حــــمــــزة فــنـــيـــــن
’’ قُل لي ما موقفكَ من الترجمـــة، أقُــل لكَ من تكـــون‘‘. (هيدغر)
1-مـيلاد التصـــوّر التقلـيدي للتــرجـــمـــــة:
’’ يا بــابـــل، أين هو انتصــارك؟ ‘‘
“ Sed quasi captiuos sensus in suam liguam uictoris jure transposuit”. “et non urebum e uerbo, sed sensum exprimere de sensu”.
’’ إذا كـانت الترجمـة عبـارة عن إلحـاق، فإنّـها ستكـون إلحـاقاً للمعـنى‘‘. ’’ وإذا كـانت إحاطـةً بالمعنـى، فإنها ستكـون إلحاقاً بالضرورة‘‘.
لكنّ أنطـوان بــرمــان (Antoine Berman) [1]، أحد أهم المنظّـرين للترجـمة في القرن العشرين، يرجع التصور الغربي للترجمـة، إلى ما قبل محاولة القدّيس جيروم، بل إلى فترة ما قبل شيشرون وهوراس، وتحديدا إلى محاولة القدّيس بولـس بل وإلى أفلاطـون نفسـه. فالقطيـعة الشهيرة التي أسّسها هذا الأخيـر بين المحسـوس (sensible) والمعقـول (intelligible)، بين الجسـد والنفـس، هي التي ستظـهر مع القدّيس بولـس في مقابلتـه بين الحرف والروح، الحرف الذي يقتل والروح الذي يُحيـي. فهذا التقابل الذي عقده كل من أفلاطون وبولس هو ما سيتمّ إسقاطه وتطبيقـه على الأعمـال الأدبيـة، حيث سيتمّ النظـر إلى كلّ عمل أدبي باعتباره ذا جسد ونفس، ذا حرف وروح، أو بتعبير أدقّ، ذا حرف ومعنـى. وبما أن الحرف يقتل والروح، الذي هو المعنى هنا، يُحيـي، فإنه سيتمّ التركـيز على المعنى على حساب الحرف، المعنى الذي هو "وجود في ذاته" (être en soi)، نموذجٌ مثالي خالص وثابت، مثل المثل الأفلاطونية.
من هنا اعتقاد هذا التصور، هذه الميتافيزيقا الأفلاطونية، للوهلة الأولى، بإمكانيـة الترجــمة، وبالتالي تحديــد مهمّة المترجِــم، مهمّة الترجـمة، في نقـل المعنـى من لغة إلى أخرى، في أن ’’ يقهر المسافة التي تفصل النص عن ترجمته، والأصل عن نسخـته، وأن يمحو اسمه ليسمح لكاتب النص الأصلـي أن يتكلّم بلغةٍ أخرى من دون أن يفقد هويته. يُريـد المُترجم أن يكتب النص باسم كاتبه، أن يكتبه من دون أن يوقعــه، يُريد أن يتدخّـل من دون أن يتدخّـل، وأن يظهـر ليختفــي‘‘[2].فالترجمة إذن حسب هذه الميتافيزيقا ’’ تفترض وجود نصّ أصلي يحمـل معنـى واحـداً ويحصـره، وأن هذا النص كُتـب من أجـل حفـظ المعنـى وصيانتـه وتبليغـه، هذا المعنى الـذي حمّلـه إيــاه كاتبـه بعد أن دار بخلــده وجـــال بفكــره؛ فهـو نـصّ موقّـع يحمل اسم الكــاتب، نصّ لـه هويــة ينبغي ألّا تضيع في عملية الترجمة، نصّ ينتسـب إلى لغة أمّ منهـا استقــى مميـزاته‘‘[3].بعبارة أخرى، فإن هذا المترجم لن يفعل سوى أن يحاول تقريب النص من لغته الأصل إلى لغة أخرى، أن يُقرّب بين اللغتين وأن يخلق أفقاً تتوحد فيه جميع اللغات، محاولاً بذلك أن يُقوّض بلبلــة اللسان التي عُوقب بها البشر جراء ارتكابهم لخطيئة هي محاولة الارتقاء للاطلاع على مكنونات السماء، مُتناسين أنّه كلما ارتقى الإنسان بالمعرفة نغّص على السماء راحتها كما تُخبرنا الميثولوجيا الفيدية. فلا عجب أن ترى العديد من الثقافات في الترجمة عملاً شيطانياً، عصياناً للربّ، فالمترجـم ’’ يزعـم إعادة بناء برج بابـل، الاستفادة من العقاب السماوي الذي يُحدث التفرقة بين البشر بما يولّده من خلطٍ وتشويشٍ بين اللغات‘‘[4]. وباعتبار اللوغوس سائدا على كلّ اللغات، فإنه سيؤسّس للترجمة، لإمكانية الترجمة، فيما وراء الاختلاف، فيما وراء بلبلة الألسـن، بشكلٍ يجعل الترجمـة دليلاً على وحدة اللغات. وإذا كان القدّيس بولس يقول: ’’ أيّـها المــوت، أين هو انتصــارك؟ ‘‘ فإن الترجمـة تقول هي الأخـرى: ’’ يا بــابـــل، أين هو انتصــارك؟ ‘‘ أو بالأحرى: ’’ أيّـها الـربّ، أين هو انتصــارك؟ ‘‘! هكذا تُطمئننا الميتافيزيقا الأفلاطونيـة وتزفّ لـنا بُشــرى قابليـة الترجـمة الكــونيـة.
2- التـرجــمة على ســريـــر بـروكــســـت:
"ويحب الأب، سيّد العالم، قبل كل شيء، بأن يظلّ الحرف محفوظاً في تماسكه بعناية‘‘. (هولدرلين)
لا تتضح معالم هذا التصور التقليدي، التصور الغربي للترجمة، فقط في أنه أفلاطوني، فالأفلاطونية ليست سوى صورته الفلسفية، أما صورته الثقافية فهي "التمركـز العرقـي"، أي أن هذه الترجمة هي ذات نزعة مركزية عرقية (traduction ethnocentrique). في حين أن صورته الأدبية هي "التحويلية"، فالترجمة وفق هذا التصوّر هي تحويليةٌ بالأساس (traduction hypertextuelle). هذه هي الصور أو الملامح الثلاث/ الثلاثة للتصور التقليدي للترجمة كما يُحدّدها أنطوان بــرمـان[5].
