وشبه الرطبة نتيجة لعوامل مختلفة، بما في ذلك التغيرات المناخية والأنشطة البشرية»[3]، كما أن الظاهرة تؤثر على المزيد من المساحات الخضراء وتؤدي إلى انخفاض كبير في الإنتاجية البيولوجية والاقتصادية للأرض. كما يعرف مكافحة التصحر على أنه: « استصلاح متكامل للأراضي من أجل التنمية المستدامة بهدف منع و/أو الحد من تدهور الأراضي وإصلاح المتدهور جزئيًا منها والمتصحر منها كذلك»[4]. ووفقًا للمفهوم السليم للمصطلح وللقواميس البيئية فإن التصحر هو تحول المناطق الخضراء إلى صحراء، وتتجلى هذه الظاهرة في تدهور الغطاء النباتي وموارد التربة والمياه مما يؤدي إلى انخفاض أو تدمير الإمكانات البيولوجية للأرض أو قدرتها على دعم السكان الذين يعيشون فيها.
كما تعزى ظاهرة التصحر أساسا إلى الأنشطة البشرية[5] من نمو ديمغرافي وتمدن الواحة وزيادة الطلب على الغذاء وبالتالي تكاثر قنوات الصرف الصحي ونقط تجمع الأزبال وتفاقم الرعي الجائر وتوسع أراضي الفلاحة التسويقية كزراعة البطيخ التي تؤدي إلى الضغط المتزايد على الموارد المائية وتسريع عملية التصحر[6]. رغم تكيف الغطاء النباتي والتربة في المناطق القاحلة مع ظروف الجفاف المتكررة على مر القرون الماضية، واكتساب القدرة على استعادة خصائصه بعد كل اختلال[7]. فتوالي سنوات الجفاف ليس سببا رئيسا للتصحر، لكنه عامل جريء يثير الضغط البشري على موارد الواحة. من جهة أخرى لا يمكن إنكار التدخل البشري في عملية التصحر وذلك عبر تأثير الظروف المناخية القائمة من توالي سنوات الجفاف وقلة هطول الأمطار على زيادة الطلب على الموارد الطبيعية حيث أصبح من الصعب على النظم الإيكولوجية والاجتماعية مقاومة عملية تصحر الواحة.
إن عملية تردي الواحة بشكل عام، تبدأ بتغير الغطاء النباتي وتعديل نمط الأحياء الأصلية للواحة بأخرى مستحدثة، كما تتقلص بشكل متزايد القدرة على إعادة إنتاج وتجديد الغطاء النباتي. ومن جهة أخرى تتعرض التربة التي تكون أقل حماية بالغطاء النباتي لعوامل حث ميكانيكية كهطول الأمطار الذي يتسبب في انجراف التربة وتغير ظروف تكوينها السطحية (التعرية) وحث الرياح الشرقية الجافة والساخنة، مما يؤدي الى انخفاض الكتلة الحيوية بالتربة ومنه الى خسائر تدريجية في المواد العضوية وهي أحد العناصر المحددة لخصائص التربة. ويؤدي انخفاض الاستقرار الهيكلي والكتلة الأحيائية "stabilité structurelle et biomasse " إلى التدمير التدريجي للتربة والتقليل من خصوبتها وقدرتها على تبادل العناصر العضوية والتوازن المائي وبالتالي ارتفاع نسبة الجريان السطحي وانخفاض احتياطي المياه الباطنية وكذا تآكل التربة وتراكم الرمال مما يسبب في مشاكل الفيض والطمي وترسبات السدود بالوحل.
وما فتئت الموارد الطبيعية للمناطق الواحاتية بالمغرب تتدهور منذ أكثر من 30 عاما[8]، بسبب ضغط الأنشطة البشرية والأزمات المناخية، وأدى هذا التدهور في رأس المال الطبيعي إلى عملية تصحر لهكتارات مهمة من واحات جنوب المغرب، كما أدت إلى حالات فقر وهجرة للساكنة المحلية نحو المغرب النافع أو إلى خارجه. وينبغي الإشارة إلى أن وقف تدهور الواحة واستعادة رأس المال الطبيعي هو أولوية وطنية في سياق تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة المعتمدة سنة 2000، كما أن مسألة التكاليف الاقتصادية لتدهور الأراضي أصبحت رهان وأولوية لتنمية المناطق المتضررة[9].
