JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


Startseite

الدكتورعمر الحمود: الإنسان نتاج ما يصنعه الخطاب

 




حاوره: نور الدين البكراوي



حالفنا الحظ اليوم، بالتواجد مع الدكتور عمر الحمود ابن مدينة طنجة ومؤسس الموقع الإلكتروني Diskursos، المتخصص في علوم اللغة وتحليل الخطاب، والذي يشتغل كباحث في مركز دراسات الخطاب والمجتمع، الذي أسسه أحد أهم رموز وعلماء هذا التخصص في العالم الهولاندي تيون فان ديك، في برشلونة . هذا الشاب الذي نسج أول قصة عشق مع الحياة في أزقة حي بروسبيريداد (حي بوحوت حاليا)، بمقاطعة بني مكادة. وبدأ قصة طلبه للعلم من مدرسة الزمخشري، ثم خطى بعدها للأمام نحو بوابتي التعليم الإعدادي والثانوي التأهيلي ليكمل كلا المرحلتين في ثانوية علال الفاسي. جاءنا اليوم من مدينة برشلونة ضيفا على موقع باب المغاربة، حيث يشتغل عضوا في عدة مراكز مختصة بتحليل الخطاب، ليفتح قلبه ويبوح لنا ببعض أسراره، ويتقاسم معنا بعضا من أهم محطات حياته، تاركا في الوقت نفسه، نظرة موجزة عن أهم ما يميز دراساته وأبحاثه الأكاديمية ومدى علاقته الوطيدة مع أستاذه المشرف سابقا على رسالة الدكتوراه وصديقه وزميله في العمل حاليا تيون فان ديك، حتى يتسنى لنا فهم مشروعه الفكري الذي يود إيصاله للقارئ.




- مرحبا بك دكتور عمر.

مرحبا.

- حدثنا عن بداياتك داخل المغرب؟

كانت بدايات مليئة بالمغامرات وتكتنفها المفاجأة أحيانا، تقاسمها معي عدد كبير من الأصدقاء الذين ما زلت أكن لهم مودة كبيرة، فمنذ التحاقي بمؤسسة علال الفاسي بدأت أنفتح على كل ما يرتبط باللغة العربية وبالأخص الشعر، لكن مع مستهل الدراسة في الجذع المشترك، اخترت مسلك العلوم التجريبية -خيار اللغة الإنجليزية-، غير أن الحظ لم يحالفن ففرض عليّ دراسة نفس المسلك باللغة الإسبانية، وأنت تعرف أهمية الإنجليزية في دراسة الشعب العلمية وارتباطها بالمسلك أكثر من أي لغة أخرى، وقد سبب لي هذا الاختيار تحديات كبيرة.

- متى بدأت حكاية العشق بينك وبين اللغة الإسبانية ؟

حكايات العشق لها واقعة جميلة وطيبة، لأنها نبعت من براءة الشباب وحب الشعر، ففي سنوات الإعدادي كنت أكتب الشعر باللغة العربية أما في مرحلة الثانوي التأهيلي صرت أكتب بلغة سربانطيس. ولعل الحدث الذي جعلني أزاول كتابة الأشعار أولا واختياري لدراسة الأدب الإسباني ثانية، هو مشاركتي ذات مرة في اليوم العالمي للغة الإسبانية، حيث قمت حينها بأداء دور في مسرحية باللغة الإسبانية، وفي الوقت نفسه، لعب صديقي هشام بوكر دورا مهما في استمالتي وتقريبي إلى هذه اللغة بإلقائه المتميز لقصيدة للشاعر التشيلي  بابلو نيرودا، حيث كان يقول النص: "أحبك عندما تصمتين، لأنك تظهرين وكأنك غائبة" وبذلك اجتمعت العوامل التي جعلتني أقرر دراسة اللغة الإسبانية عن اقتناع رغم معارضة أسرتي إلا أن عزيمتي وسرعة تعلمي للغة القشتالية كانتا حاسمتين في إقناع الجميع في النهاية.