يتسـاءل بـرمــان: ’’ أين يتجلّى "التمركـز العرقي" لهذه الإحاطة الأفلاطونية بالمعنـى؟ وكيف نعتبـر هذا الإنكـار لبـابــل [للبلبلــة] اختـزالاً في الآن نفسـه؟ ‘‘[6]. إن المقصود بــ "التمركـز العرقـي" أولاً هو ’’ إرجــاع كلّ شيءٍ إلى الثقافـة الخاصـة (بالمترجِـم) وإلى معاييـرها وقيَـمها واعتبـار الخـارج عن إطـار هذه الأخيــرة – أي الغريـب – سلبـياً‘‘[7]. والترجمة بما هي ميتافيزيقا أفلاطونية، بما هي فصل بين الروح وجسدها، بين المعنـى وحرفــه، بما هي أمانة تجـاه المعنــى، فإنها بالضرورة خيـانةٌ تجــاه الحـرف، خيانـة إزاء الحـرف الأجنبــي، أمانـةٌ إزاء الحـرف الخــاصّ[8]. هنا يصبح المعنـى، المعنـى الأجنبـي، المعنـى الغريـب، خاضعاً للّغة الـمُــترجِــمة، لغـةِ الوصــول (langue d’arrivée). والترجمة بما هي إحاطةٌ بالمعنـى ’’ لا تُحـرّر المعنـى داخـل لغةٍ أكثـر إطلاقيـة ونموذجيـة و"عقلانية"، بل تسجــنه ببساطـة داخــل الترجمــة المُتمركــزة عرقـياً، نظــراً لكونـها مؤسّـسة على أولويـة المعنـى، فإنها تعتبـر ضمنياً أو بشكلٍ غير ضمنـي، أنّ لغتـها كينونــةٌ ساميـةٌ لا تُمــسّ، وأن فعـل الترجمـة لا يُمكـن أن يُعكّــر صفـوها‘‘[9]. وهي تسير في هذه الطريـق التي رسمها القديس جيروم بأقلام أفلاطونية-بولسيـة، إن صحّ هذا التعبير، فإنها تبغي نقل العمل الأجنبي بطريقـةٍ تجعل القارئ لا يستشعر بأنّ هناك عملية ترجمة ما، وكأنّه يقرأ النص الأصلي، تجعله يعتقد أن المؤلف لو كتب عمله باللغة المُترجَـم إليها لكتبه مثلما كتبه المترجِم تماماً. هذا ما وصف به أحدهم، وأظنه عباس محمود العقّاد، ترجمة سامي الدروبي لدوستويفسكي، حيث قال إنه لو كتب دوستويفسكي أعماله بالعربية لما كتب أفضل من سامي الدروبي. إن هذه الترجمة تبغـي أن يكون للعمل المترجَـم نفس التأثـير الذي كان للعمل الأصلي على القارئ. وعلى سبيل المثال ’’ فإذا كان فرويد قد استعمل لفظـة (Trieb) – المُستخدمة بكثرةٍ في اللغة الألمانيـة – فإنّه يتعيّن إيجـاد مرادف له، مستعمل بكثرة في اللغة المُترجِــمة، وليس اللجوء إلى لفظـة دافع (pulsion) غير المألوفـة كثيــراً في لغتـنا [الفرنسيـة]‘‘[10].
إن في فعل الترجمة هذا بما هو إحاطةٌ بالمعنى، بما هو نزعـة إلى جعل القارئ لا يستشعر عملية الترجمة وهو يقرأ، وفي الوقت نفسه يسعى إلى عدم صدم القارئ نهائياً، وذلك بتخليص العمل الأجنبي من غرابتـه وجعله خاضعا لمقاسات ومعايير وقيم الثقافة الخاصة بالمُترجـم. وهنا تتم عملية التحويــل، فالترجمـة المُتمركــزة عرقياً هي تحويـليـة بالدرجة الأولى، وهي التي تدفـع المُترجــم إلى القيـام بعمليـة التحـويـل، تحويـل النص الأجنبـي. ولا يستطيع المترجم أن ينفلت بسهولة من صرامة هذه الرقابة، رقابة الترجمـة بما هي ثقافـة مُتمركزة عرقياً. كمثال على هذا التحويل الذي يذهب ضحيته النصوص الأجنبية يقتبس بيرمان نصاً يورده تودوروف (Todorov) في كتابه "la conquête de l’Amérique: la question de l’autre"، حيث كتب كولومب ذات مرّة قائلاً: ’’ بمشيئة مولانا، سأجلب معي عند رجوعي ستّة هنود حـمر إلى سُمـوّكم، كي يتعلّموا الكــلام‘‘. وقد لاحظ تودوروف أن هذه العبارة كانت صادمة للمترجمين الفرنسيين فعملوا على ترجمتها من خلال تحويلـها إلى: ’’ بمشيئة مولانا، سأجلب معي عند رجوعي ستّة هنود حـمر إلى سُمـوّكم، كي يتعلّموا لغتــنــا‘‘[11]. هذا أيضاً ما فعله فولتـير وهو يترجم البيتين الشعريين الشهيرين لشكسبـير: (To be or not to be, that is the question) بــ : ’’ امكُث وعليك أن تختـار وأن تمر من لحـظة الحيـاة إلى المــوت ومن الوجـود إلى العـدم‘‘[12]. فبالنسبة لفولتـير فقد كانت هذه ترجمة، لأن التصور السائد في عصره، وقبله وبعده أيضاً، حول الترجمة هو أنّها إحاطة بالمعنى فقط. هذا الأمر حدث مع ترجمة كافكا أيضاً إلى الفرنسية، بعدما تطلب الأمر وقتا طويلاً لاكتشاف ذلك، من طرف فيالات (Vialatte) الذي تدخّل في نص كافكـا، النص الأجنبـي، بطريقة أدّت إلى التشطيب على لغة كافكـا، فقدّمت للفرنسيين كافكا آخـر[13].
إن هذه الترجمة باعتبارها تحويلية لتُذكّرنا بالحكاية الإغريقية، كيلا نقول الأسطورة، حكاية بــروكســت، ذلك الرجل الذي كان قاطع طرق، يتعرّض للمسافرين حتى يدخلهم بيته فيجعلهم يستلقون على سرير ثم يعذبهم عذابا غريباً. إذ أن الذي كان حجمه أطول من حجم السرير فإنه يُقطع من رجليه حتى يصبح حجمه ملائما للسرير، أما الذي كان حجمه أقصر من حجم السرير فإنه يُمطّـطه. هكذا كان بروكست يُخضع الأجنبي، الغريب، إلى مقاسات سريره المنزلي الخاص، هكذا كان بروكست "مُتمركزا عرقياً". وإننا لا نجد أفضل من نعت هذا التصور التقليدي للترجمة، الذي أوقفنا عليه بـرمـان، بما هو متمركز عرقيا وتحويلي، بــ "الترجمة البروكسـتية" أو لنقـل "الترجمــة على سريــر بروكـســت"!
إنّ ما تقوم به الترجمة الكلاسيكية، الترجمة الأفلاطونية، المُتركِـزة عرقياً والتحويليـة من سلبٍ لغرابـة "الأجنبـي" لهو نقيض الغاية الأخلاقية للترجمة حسب بـرمــان، فهذه الأخيـرة يجب أن تعترف بالآخـر كغريبٍ وأن تقبله وتنقله محافظةً على غرابتـه، لهذا فالترجمة في ماهيتها هي "مقـامالبُـعد"، العبارة التي يستعيرها بـرمــان من أحـد الشعراء الجوّالين ليصف ماهية الترجـمة[14]، بل يجب عليها أن تكشف هذه الغرابة وتجعلها أكثر جلاءً. لا يجب عليها أن تلغي الاختلاف بل أن توظّفه وترعاه، هكذا يمكن القول مع عبد الواحد بن عبد العالي أنّه لا ينبغي أن ننظر إلى الترجمة كعملية لخلق القرابة وإنما كفعالية لتكريس الغــرابــة[15]. ويقتضي تكريس هذه الغرابة أيضاً ألا تقوم الترجمة بابتلاع الحرف بدعوى الوفاء للمعنى، بل أن تتلقّى الغريب في حرفه وجسده وقشرته، لهذا يجد بــرمـــان نفسه مضطراً لأن يقول، ضد التصوّر الكلاسيكي للترجمة، بأنّه ’’ لا أمانـة إلا تُجـاه الحـرف‘‘[16].