وقد أسفر هذا الاختلال للموارد البيولوجية وإمكانات الأرض بالواحات المغربية إلى تدهور مستوى معيشة السكان والتخلي عن الأرض والهجرة[10]، رغم التقدم الذي أمكن إحرازه بفضل التكنولوجيات والسياسات البيئية الجديدة لا زالت تتعرض العملية للتقويض بسبب تسارع النمو السكاني والتنمية الاقتصادية. وإذا كان التصحر بالفعل ظاهرة عالمية تؤثر على جميع الأراضي الجافة، فإن داخل واحات جنوب المغرب لدينا أوضاع وتطورات خطيرة ومتسارعة[11]، وهذا يعني ضمنا ضرورة اتخاذ إجراءات تستند إلى تشخيص موثوق لحالة البيئة المحلية وتحديد الأسباب الكامنة وراء هذه الممارسات. وإلى جانب العواقب المحلية، يمكن للتصحر أن يتسبب في آثار اقتصادية خطيرة على المدى المتوسط والبعيد من الناحية الاجتماعية، بتفاقم الظروف المعيشية للناس ومواردهم اليومية جراء مشكل التصحر ونضوب الماء ومنه تتسارع إشكالية الهجرة نحو المدن الأكثر إنتاجية وخصوصا فئة الشباب مما يعطي لمشكل التصحر بعد بيئي وإنمائي، كما يؤثر على نمط عيش الساكنة لتكون عقبة رئيسية أمام التنمية المستدامة للواحات.
وقد أظهر النهج القطاعي المعتمد للتخفيف من تدهور الموارد الطبيعية محدوديته وضرورة وضع السلطات للخطط وإستراتيجيات تعتمد على مبادئ توجيهية وإنمائية جديدة تنعكس بصفة خاصة على استراتيجية تنمية المناطق الواحاتية.
كما أن المغرب كسائر البلدان المتأثرة بالظاهرة تفهم في مرحلة مبكرة أهمية محاربة التصحر وذلك بدعم الجهود المبذولة لوضع وتنفيذ آليات وبنود الاتفاقيات الدولية الرئيسية (التنوع البيولوجي، وتغير المناخ، والتصحر) والتي انبثقت جميعها عن مؤتمر ريو دي جانيرو الذي شارك فيه وفد كبير برئاسة صاحب الجلالة محمد السادس ملك المغرب، ولي العهد آنذاك، بعد تضرره بشدة من سلسلة من حالات الجفاف[12]والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، إذ يعتمد السكان إلى حد كبير على مصادر الطاقة الطبيعية وعادة ما يلجؤون إلى ممارسات غير رشيدة لإزالة الغطاء النباتي من اجل أغراض منزلية وفلاحية خلافا لرؤية التنمية النظيفة والمستدامة.
ومن جهة أخرى، يبدل المغرب جهودا حثيثة لمكافحة التصحر عبر عدة خطط واستراتيجيات وبرامج تغطي المجالات الرئيسية لتنمية وحماية الموارد الطبيعية والحالة الاجتماعية والاقتصادية بالواحات [13]، منها: توفير مياه الشرب والكهرباء والطرق الريفية وتحسين الحصول على التعليم الأساسي والري وتنمية والواحات والمواقع ذات الأهمية البيولوجية والإيكولوجية. وفي هذا السياق، اعتمد المغرب برنامج عمل وطني لمكافحة التصحر [14](PAN-LCD) في خطوة مهمة من عملية التزاماته بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. كما تم تصميم البرنامج بهدف تعزيز التكامل والتآزر القوي بين البرامج القطاعية من خلال إجراءات لدعم عملية مكافحة التصحر والمبادرات المدرة للدخل والتخفيف من آثار الجفاف وتعزيز نظم المواكبة والمراقبة. ومن أجل تنفيذ هذه المشاريع، يجري وضع إطار مؤسساتي للتنسيق مع وضع أدوات رصد المشاريع ومراقبة النظم الإيكولوجية المختلفة واتخاذ إجراءات مالية لزيادة تمويل تدابير مكافحة التصحر.