- وماذا عن مسارك الجامعي في المغرب؟

‎ كان مسارا مفعما بالجدة، أتاح لي التعرف على عوالم جديدة تمثلت في ربط صداقات جديدة، فضلا عن اكتساب خبرات غير يسيرة بفضل الاحتكاك بأساتذة جامعيين أكفاء، وطلبة من المستوى الرفيع، وهو ما يفسر ذلك الحماس الكبير الذي اكتنف الطلبة بأن يركن معظمهم فيحضن الثقافة والفن، وانطلاقا من هذه التجربة الجديدة راودتني فكرة الانتقال إلى الديار الإسبانية لمواصلة مساري الأكاديمي مدفوعا دائما بحب اكتشاف بحور هذه اللغة الغنية.

- من أين استوحيت فكرة استكمال الدراسة في إسبانيا؟

أعتقد أنها ترتبط بزيارتي إلى العاصمة الإسبانية مدريد، سنة 2006، وبزيارتي لمدينة غالسيا، لكن القرار حسم عندما زرت مدينة غرناطة التي وقعت في حبها من النظرة الأولي، لذلك اتخذتها مقر إقامتي.

- كيف وجدت الحياة في إسبانيا بصفة عامة، والجامعة ‎بصفة خاصة؟ وما الصعوبات التي واجهتها؟

ككل مهاجر يبدأ حياة جديدة، كان لا بد أن تعترض طريقي صعوبات عدة، سواء داخل الحرم الجامعي أو خارجه. فقد كان عليّ أن أتأقلم بشكل سريع وأن أبني صداقات جديدة وأضبط القوانين الداخلية والأعراف التي تنظم الحياة في الجامعة. كان الهدف في البداية الاندماج في المنظومة العامة واكتساب وتعلم كل ما له علاقة بالتأقلم. وربما أصعب ما واجهته له علاقة بالجانب المؤسساتي بما في ذلك مشاكل الإقامة فضلا عن التعايش مع مظاهر العنصرية المقيتة. وإلى جانب ما سبق، كان عليّ المزاوجة بين العمل والدراسة.

- ماذا درست خلال مسارك الجامعي في إسبانيا؟

في الجامعة بإسبانيا درست فقه (يضحك) اللغة الاسبانية وآدابها لمدة 4 سنوات، على يد مجموعة من الأساتذة الإسبان، بعضهم كان له صيت كبير على المستوى العالمي منهم الكاتب والشاعر Luis García Montero وكذلك الأستاذ Juan Carlos Rodríguez  والناقد  Ángel Esteban و Miguel D'Ors الذي تجمعني به صداقة طويلة. في الوقت ذاته، درست ماستر الثقافات العربية واليهودية، ثم ماستر الدراسات العليا للغة الإسبانية.

- انتهى بك المطاف في ألمانيا، ما الفرق بين إسبانيا والبلد الجرماني؟ أقصد، ماذا تعلمت من الألمان؟

في ماستر الدراسات العليا للغة الإسبانية، كانت لي فرصة للرحيل إلي ألمانيا لمواصلة التعمق في تعلم آداب وعلوم اللغة الإسبانية وكذلك العمل كأستاذ مساعد هناك. الفرق بين البلدين كبعد السماء عن الأرض، فالمؤسسات الجامعية، بدءًا من الكليات والمكاتب والشؤون الطلابية وصولا إلى فكر وثقافة الشعب تتميز بالجودة والثبات على المبدأ. في ألمانيا توجد عقلية عملية جدا تميزها مكانيزمات مغايرة تجعلها تتفوق على إسبانيا، كالجدية والصرامة في العمل والدراسة المستمرة والمتجددة، معظم الشباب لهم نزعة قوية للقراءة والتكوين، إضافة إلى حضور عنصر الأخلاق والشفافية في التعامل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك مكتبات جامعية لا تغلق أبوابها طيلة السنة، بل وتعمل 24 ساعة متواصلة، إضافة إلى الانفتاح الذي وجدته عند الطلاب الألمان الذي لم أر له مثيلا عند الإسبان، الذين رغم انفتاحهم يعتريه تقلب مزاجي نابع من نظرة استعلائية عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع المغاربة. لقد تعلمت من الألمان فن الحوار والمناقشة واحترام الآخر والانضباط الصارم، إلى جانب الشفافية في العمل.