هذا يعني أيضاً أنّه لا يجب على المُترجِـم أن يُطوّع اللغة الأجنبية للغته بل أن يُطوّع لغته للغة الأجنبيـة، هذا ما عبّر عنه رودولف بانفيتـز، أحد المنظّرين الألمان، قائلاً في واحد من أفضل التعاليق التي كتبت حول الترجمة باللغة الألمانية: ’’ إنّ ترجماتنا، وحتى الجيّدة منها، تنطلق من مبدأ خاطئ، إذ أنّها تريد إضفاء طابع اللغة الألمانية على اللغات الهندية والإغريقية والإنجليزية، بدل أن تُضفي طابع هذه اللغات على اللغة الألمانية. تحترم هذه الترجمات استعمالات لغتها الخاصة أكثر من احترامها لروح الأعمال الأجنبية. إنّ أعظم خطأ يمكن للمترجم أن يقع فيه هو أن يُحافظ على حالة لغته الخاصة التي ليست سوى مصادفة بدل أن يسمح لها بالتأثر القوي والعنيف باللغة الأجنبية‘‘[17]. هكذا هي الترجمة عند بـرمـان أيضاً، إنها تجـربـة[18] بالمعنى الذي قصده هيدغـر وهو يقول: ’’ أن نقوم بتجربة ونعيشها مع أيّ كان [...] معناه أن نجعله يتقدّم نحونا ويلحق بنا ويرتمي علينا ويُسقطنا أرضاً ويجعل منّا شخصاً آخر. ولا تعني لفظة [نقوم] في هذه العبارة، بأننا فاعلون في هذه التجربة، بل تعني هنا، كما هو الأمر في صيغة عايش المرض، أي المرور عبره، وتحمّل معاناته واستقبال ما يُصيبنا عبر الخضوع إليـه‘‘[19].
3- ميـلاد "الخــيانـــة":
’’ إنّ الموسيقى التي تمّ تأليفها بواسطة أداة، لا تعزف جيّدا بأداةٍ مغايرة‘‘. (مدام دوستـايـل)
مثلما أدرك أفلاطون استحالة أن يكون العالم المحسوس على صورة العالم المعقول، وأنه ليس في نهاية الأمر سوى نسخة مشوّهة عنه، فقد أدرك المُترجمون الذين انخرطوا في فعل الترجمة هذا وفق التصور الغربي التقليدي أن الترجمة، بما هي إحاطة بالمعنى، سرعان ما تتبدّد عندما تقف أمام عائقٍ ينكر عليها تلك البداهة ويشوّش على طمأنينتها الزائفة ويوقظها من سباتها، ألا وهو "انتساب المعنى إلى الحـرف". فتلك الموجة التي حملت معها بشرى وحدة اللغات وإمكانية الترجمة الكونية سُرعان ما تحطّمت على صخرة "الحرف" العنيدة، فتلطّخت بمشاعر الخيانة والنقصان، أو ما عبّر عنه شتاينر بالحزن المرافق لعملية الترجمة، والذي سيعبر عنه بـرمان قائلاً: ’’ فهناك بكل تأكيد "ألـم" داخل هذه التجربة، وهو ليس فقط ألم المترجم، بل ألم النص المترجم والمعنى المحروم من حرفه‘‘[20]. هنا أدرك المترجمون، حسب التصور التقليدي للترجمة، أن الترجمة مستحيلة وإذا تمّت فهي خيانـة، فعالم المثل واحد ولا يمكن تكراره، لا يمكن سوى صنع نسخة مشوّهة عنه، نسخة مشوهة وفقط.
من هنا انطلقت العديد من التعريفات التي تحاول تحديد الترجمة من خلال الاستعارة، ’’ وبقدر ما تقل التحديدات المفهومية للترجمة وتُكـرّر نفسها، نـجد بأنّ التحديدات الاستعارية مُتكاثرة‘‘[21]. لكن هذه الاستعارات كانت في الأغلب سلبية، أي تعتبر الترجمة خيانةً. فهذا سرفانتس يقول: ’’ يبدو لي أنّنا خلال ترجمتنا من لغة إلى أخرى [...] نعمل بالضبط مثل ذلك الذي ينظر بالمقلوب إلى زرابي الفلاندر (Flandre) الحائطية. ومن الممكن رؤية الأشكال، إلاّ أنها مليئة بالخيوط التي تُعتّم عليها، بحيث لا يمكننا التمييز بينها، رغم الثريا الموجودة بالمكـان‘‘[22]. وهذا مونتيسكيو يكتب[23]:
أما نابوكوف فيقول: ’’ ماهي الترجمة؟ إنّها شبيهة برأس شاحبةٍ ومكشرةٍ لشاعر موضوع فوق طبق، وبصراخ الببّغاء وجعجعة القرد‘‘[24]. أي أن الترجمة ليست سوى تقليدٍ وترديد للكلام مثلما يفعل الببغاء، ليست سوى ثرثرة القردة التي لا يمكن أن تصل لمستوى كلام الإنسان. هكذا أضحت الترجمة خيانة بما هي كذلك، وأصبحت قراءة الأعمال المترجمة من أسوء التجارب بالنسبة للقارئ الغربي.
لقد بدأت مساءلة هذا التصوّر الكلاسيكي للترجمة منذ القرن التاسع عشر لكن بدون أن يكون لها أيّ تأثيرٍ، فذلك النسق قد ترسّخ في العقـول وثَم استبطانه داخلياً ثُم أصبح القيام به يتمّ لا شعورياً. وهو ما يتجلّى في حزمـةٍ من الميولات والقوى التي تُحرف الترجمة، حزمةٍ مُدعمّةٍ ثقافياً وأدبياً، حزمةٍ هي ما يُشكل كينونة المترجم من حيث هو كذلك، وهي التي تُحدّد رغبته في الترجمة "قبلـياً" (a priori)، وحسب بــرمــان فإنه ’’ سيكون من الوهم الاعتقاد بأنّ بإمكانه [أي المترجم] التحرّر منها بمجرّد تحييدها والوعـي بها‘‘[25]. كلّ هذه الحزمة لا تهدف سوى لشيءٍ واحد: هدم "حرف" الأصول لفائدة "المعنـى" و"الشكل الجميـل". ويُحلل بــرمان، بالمعنى الفرويدي، هذه الحزمة محاولاً الكشف عن تلك الميولات اللاشعورية التي تخترق الترجمة والمُترجـم، واضعاً مجال اشتغاله على النثر الأدبي فقط (الرواية، الرسائل وغيرها)[26]. ويوقفنا على ثلاثة عشر ميلاً لا شعورياً. من بينها "التوضيـح"؛ ليس ذلك التوضيح الذي يقوم به المترجم لشيء غير ظاهر أو مستغلق أو متوارٍ في النصّ الأصلي، بل ذلك التوضيح الذي يهدف إلى إيضاح شيء غير موجود في النصّ الأصلي. ومن بين مظاهر هذا التوضيح هو نقل المُترجم تعدّدية المعنى (polysémie) إلى أحادية (monosémie). هذا نفسه ما يؤدّي إليه ميلٌ آخر وهو "التطويـل"، فشذرات نوفاليس، كما يوقفنا على ذلك بــرمــان، المُترجمة من طرف أرمل كيرن (Armel Guerne) إلى الفرنسية أصبحت مطوّلة عكس النص الأصلي الذي كانت فيه مختصرةً بشكل كبير يسمحُ بالإحاطة بمعانٍ لا مُتناهيـة، أي أنّه في الترجمة الفرنسية تمّ الحدّ من هذه المعاني[27].
