JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


Startseite

قرية أولاد الغازي، فبراير 1901


 
مقطع من رواية ستنشر قريبا:"رسائل الأرواح: مائة وستون عاما من العشق"

للروائي والطبيب المغربي المتخصص في الطب الوقائي والرياضي، السعيد الفلاق



أسرى "سي بوشتى" فجرا رفقة زوجته الأولى "فاطمة" وأبنائه "عبد السلام"، "بوشتية" و"صفية"، من قرية الظهار إلى قرية أولاد الغازي حيث يقطن أصهاره وحيث تتواجد زاوية سيدي الغازي. كانت قد مرت عشرة أيام فقط على حادثة السطو على البهائم. باستثناء السطو وقطع الطرق الذي استشرى واستفحل مع تواجد بن مالك، فإن القبيلة كانت تعرف أمنا وأمانا لا تقطعها إلا حركة أو إغارات القبائل على بعضها البعض. كان التنقل بين قرى القبيلة وأسواقها أمرا آمنا ولا يدعو للقلق، حتى قطاع الطرق كانوا لا يعترضون سبيل النساء والأسر أو أية قافلة فيها نساء وأطفال. غير أن واقعة الاعتداء على بائعة الخبز، هتكت هاته القاعدة. قوافل الحركات القبلية كانت تأتي من قبائل اجبالة الشمالية المتاخمة لشفشاون. لم تكن تتخذ من مصمودة هدفا لها، بل كانت تتخذها معبرا فقط. لتفادي أية مواجهة مع ساكنة القبيلة كانوا يرسلون براحا ينادي في الأسواق يخبر الناس بموعد مرور قافلة المجاهدين كما كانوا يسمون أنفسهم. هو اللقب الذي سيستحقونه عندما سينضمون للمقاومة الريفية ضد الاحتلال. سيستغلون هاته الحركات للحصول على الدعم اللازم لأسر المقاومين، لذلك كله حمل سي بوشتى خلال تلك الرحلة بارودة كان قد اشتراها من أحد المشاركين في التويزة. قايضها من الرجل مقابل بغل جيد. كان سي بوشتى قد قرر امتلاك قطعة سلاح لتوفير الحماية له ولأسرته من أي خطر محتمل. كان يرى أن امتلاك القوة واجب للوقاية من الاعتداءات ولحماية النفس والمال والعرض. سبق له أن أوضح هذا الموقف في حلقة درس ألقاها خلال سنته الأخيرة بالزاوية، حيث كان شيخه سيدي احمد الغازي يضع طلبته أمام تمرين إلقاء الدروس والخطب. كان الموضوع الذي كلفه به شيخه يدور حول "امتلاك القوة ورد العدوان". بعد مقدمة استهلالية قال:

"لم يأمر الإسلام بالقتل ولم يأمر بالعدوان، بل أمر برد العدوان حيث يقول تعالى: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِم بِمِثْلِ مَا اعْتَدَوا عَلَيْكُمْ)، صدق الله العظيم. في رأيي النهي عن القتل والعدوان والأمر برد العدوان كله يندرج في إطار الحفاظ على النفس البشرية الذي يعد أسمى أوجه الحفاظ على الحياة. فواهب الحياة لا يمكن أن يأمر بسلبها إلا في حالات معينة وعلى الخصوص في حالات تهديد الحياة نفسها. وأجاز الله العدوان، في إطار الرد، فقط لدرء الخطر على الحياة البشرية وفي حالة ردع الظلم، فقال الله تعالى: (فلا عدوان إلا على الظالمين)، صدق الله العظيم. ثم أمر بالكف عن هذا العدوان المشروط بالظلم في حالة جنوح الظالمين للسلم ويظهر هذا في قوله عز وجل: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها"، صدق الله العظيم. لكن الجنوح للسلم وهو القاعدة واقتصار العدوان على محاربة الظلم أو رد العدوان لا يأتى بالهوان والخنوع والخوف، وإنما بالقوة والإقدام والشجاعة. إني أرى أن قول الله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم"، صدق الله العظيم، دعوة صريحة إلى مسألة هامة لحماية الأنفس والدفاع عن الحياة وهي الوقاية من الحرب ومن العدوان بامتلاك القوة. فامتلاك القوة هنا جاء لزرع الرهبة في نفس العدو. وإنه من شأن تلك الرهبة، أي الخوف، أن تدفع العدو إلى الإحجام والعدول عن شن أي عدوان. وإن لم يقع العدوان فلن يقع رد العدوان الذي شرعه الله. لأن الله شرع رد العدوان ولم يشرع العدوان إلا في حالة ردع الظالمين والمعتدين. فيصبح بذلك امتلاك القوة أمرا إلهيا غايته سامية تتمثل في الوقاية من الحروب والاعتداءات لحماية الحياة. وحين أتكلم عن امتلاك القوة فإني لا أقصد القوة العسكرية فقط بل كل مظاهر القوة بالمجتمع وعلى رأسها قوة الإنسان بإيمانه ومبادئه وقوة المجتمع بتماسكه وتضامنه وقوة الحكم بعدله وقربه من هموم الناس وقوة العالم بفكره ونزاهته وقوة الفقيه باعتداله ووسطيته وقوة المجتمع بإنتاجه لحاجياته".

انسجاما مع موقفه هذا، اشترى سي بوشتى البارودة وأشهرها فوق كتفه عندما كان في طريقه إلى قرية سيدي الغازي. مع بزوغ الشمس كان قد وصل إلى قرية أولاد سيدي علي، كان قد نوى زيارة سي عبد السلام هناك وتناول الفطور عنده. قبل إكمال الطريق وقبل أن يصل إلى المنزل رآه رفيقه الذي كان قد خرج لغرسته يشتغل بها. ناداه من وسط الغرسة:

- أهلا بسي بوشتى وأسرته الكريمة، يوم عظيم هذا، أدخل إلى هنا،

- بارك الله فيك يا صديقي،

قال سي عبد السلام بصوت مازح:

- ما هاته البارودة سي بوشتى، إنك ترهبنا، ألا تخفضها؟

- هذا هو القصد يا صديقي، أن ترهب العدو المحتمل، لعلك تذكر الدرس؟

- أي نعم، أذكره كأني سمعته للتو، ولذلك مازحتك في الموضوع.



-أما الإشهار فهو الأساس في المسألة وليس الإخفاء، فإن أخفيت قوتك لم تحقق الغاية التي هي ترهيب العدو قصد ردعه عن العدوان، فإخفاء القوة تمويه وتغرير بالآخر الذي قد يشن عدوانه فترد عليه بالقوة المخفية ويحدث المحظور من اعتداء وحرب قد تسفر عن قتل وفي ذلك إخلال بالهدف الأسمى من امتلاك القوة، فامتلاك القوة وقاية.

قرية أولاد الغازي، فبراير 1901

نورالدين البكراوي

Kommentare
    NameE-MailNachricht