- لم عدت إلى إسبانيا رغم أنه كان يمكنك البقاء؟

العودة ضرورية لإتمام مساري الدراسي ومناقشة أطروحة الماستر التي كان موضوعها تحليل الخطاب.

- ماذا فعلت بعد حصولك على شهادة ماستر الدراسات العليا للغة الاسبانية بغرناطة؟

بدأت التكوين بسلك الدكتوراه تحت إشراف أستاذ إسباني لن أذكر اسمه، متخصص في علوم التواصل، لكن المشكلة انه كان أستاذا متهاونًا إلى أبعد الحدود، رغم أهمية موضوع الأطروحة، الذي يهتم بالثابت والمتحول في الخطاب الملكي المغربي والربيع العربي. وهذا أرغمني على البحث عن أستاذ أخر للعمل معه. فتواصلت مع العديد من الأساتذة في العديد من الكليات الإسبانية، إلى أن حالفني الحظ، ونلت منه أكثر مما كنت أحلم فكان من نصيبي أن أشرف على رسالتي للدكتوراه، الكاتب والمنظر الهولندي العظيم (تيون فان ديك) المعروف عالميا كأحد أهم منظري ومؤسسي علم التحليل النقدي للخطاب. قلت عظيما لأنه متواضع وإنسان ولا يحتفظ بشيء لنفسه. وباختصار، أن ينتهي به المطاف مشرفا على أطروحتي، حقا، هو من أروع ما حدث معي في حياتي.

- متى تخرجت من الجامعة؟

تخرجي كان يوم 30 أكتوبر سنة 2018، بتقدير مشرف جدا مع التوصية بالنشر وقد رشحت لنيل جائزة أحسن دوكتوراه في كلية بامبيو فابرا، لنفس السنة، واحتلت في النهاية المركز الثاني، وكان من بين لجنة التحكيم الأستاذة القديرة والضليعة في الدراسات الإسلامية، María Dolores Bramón إلي جانب أستاذي و صديقي Esteban Montoro del Arco

- بعد تخرجك بميزة مشرف جدا في أطروحتك الموسومة بـ "القاعدة في بلاد المغرب العربي 2007- 2014، تحليل الخطاب الإرهابي حول الجهاد"، كيف هي علاقتك بفان ديك حاليا؟

علاقة إنسانية ومهنية، وفي الحالتين أكن له كل الاحترام والتقدير، وحتى الآن تجمعنا صداقة حميمة وعلمية من الطراز الرفيع، ونتواصل باستمرار. أما عن العمل فأنا لازلت أتردد على معهد دراسات الخطاب الذي يترأسه فان ديك لأننا ملتزمين باستكمال انجاز مشاريع مستقبلية سترى النور قريبا، وهذه المعلومة سكوب حصري لموقع باب المغاربة .

- ما هي المجالات التي تهتم بها وما المؤسسات التي اشتغلت فيها ؟

بصفة عامة، أهتم بمجالات العلوم السياسية والسوسيولوجية بشكل خاص كل ما يتعلق بخطاب الإرهاب، وعلوم اللغة، تحديدا، المتعلقة بعلاقة اللغة والسلطة والإيديولوجية، وكذالك كل ما له صلة باللغة الاسبانية والتحليل النقدي للخطاب. كان لي حضور في مركز الأبحاث المختصة في تحليل الخطاب في برشلونة، كما اشتغلت في العديد من مراكز البحث كأستاذ باحث.