4- التـرجــمة فيـما وراء الأمــانــة والخـيانــــة:
’’ [...]حتى أنني صرتُ أفضّل قراءة شوبنهاور بالفرنسية‘‘. (نيـتشــه)
داخل سياق المساءلة هذا الذي بدأ منذ القرن التاسع عشر، مساءلة التصوّر الكلاسيكي للترجمة، فإن هذه المهمّة التي تنخرط فيها الترجمة بما هي ميتافيزيقا أفلاطونية، هذه المهمة التي تروم قهر تعدّد الألسن والتقريب بين اللغات، هذه المهمة التي تُقارب الترجمة بين مقولتي "الأمانة" و"الخيانة"، والتي ما تفتأ تُردد أن "كل ترجمة خيانة"، أو كما يظهر في اللغة الإيطالية بنوع من التهكم اللغوي: "Traduttore Traditore"! هذه المهمة هي التي يوقفنا عليها الأستاذ ع. بنعبد العالي ويدعونا إلى التأمل فيها، مُتسائـلاً: ’’ ولكن هل هناك وحدةٌ حتى في لغةٍ ما بعينـها؟ وما القـول إن كـانت كلّ منظومةٍ لغويـة تنطـوي على تعـدّد؟ ‘‘[28]. يمكن أن نتساءل أيضا: هل يمكن للنص الأصلي أن يكون هو نفسه ترجمةً؟ هل المترجـم هو الوحيـد الذي يؤسّس لعملية الترجمة؟ هل الترجمة شأنٌ خاص بالمترجم فقط؟
يوضح ع. بنعبد العالي أن النصوص التي يُراد ترجمتها، النصوص التي تُسمى "أصلية"، دائما ما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنصوص أخرى وتتضمّنـها حتى وإن لم تحضر فيها ولم تُشر إليها، وهو ما يُسميه موريس بلانشو بـ "الترجمة الخاصة بالنص الأصلي". أي أن كل نص هو في نفس الوقت ترجمة، حتى وإن لم تتم ترجمته، وأن الترجمة ليست عملا ثانويا لاحقا بالنص الأصلي، فهذا الأخير دائما ما يرتبط في أعماقه بنصوصٍ أخرى، سواء من نفس اللغة أو من لغات أخرى. إنه دائما ما ينطلق من تلك النصوص لكنه لا يفتأ يُخفيها عنا ويُنسينا أنها حاضرة فيه. ’’ لنتصور، يقول ع. بنعبد العالي، أننا نريــد ترجمة نصّ لهبرماس يناقــش فيه دريـــــدا الذي يُحــاور أوســتــين. إننا سنكون أمــام أصلٍ ونسخٍ دفعـــة واحدة، أمام نص مكتوبٍ باللغة الألمانيــة، لكنّــه يقتبـس نصوصاً من اللغة الفرنسيـــة التي تقتبــس بدورهــا نصوصـــاً من الإنجليـــزيــــــة‘‘[29]. هكذا تصبح الترجمة لا نسخة عن الأصل بل نسخة عن النسخة، فذلك الأصل غير موجود في الحقيقة، ليس هناك سوى النســخ، سواء ظهرت وبانت أو احتُـجبت وابتُلِــعت من طرف المؤلف.
كما أن الحديث عن الترجمة كنسخة تُطابق الأصــل وتنقلــه وتستنسخــه، هو حديث ينطلقُ من الافتراض بأن اللفظ يحصر المعنــى ويحــدّه ويُحدّده، وأن النصّ وحيــد الدلالـــة وأحاديُ التأويــل. لكن ماذا إذا ’’ تبــنّــيـنا النظرية السيميولوجية المعاصــرة التي تــرى أن في اللفــــظ فائضــاً في المعنــى، وأن النـصّ ما أن يُكتب حتى يدخــل في دوّامــة التـأويـــل اللامُتنــاهيـــة. وحينئــذٍ هل يبقــى للترجمــة، كنسخــةٍ تُطابق الأصــل وتنقله وتستنــســخه، هل يبقى لها من معنـــى؟ ‘‘[30].
علاوة على ذلك، فإن هذا الحديث ينـسى أو يتنــاسى أن ما يُشكّل جوهر الترجـمة هو التأويل (أو التفسير). فأوّل شرطٍ جوهريٍ للترجمة حسب هيدغر هو أنّ ’’ كلّ ترجمةٍ إنما هي بعدُ في ذاتها ضربٌ من التفسير [...] فالتفسير والترجمة هما من حيثُ نواتهما الجوهرية صنوان‘‘[31]. أي أن الترجمة هي تفسير والتفسير هو نفسه ترجمة، ’’ نحن نعترف، يقول هيدغر، انطلاقا من ذلك بأنّ كل تجربةٍ ينبغي أن تكون تفسيراً، ولكن العكس هو في نفس الوقت صحيح أيضاً: كلّ تفسيرٍ وكل ما يقوم في خدمته، هو ترجمة. بذلك لا تتحرّك الترجمة بين لغتين مختلفتين فحسب، بل ثمّــة في صلب اللغة ذاتها ترجمــة. إن تفسير نشيد هلدرلين هو ترجمة داخل لغتنا الألمانية‘‘[32].
والحديث عن الترجمة كنسخـةٍ تُطابق الأصل هو في نفس الوقت حديثٌ عن الترجمة ضمن مقولتي "الأمانة" و"الخيانة"، حديثٌ عن الترجمة التي تفترض شخصاً أخلاقيــا له حقوق وعليه واجبات يجب أن يؤديها على أحسن وجه. وهو، حسب ع. بنعبد العالي، ينطلق من فرضية خاطئة، إذ يعتبر أن من يقوم بالترجمة هو ذلك الشخص، هو المترجم ولا أحد غير المترجم، في حين أن الذات المترجمة ليست هي ذات المترجم بل هي اللــــغـــــة نفسها، اللغـــة المُترجِــــمة.
هذا لا يعني أن ع. بنعبد العالي ينفــي كل إسهامٍ وإبداعٍ من طرف المترجم، بل يكتفي بالتأكيــد أن دور المُترجم في عملية الترجمــة ضئيــلٌ بالمقارنة مع دور اللغــة المُترجِمــة وفاعليتــها، وبالتالي فإن مسؤوليتــه ضئيــلةٌ أمام مسؤوليــة اللغــة المُترجِمــة. هكذا، يقول ع. بنعبد العالي، فإن ’’ كل الأسئلــة النقديـة التي يمكن أن تُطرح على نصّ مترجّــــم، ستظـلّ في نظرنا، أسئــلةً جزئيــة، إن هي حاسبــت صاحبه على أنّه مصدر القوّة والضعف، التفوّق أو الإخفــاق، الخيانــة أو الوفــاء، من دون أن تأخذ بعين الاعتبــار واقع اللغــة المُترجِــمَــة وحدود الفكــر الذي يُفكِّــر بها في وقتٍ بعينــه‘‘[33].