وبالتالي، فإن الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية في مناطق واحات جنوب المغرب يسهمان بشكل كبير في عملية التصحر، الذي يمنع استعادة الغطاء النباتي ويمكن اعتباره الشكل النهائي لتدهور الواحة. والهدف من هذه الدراسة دق ناقوس الخطر على أثار ظاهرة التصحر داخل واحات المغرب، مع السعي في الوقت نفسه إلى تحليل مساهمة مختلف العوامل والمؤشرات التي تسببها، وكذلك من أجل الدفع إلى تطوير قدرات المغرب بشكل أفضل على محاربة التصحر وتثمين الدور الحاسم للأنشطة البشرية داخل الواحة عبر الاستغلال المعقلن والرشيد، فضلاً عن أهمية تعزيز الجهود لتوفير أجواء ملائمة للاستثمارات الخضراء داخل الواحة.
الإحالات المرجعية والهوامش
[1] الأمم المتحدة 2005. اتفاقية مكافحة التصحر، تقرير مؤتمر الأطراف عن أعمال دورته السابعة المعقودة في نيروبي في الفترة من ١٧ إلى ٢٨ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٠٥
[2] وهي اتفاقية دولية لمكافحة التصحر في البلدان المتضررة بشدة من الجفاف و/أو التصحر، على غرار الاتفاقيتين البيئيتين الأخريين [تغير المناخ والتنوع البيولوجي]
[3] Butterfield, Jody (2006)، Holistic Management Handbook: Healthy Land, Healthy Profits, Second Edition، Island Press.
[4] Helmut Geist (2005). The Causes and Progression of Desertification, Ashgate, 2-3 pages.
[5] CHMOURK. E (2011) : Les Oasis de l’Oued-Noun : dégradation de milieu naturel et perspective de développement. Revue Cinq Continents volume 1 (N°2): pp 105-117.
[6]KABIRI. L (2014) : Etude comparative des modes d gestion, de conservation et de valorisation des ressources naturelles des oasis et des zones désertiques. Projet MENA-DELP « Projet de coordination et de partage des connaissances sur les moyens de subsistance et les écosystèmes désertiques » au profit de Algérie, Egypte, Jordanie, Maroc et Tunisie. p 49.
[7] LAAOUANE Mohamed, BENKACEM Abdelfatah et AMYAY Mhamed (2021). Aspects et impacts de l’ensablement sur l’oasis de Rissani (Tafilalet, Maroc). Colloque International: La Dynamique de l’Environnement et les Risques Naturels en Milieux Méditerranéens.
[8] Baptiste Algayer, Frédéric Darboux (2020). La stabilité structurale du sol varie à pas de temps court : évaluation de facteurs explicatifs. Un exemple en Beauce Chartraine 11. Journées d’Etude des Sols (JES), Mar 2012, Versailles, France. ffhal-02750412f
[9] EBENCHACROUN, É.ROOSE(2010. Les aspects socio-économiques de la lutte antiérosive. Gestion durable des eaux et des sols au Maroc Valorisation des techniques traditionnelles méditerranéennes. IRD Éditions.
[10] عبد الجليل الكريفة، محمد بولمان. 2019. “المنظومات الواحية بالجنوب المغربي: الواقع ورهانات الاستدامة حالة واحة امكون”، مجلة منشورات علوم جغرافية، عدد 454-. ISSN 2286 ص: 89-109
[11] Climate Risk Profile: Morocco (2021): The World Bank Group.
[12] L. Stour, A. Agoumi (2008). Sécheresse climatique au Maroc durant les dernières décennies. Hydroécol. Appl. Tome 16, pp. 215–232 © EDP Siences, 2009 DOI: 10.1051/hydro/2009003
[13] وزارة إعداد التراب الوطني والماء والبيئة 2006 المشروع الوطني لانقاد وإعداد الواحة.
[14] احتراما لالتزاماته وتعهداته اتجاه المجتمع الدولي خاصّة في ما يتعلّق باتّفاقية الأمم المتّحدة حول محاربة التصحّر المصادق عليها سنة 1996، فإنّ المغرب كان مدعوا لاعتماد برنامج عمل وطني لمكافحة التصحّر (PAN-LCD) في يونيو 2001 من أجل تعزيز جهوده وتعبئة الموارد الضروريّة لمحاربة هذه الآفة http://www.eauxetforets.gov.ma/AccueilAR/SitePages/Lutte.aspx