- بالرجوع إلى التحليل النقدي للخطاب، هل يمكنك تقديم ملخص عن فكر فان ديك في هذا المجال؟ وما هي ارتساماتك عن حضوره الراهن في الساحة العلمية؟

بشكل عام، يشتغل تيون فان ديك - حاله كحال ميشيل فوكو- على ثنائية النص والخطاب التي في معظم الحالات تنتج جدلية ذات صيرورة نتاجية لن تتوقف ولم ينضب لها معين بعد، تصوره هو الاشتغال على بنيات النص الصغرى والكبرى والعليا التي تسمح بفهم خفايا الخطاب، فالنص عند فان ديك سواء كان مكتوبا أو شفويا هو خطاب لا يخرج عن هذا النطاق. هو إنتاج لساني مع الفعل المحين له، ومن ثمة يوصف النص بكونه "البناء النظري التحتي المجرد لما يسمى عادة خطاب"، وبالتالي فهوية النص تتحدد في كونه فعلاً ثابتًا يشكل القواعد التي تخضع لها الذات أثناء إنتاج فعل الكلام. ومن هنا تأتي معظم نظرياته المعروفة بالمعرفة الذهنية الاجتماعية المبنية في الفكر والمكتشفة عن طريق النص. وبالتالي فهو فعل تواصلي ووجود ثان للنص، أي انتقال النص من الصيغة المجردة إلى الصيغة الملموسة. على مر السنوات، أفرز النسق الفكري لفان ديك بنية مفاهيمية مبنية على السياق والمؤثرات الداخلية والخارجة المؤثرة في صنع الخطاب، وقد اشتغل على الخطاب في مفاهيم كالعنصرية والإقصاء والشطط في استعمال السلطة والعنف بشتى أنواعه. صراحة، ما أقوله معقد جدا يحتاج الكثير من التركيز والانتباه. إن فان ديك عالم كبير، لذلك أتمنى من كل قلبي أن يرجع له باحثي وباحثات العلوم الإنسانية والاجتماعية فسيساعدهم ذلك كثيرا. أما عن ارتساماتي فيمكن الجزم اليوم أن كل من يهتم باللغة واللسانيات، يدرك أن الخطاب له حضور وازن وفعال على كل المستويات وفي جميع التخصصات، بالنسبة لي دائما أرفع شعار: "الإنسان نتاج ما يصنعه الخطاب". "Uno es lo que el discurso hace de él"، كما أني لاحظت في السنوات الأخيرة، حضور قوي لدراسات الخطاب خاصة في جانبه المعرفي والاجتماعي، فالخطاب لا يصنع الحدث فقط أو الخبر، بل يُكون ويشكل الواقع ويؤسس أرضية تساهم في التكون الفعلي للتمثل الاجتماعي فضلا عن تشكيل الهوية.

- هل هنالك مغاربة يثيرون اهتمامك في هذا التخصص؟

أكيد، يوجد هناك مغاربة يثيرون اهتمامي، بعضهم راكم إصدارات وأبحاث راقية في هذا الجانب، أستحضر منهم الدكتور رشيد شاكر، والأستاذ محمد يطاوي والدكتور سعيد بكار، وآخرون… وعلى المستوي العربي أذكر الدكتور عماد عبد اللطيف، وإبراهيم عبد التواب من مصر، والدكتور جلول بنطرات من الجزائر.

- بعد هذا الغياب الطويل عن أرض الوطن هل تنوي العودة والاستقرار فيه بصفة نهائية؟

أكيد، العودة إلى الأصل فضيلة، خاصة في الظرفية الحالية، الوطن هو الأم والأب لكل مغربي يتمنى العودة إلى بلده وعائلته، دائما ما كانت تجتاحني فكرة العودة إلى بلدي الغالي.

- ماذا تقول عن موقع باب المغاربة؟

بعيد عن المجاملة، أراه موقعا محترما بمواصفات وإمكانيات كبيرة. لا أخفيك سرا، هذا الموقع ولد كبيرا، بفكرته القائمة على إظهار كل ما هو جميل وأصيل في ثقافتنا وحضارتنا وتاريخنا المغربي الثري، فنحن كجامعيين وباحثين في حاجة إلى مواقع تتميز بالجدة والتنقيب عن المواضيع ذات الصلة بالهوية المغربية الفريدة من نوعها في محيطها المتوسطي والإفريقي والعربي. أتمنى لكم النجاح ومواصلة الاهتمام بمجال البحث العلمي الأكاديمي النوعي والرصين.
الدكتورعمر الحمود: الإنسان نتاج ما يصنعه الخطاب

نورالدين البكراوي

Kommentare
    NameE-MailNachricht