كما أن اللغة نفسها قائمة على التعدّد والاختلاف، إنها "واقعٌ غير مُتجانسٍ أساساً" كما أورد جيل دولــوز[34]، هكذا فكلنا نعيش لغاتٍ داخل اللغة نفسها، وكلّ نصٍّ يُنادي ويستحضر نصوصاً أخرى، ولُغتــه تنــادي وتستحضــر لغاتٍ أخرى، سواء داخل نفس اللغة أو داخل تعدّدية لغويـــة. وهكذا تتهاوى كل أخلاقيات الترجمة التي تستلزمها ميتافيزيقا الترجمة. وبهذا فقط يُمكــن مقاربــة الترجمة "فيما وراء الأمانــة والخيــانــة".
إن مقاربة الترجمة "فيما وراء الأمانة والخيانة" لا يقتصر فقط على الترجمات التي تعتمد على "النصوص الأصلية" بل على الترجمات التي تُـــتَــرجِــم انطلاقا من ترجماتٍ أخرى أيضاً، أي الترجمات التي تعتمد على النُّـسَخ لا على الأصل، التي تُــولّد السيمولاكرات ولا تنتج الأيقونة بلغةٍ أفلاطونيـة. يتساءل ع. بنعبد العالي في هذا الصدد: ’’ ما قيمة هذه الترجمات؟ هل ينبغي اعتبراها نَسخـاً ومَسخـاً مزدوجاً للنصوص الأصلية، وخيانة مُضاعفة؟ أم ينبغــي أن نعترف لها، على الأقلّ، بقيمـةٍ مؤقّتـة في انتظار ظهــور "الترجمات الحقيقية" التي تُولّــد النصّ مباشرةً، ولا تُــولّد بنــاته وحفيداتـــه؟ أم نقول، على العكس من كلّ ذلك، إنّ هذه الترجمــات، شئنا أم أبيــنا، هي التي غدّت أجيالاً بكاملها، وعن طريقــها تعرّفــنا على هيغــل وفرويــد وماركــس، وحتى إن ظهرت "الترجمات الحقيقية" المزعومة والمأمولــة، فإنّها لن تُغنينــا عن تلك الترجمــات "الممسوخــة" التي لعبت دور النص، لا بالرغم من تحريفها للمعاني، بل وربما بــ "فضل" ذلــك التحريـــف؟ ‘‘[35].
لا شك أن هذه الترجمات الحفيـدة كان لها وزنها وقيمتها في تاريخ الترجمة عموماً، وفي تاريخ الفلسفة خصوصاً – الذي هو في العمق تاريخ الترجمة[36]، سواء كانت هذه الترجمة شرحاً أو تفسيراً أو تأويلاً أو تعليقاً، سواء كُـنّا أمام ابن رشد وهو يشرح أرسـطو، أو أمام هيدغر وهو يُعيد قراءة برمنيـدس، أو أمام الحضارة الإسلامية وهي تنقُل نصوص اليونان، أو أمام الفكر الفرنسي وهو يُترجم الفكر الألماني – فعلى سبيل المثال فإن الحضارة الإسلامية العربية منذ أن تفتّحت على الثقافات والحضارات الأخرى عموماً، وعلى الحضارة اليونانية خصوصاً، لم تعرف فكر هذه الحضارات إلا في لغاتٍ غير لغته الأصلية، ومن هذه اللغات نقلوا فكر الآخر وبنوا عليه وقدّموا إسهامات عبقريةٍ أصيلةٍ. ناهيك عن الأهمية التي قد تحظـى بها النسخة، أليست هذه حالة الترجمة الفرنسية، النسخة الفرنسية، التي قام بها جون هيبوليــت لفينومينولوجيا هيغل؟ ألم يعد القراء الألمان أنفسهم إلى هذه الترجمة ليستعينوا بها في فهم الكتاب؟ [37] ألم يفضّل نيتــشـــه قراءة شوبنهــاور بالفرنسية؟ [38] ويعلّق ع. بنعبد العالي على ترجمة هيبوليت الفرنسية قائلاً: ’’ لا أريد أن أستخلص من ذلك أن هذه الترجمة الفرنسية هي ترجمة طبق الأصل، ترجمة كاملة، لا درجة للخيانـة فيها، بل أستطيع الذهاب عكس ذلك، والقول بأنّــها كــانت من الخيانـــة والقدرة على التحويــــل حتــى استطاعت أن تقرّب لغــة هيــغل إلى القــراء الألمــان‘‘[39]. لهذا ’’ فسواء انطلقنــا ممــا ندعوه نصّــاً أصليــاً، أو من نصّ مترجـم يتكلّــم لغــةً غيــر لغتــه، فإننــا لا نكــون قطّ أمام اصــلٍ وفروعٍ، نموذجٍ ونسخٍ، درجـةٍ أولـى ودرجةٍ ثانيةٍ. إنّـنا لا نكــون إلاّ أمــام لحظــةٍ من لحظــات الاستنســاخ اللامُتنــاهية‘‘[40].
لكن ع. بنعبد العالي يوقفنا على نقطة أخرى مهمة في علاقتها بالترجمة، ليست اللغة وفقط وإنما "حدود الفكر الذي يُفكّــر بتلك اللغة" أيضاً. هنا تظهر أهمية الترجمات المتعددة للنص نفسه في اللغة نفسها، وأحيانا في الفترة نفسها. وهذه ظاهرة نلاحظها في عالمنا العربي، ’’ فكأنّ الترجمة لا تُريــد بالدرجة الأولى، أن تُقدّم النصّ المُترجَــم وتنقــله إلى القارئ العربــي، بـقــدر ما تــريد ترويــض اللغــة الــمُتَـــرجِــمَــة، وتمرينها وتعويدها على لغة الحداثــة. بهذا المعنى تُشبه عملية الترجــمة حلّ مسألــةٍ رياضيــةٍ حيث لا يكون مرمــى الرياضــي معرفـة النتيـجة، وإنمـا طريقـة الإثبـات، إلى درجـة أنّــه يسعــى إلى الوصــول إلى النتيــجة بطُـــرقٍ مختلفة، وحتّى وإن مكّنــاه من الحــل، بقــى عليه أن يجــد هو نفســه طريقــة البرهــــان، أو طُـــرق البرهـــان إن أمكــن‘‘[41]. هكذا، يمكن القول، إن الترجمة لا تنقل نصوص لغةٍ أخرى، أو بالأخرى لغاتٍ أخرى، وفقط، بل ترتقي باللغة المُترجِــــــــمَة نفسهــا أيضــاً. وإذا اعتمدنا تعبير دريــدا، الذي اقترح تعويض مفهوم الترجمة بمفهوم "التحويل" (Transformation)، فإن الترجمة لا تُحوّل النص المترجَــم فحسب، بل تُحوّل اللغة المُترجِـــمة أيضاً[42].
5- ترجــماتٌ لا نـهـــائـــيــــــــة:
’’ أعيشُ فقط على ما لا يعرفـه الآخـرون عني‘‘. (بيتـر هاندكـه)
رغم أن ترجمة جون هيبوليت لـفينومينولوجيا هيغل إلى الفرنسية قد جاءت على قدرٍ كبيرٍ من الإتقان والكمــال لدرجةٍ جعلت الألمان أنفسهم يعودون إليها ليفهموا فيلسوفهم، فإنه في بداية التسعينات من القرن العشرين ظهرت ترجمتين فرنسيتين جديدتين، الأولى على يد جون بيير لوفيــبر سنة 1991، والثانيــة على يد غويندولــين يارتزيــك وجان بيــير لاباريــير سنة 1993. يمكن فهم هذا الأمر، فهم هذا الداعي إلى ترجمةٍ جديدة، بل إلى ترجماتٍ، للنصّ نفسه في اللغة نفسها، في ضوء ما كتبه ع. بنعبد العالي، حيث نجده يقول: ’’ [...] والنصّ لا تتوقف ترجمــاته، لأنّه وجد الترجمــة الكاملـــة، وإنــما لأنّه لم يعد مادّة تفكير، ولأنّه لم يعد يحيا في لغاتٍ أخرى. لكن المهمّ أن ظهور ترجماته المتعددة في اللغة نفسها، لا يدلّ على ضعف الترجمات بقدر ما يدلّ على مدى حيوية النص في تلك اللغة. ولعلّ هذا ما يُبرّر أن موجات "القراءات الجديدة" لماركس وفرويد ونيتشه قد صُوحبت بموجات ترجمات جديدة لنصوص هؤلاء، إلا أن هذا لا يعني البتة أن بعض تلك الترجمات يُلغي الآخر ويقضي عليه‘‘[43].
هكذا يُوقفنا ع. بنعبد العالي على أنّ ما يقتُل ترجمة النصوص ليس هو وجود ترجمة سابقة جيدة بل هو عدم حيوية تلك النصوص في تلك اللغة المُترجِــمَة. إن النصوص عندما تموت تتوقّف ترجمتها، هذا يعني أيضاً أنه يتوقّف تفسيرها حسب هيدغر الذي اعتبر الترجمة والتفسير صنوان. هذا يعني أيضا أنه تتوقّف إعادة قراءتها، فتلك النصوص التي لا تعاد ترجمتها، إما لأنها لم تُعد قراءتها، أو لأنها لم تُقرأ أصلاً. وإذا ما تمّت ترجمتها فإنها ستولد ميتة إذا ما استعرنا تعبير الأستاذ عبد الغفار مكاوي الذي عبّر بحسرةٍ وأسى عن الترجمات الكثيرة التي قام بها قائلاً إنها "خُـلِقت ميتة". أي أنّها ظهرت فلم تُحرك ساكنا ولم تلقَ استجابة ولم تُثِـــر انتقاداً ولم تُستـثمَر ولم تُوظَّف ولم تَدخُل في علاقات فكرية جديدة[44]. إنها، بتعبير آخر، ترجمات تنتظـر مجيء "غــودو".
هكذا، فإنه وإن كان هيبوليت قد أتقن ترجمة هيغل، فإن هيغل ستُعاد ترجمته إلى الفرنسية مادام حيا فيها. يقول فالتر بنيامين في هذا الصدد: ’’ [...] فإن مصير أعظم الترجمات وأكثرها إتقاناً، هو الزوال، وذلك بفعل نمو لغة الترجمة وتجدّدها‘‘[45]. ويقف ع. بنعبد العالي عند علاقة الفلسفة الفرنسية بالفكر الألماني كمحاولةٍ لفهم عملية الترجمة وإدراك ماهيتها. فتاريخ هذه الفلسفة يمكن اعتباره حركة ترجمة لم ترض قطّ عن نفسها، ذلك أن ما يُميــز ترجمات الفلاسفة الفرنسيين للنصوص الألمانيـة هو أنه ينسـخ بعضها بعضاً، ’’ فالظاهرة المميزة لحركة الترجمة الفرنسية هي ظاهرة إعادة النظر‘‘[46]. لكن هذا لا يفيد أي معنى انتقاصي ما من الفلسفة الفرنسية أو من الترجمة، بل بالعكس، فيمكن القول مع ع. بنعبد العالي إن الفكر الألماني لم يعد يحيا إلا في الترجمات الفرنسية[47]. هنا تظهر قيمة الترجمة ويعلو شأنها، فتصبح هي المسؤولة عن حياة النصوص، أو بتعبير آخر، تصبح هي ’’ ما ينفخ الحياة في النصوص وينقلها من ثقافة إلى أخرى‘‘[48]. هذا النقل لا يجعلها تعيش مدةً أطول فقط بل يجعلها تعيش في حالة أفضل، وهذا يتضمّن أن تتجاوز النصوص المترجَمة مستوى مؤلفيـها وإمكانياتهم كما عبّر عن ذلك دريدا[49]. ليس المقصود بهذه "الحالة الأفضل" أن الترجمة تكون أفضل من النص الأصلي، بل المقصود به هو ما عبّر عنه إمبرتو إيكو قائلاً: ’’ ومن جهة أخرى، أثناء تجربتي كمؤلِّف مُترجَـم، كنتُ أتخبّط باستمرار بين الحاجة إلى أن تكون الترجمة "وفـية" للنصّ الذي كتبته، والاكتشاف المُثـير كيف أن نصّي يُمكن (بل أحيانا ينبغي) أن يتحوّل حينما يُقال بلغة أخرى. وإذا كنتُ أحياناً أرى استحالاتٍ – ينبغي حلّها بطريقة ما – ففي الغالب كنتُ أشعر بوجود إمكانيات: أي كنتُ أرى كيف أن النصّ، في اتصاله بلغةٍ أخرى، يُبرز طاقاتٍ تأويلية كنتُ أجهلها، وكيف أن الترجمة تقدر أحيانا على تحسينه (وأقول "تحسينه" استناداً إلى القصد الذي يُبرزه النص بصفة مفاجئة ومستقلة عن قصدي باعتباري مؤلفا تجريبياً)‘‘ [50]. أي أن هذه الحالة الأفضل التي تجد فيها بعض النصوص نفسها في ترجمتها تتجلى في تلك الطاقات التأويلية التي لا تظهر جلياً في النص الأصلي، والتي معها يصبح النص خارجاً عن سيطرة مؤلفه، خاصة في مجال الأعمال الأدبية، فهذا النص لم يعد ابناً صغيراً يلعب بجانب أبيه بل كبر وبلغ أشدّه فأصبح يسلك طرقاً لم يسلكها أبوه من قبله ولا عرف أنّها موجودة.
يمكن القول إن إعادة الترجمة، إن منح حيوات كثيرة للنصوص، لا يتمّ إلا بشرط عدم إمكانية ترجمة تلك النصوص ترجمة نهائية، فالترجمة النهائية لنص ما تعني موتــه! وإذا كان فالتر بنيامين قد أدرك تلك العلاقة القائمة بين الجمال والحجب فاعتبـر أن الجمـال دائمـاً ما يتطلّـب ما يُخفــيه ويحجـبه، أما العري الكامـل أو الكـلّـي فإنّه يُفقد الجمـالَ معناه، "ففي عريه يتجرّد مندوام بقائـه"، فإنّه يمكن أن نُسقط هذا الكلام أيضاً على الترجـمة إذا ما استحضرنا قول دريـداً: ’’ لا يحيا النصّ إلا إذا بقي ودام، وهو لا يبقى ويتفوّق على نفسه إلاّ إذا كان في الوقت ذاته قابلاً للترجمة وغير قابل. فإذا كان قابلاً للترجمة قبولاً تاماً فإنه يختفي كنص وكتابة وجسم للغة. أما إذا كان غير قابلٍ للترجمة كلية، حتى داخل ما نعتقد أنه لغة واحدة، فإنه سرعان ما يفنى ويزول‘‘[51]. أي أنّ النص، بعبـارةٍ أخرى، لا يجب أن يتعرّى كلياً ويُفصـح عن كلّ أسراره، فهو بهذا سيمــوت، مثلما، في نفس الوقت، لا يجب عليه أن يُخفي كل جسـده ويحجبـه عن الأنظـار. وإذا كانت الرغبة الجنسيـة تبلغ ذروتها لا في العري الكـامل ولا في الاحتجاب الكـامل بل في التراوح المستمـرّ بين التعري والتستّـر، بين الإظـهار والإخفـاء، فإن النص لا يموت أبداً إذا حافظ على التوازن الخـلاّق. وما لا يقبل الترجمة في النص هو ما لن تفتأ إعادة ترجمته. لكن هذا لا يعني أنه يجب أن نخوض عراكاً أو ندخل في صـدامٍ مباشر مع ما لا يُترجم في اللغة الأجنبية بتحميـل اللغة المُترجِمة ما لا طاقـة لها به، بل يجب أن نبدي شيئاً من الاحترام إزاءه، ففيه تكمن قيمة كلّ لغة ويتجلّى طابعها الخاص كما قال غوتــه[52].
6- التـرجــمة كتقـريــبٍ للأنــا من نــفـســــها:
’’ تفتـح الترجمـة النافذة كـي تسـمح لضــوء النهار بالولوج، وهي تكسـر القشرة كي نتمكّـن من تذوّق الفاكهة؛ وتـزيح الستـار كي نُمعن النظـر في أقـدس مكـان وترفـع غطـاء البئـر كـي نصـل إلى المـاء، مثلمـا أزاح يعقوب الحجرة التي كانت تغطّـي البئـر، كي ترتـوي أغنـام لابـان (Laban)‘‘.(مترجمـو الكتاب المقدّس للملك جيمس الأول).
لا يقتصر دور الترجمة على تقريب الآخر من الأنا أو منح حيواتٍ كثيرة للنصوص، بل يمكن أن تتجاوز هذا الدور لتُصبح تقريبـاً للأنــا من نفسـها. هذا ما يمكن ملاحظته في قول الأستـاذ عبد الله العروي في خواطـره: ’’ في الوقت نفسـه وصلت رسالتان من بيـروت تحمـلان الطلـب نفسـه: الترخـيص بنقـل الإيديولوجـيا.. إلى العربـية. ماذا كان يكون ردّ القـارئ المشرقـي لو ألّفـتُ الكتـاب أصلا بالعربـية كما كانت نيتـي أوّل الأمـر؟ الإهـــمـــــال بدون شـكّ. كلّ اتصالٍ بينـنا – المغـاربة أو العـرب أو المسلمــين – يمـرّ عن طريق الـغـــرب، كما هو حـال الأوروبيــين اليـوم بالنسبــة لأميــركـا‘‘[53]. هذا ما حدث مع الأستاذ العروي، لكن إذا افترضنا أنه قد كتبه في الأصل بالعربية، وتغافلـنا عن سؤال "هل" وطرحنا سؤال "متى"، أي متى سيقرأ المثقف العربي هذا الكتاب ويعترف بقيمته؟ الجواب هو: بعد الترجمة، التي هي غالباً، بحكم التاريخ، ترجمـة إلى الفرنسيـة. في كلتا الحالتين، سواء كُتب النص الأصلي بالفرنسية أو نُقل بعد كتابته بالعربية إلى الفرنسية، فإنّه لا يصل إلى المثقف العربي إلاّ بعد ترجمـته. لكن الحالة الثانية لا تقرّب الذات من نفسها وفقط، بل تمنـح قيمـةً كبيرةً للعمل، بعد أن تنقله إلى الفرنسية على الخصوص أو إلى أية لغة حية أخرى على العموم، وكأن قيمته لا تظهر إلا بترجمته، إلا بعد أن يعرفه الآخر ثم يأتي إلينا في لغةٍ أخرى.
هكذا تُصبح الترجمة لا وصلاً بين الأنـا والآخر، بل وصلاً بين الأنـا ونفسـها، فــ ’’ لكـي يتلقّى القارئ العربي النصّ يحسن، بل ينبغي أن يصله مترجماً، ينبغي أن ينقل إليه عبر لغةٍ أخرى. [...] فكأنّ المثقف العربي لا يمـرّ إلى ذاته اليوم إلاّ عبر الآخـر، ولا يتكلّم لغتـه إلاّ عبـر لغةٍ أخـرى، فلا معنى هنا لما نكتبـه أو نقرأه إلا في ترجمـته‘‘[54].
هذا الواقع الذي يفرض نفسه هو مع يجعل كتاباً آخرين يكتبون بالفرنسية ثم ينقلون أعمالهم هم أنفسهم إلى العربية إذا لم ينقلها أحد آخر أو تمّ نقلها بشكل سيء لم يُرضِ المؤلف. هذه هي حالة الأستاذ العروي مع كتابه "الإيديولوجيا العربية المعاصرة"، الذي تُرجم إلى العربية بعدما تمّ "انتزاع" الموافقة منه[55]، حيث أعاد ترجمته هو بنفسه بعد أن اشتكى من الضرر الذي ألحقته الترجمة بكتابه، إذ وصل الخطأ فيها إلى قلب المعنى في مواضع كثيرة[56]. وهذا الواقع أيضاً هو ما يجعل كتاباً عرب لا يكتبون بالعربية إلا وهم يستحضرون في أذهانهم إمكانية ترجمته إلى لغة أجنبية، فيعملون جاهدين على توفير الأرضية المناسبة التي يمكن أن تسهّل من عملية الترجمة. ويخبرنا الأستاذ عبد الفتاح كيليـطو أن أستاذةً مصرية قد أكّدت له ’’ أنّ بعض الروائيين العرب يكتبون وهم يُفكّرون في مترجمهم المحتمل، فيعملون على تيسير مهمّته، باجتنابهم مثلا التعابير والإحالات التي قد لا تتلاءم مع أسلوب لغةٍ أخرى‘‘[57]. هذا يعني أن ’’ الهدف البعيد في هذه الحالة ليس كتابة رواية ونشرها بالعربية، بل إصدارها مترجمة. وهكذا فأثناء صياغتها تكون متطلّعة إلى الانتقال إلى الإنجليزية أو الفرنسية؛ إنها مكتوبـةٌ حرفياً من أجل هاتين اللغتين‘‘[58].
هذا يعني أنه في هذه الحالة تكون الترجمة، التي تتم بالضرورة بين لغاتٍ تربط بينها علائق قوة[59]، قد لعبت الدور الأكبر، بل ربما الدور كلّه عندما لا يُعرف عملٌ ما ولا تُعرف قيمته إلاّ من خلال ترجمته، فهي التي تُتيح له فرصة الوجود بأن تجعله مرئياً، تنفـض عنه غُبار النسيان وتُخلّصه من خيوط العنكبوت التي نُسجت حوله، لتمنحه فرصةً ليحيا، لتنقذه من أن يولد ميتاً أو من أن يُدفـن حياً. هذا ما يجعل عملية الكتابة ’’ مصحوبة حتماً بترجمة محتملة‘‘[60]، فماذا سيكون مصيرها لولا هذه الترجمـة؟! هكذا ’’ غدت إبداعاتنا تتمّ بدلالة الترجمة. فكأن الأصول هنا مفعولٌ لترجماتها، فحتى إن كان لا بدّ وأن نتكلّم عن خيانةٍ فربما ينبغي أن نقول مع بورخيـس "إن الأصول هي التي تخــون ترجماتها". [...] إن واقع الترجمة هو واقع الفكر العربي، واقع الثقافة العربية المعاصرة. فهذه الثقافة اليوم لم تعد تدرك ذاتها، ليس فقط إلاّ عبر آخـر، وإنما عن طريق الإدراك الذي للآخر لها. فهي إذن لا تحيـا الترجمـة كحركـة تأليفٍ ونشر، وإنما كأسلوب عيشٍ ونمطِ وجـود‘‘[61].
الهوامش والإحالات المرجعية
[1]: انظـر كتابـه: الترجـمة والحـرف أو مـقام البعـد، ترجمة وتقديم: عز الدين الخطابي، مراجعـة: جورج كتورة، المنظمة العربية للترجمة، ط 1، بيروت، 2010، ابتداء من ص 51.
[2]: بنعبد العالي، عبد السلام، كتابات في الترجمة، الأعمال الكاملة، الجزء 4، دار توبقال، ط 1، 2014، ص 25.
[3]: نفسه، ص 29.
[4]: بلانشو، موريس، أسئلة الكتـابـة، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي & نعيمة بنعبد العالي، دار توبقال، ط 1، 2004، ص 84.
[5]: برمان، أنطوان،الترجـمة والحـرف أو مـقام البعـد، مصدر سابق.
[6]: نفسه، ص 53.
[7]: نفسه، صص 47-48.
[8]: نفسه، صص 53-54.
[9]: نفسه، ص 54.
[10]: نفسه، ص 55.
[11]: نفسه، ص 58، الهامش 14.
[12]: نفسـه، ص 59.
[13]: نفسه، ص 60.
[14]: نفسه، ص 103.
[15]: بنعبد العالي، عبد السلام،كتابات في الترجمة، مصدر سابق، ص 121.
[16]: برمان، أنطوان، الترجمة والحرف أو مقام البعد، مصدر سابق، ص 104.
[17] : Voir : Benjamin, Walter, La tâche du traducteur, traduit par Martine Broda, p 157. In:
« Nos traductions, et même les meilleures, partent d’un principe erroné, si elles veulent germaniser l’Indien, le grec, l’Anglais, au lieu d’indianiser, gréciser, angliciser l’Allemand. Elles ont beaucoup plus de respect pour les usages de leur propre langue que pour l’esprit de l’œuvre étrangère. L’erreur fondamentale du traducteur est de conserver l’état fortuit de sa propre langue, au lieu de se laisser violemment ébranler par la langue étrangère ».
[18]: برمـان، أنطوان، الترجمة والحرف أو مقام البعد، مصدر سابق، ص 33.
[19] : Heidegger, Martin, Acheminement vers la parole, collection tel, traduit par François Fédier, Paris, Gallimard, 1984, p 143. Citée par A. Berman, Ibid.
[20]: برمان، أنطوان، الترجمة والحرف أو مقام البعد، مصدر سابق، ص 63.
[21]: نفسه، ص 65.
[22]: يورده بيرمان، نفسه، ص 65.
[23]: نفسه، صص 66-67.
[24]: نفسه، 67.
[25]: نفسه، ص 71.
[26]: نفسه، ص 72.
[27]: راجع كل هذه الميولات ضمن المصدر السابق، ابتداء من ص 77.
[28]: بنعبد العالي، عبد السلام، كتابات في الترجمة، مصدر سابق، ص 29.
[29]: نفسه، ص 79.
[30]: نفسه، ص 61.
[31]: انظر تقديم فتحي المسكيني، ضمن: هيدغر، مارتن، الكينونة والزمان، ترجمة وتقديم وتعليق فتحي المسكيني، مراجعة إسماعيل المصدق، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط 1، 2012، ص 18.
[32]:نفسه، ص 29.
[33]: بنعبد العالي، عبد السلام، كتابات في الترجمة، مصدر سابق، ص 61.
[34]: « la langue est, selon une formule de Weinreich, une réalité essentiellement hétérogène ». Voir : Deleuze, Gilles & Guattari, Félix, « Rhizome », in : Capitalisme et schizophrénie, Mille Plateaux, Les éditions de minuit, p 14.
[35]: بنعبد العالي، عبد السلام، كتابات في الترجمة، مصدر سابق، ص 71.
[36]: انظر تقديم عبد الفتاح كيليطو (متاهات الترجمة) لكتاب "في الترجمة" لعبد السلام بنعبد العالي، ضمن: كتابات فيالترجمة، مصدر سابق، ص 13.
[37]: رغم أن نطق هيبوليت نفسه للألمانية كان في غاية الرداءة، إذ يحكي عنه غادامير في سيرته الذاتية قائلاً: ’’ كان حضور أحد الأساتذة الزائرين في الحلقات الدراسية جان هيبوليت مُثيراً بسبب التزامه، ولكن كان حضوراً غير مفهومٍ بسبب نطقه الرديء للغة الألمانية. إن مترجم هيغل المميز هذا غرّب اللغة الألمانية عن الأفهام‘‘. (غادامير، هانز جورج، التلمذة الفلسفية: سيرةذاتية، ترجمة علي حاكم صالح & حسن ناظم، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط 1، 2013، ص 246).
[38]: يقول نيتشــه: ’’ [...] في فرنسا العقل، التي هي فرنسا التشاؤم أيضاً قد غدا شوبنهاور اليوم في بيته وموطنه، الأمر الذي لم يتحقق له أبداً في ألمانيا: قد تُرجم مؤلفه الرئيسي مرتين إلى حدّ الآن، وقد جاءت الترجمة الثانية على غايةٍ من الامتياز، حتى أنني صرتُ أفضّل قراءة شوبنهاور بالفرنسية‘‘. (نيتشـه، فريدريش، نيتشه ضد فاغنر، وثائق خبير نفساني، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل، ط 1، 2016، صص 113-114).
[39]: بنعبد العالي، عبد السلام، كتابات في الترجمة، مصدر سابق، ص 75.
[40]: نفسه، ص 81.
[41]: نفسه، ص 63.
[42]: نفسه، ص 35.
[43]: نفسه، ص 77.
[44]: نفسه، ص 223.
[45]: يورده ع. بنعبد العالي: كتابات في الترجمة، مصدر سابق، ص 33.
[46]: نفسه، ص 47.
[47]: نفسه، ص 49.
[48]: نفسه.
[49]: Voir: Derrida, Jacques, Des Tours de Babel, In : Psyché, Invention de l’autre, Edition Galilée, Paris, 1987-1998, p 214. « L’œuvre ne vit pas seulement plus longtemps, elle vit plus et mieux, au-dessus des moyens de son auteur ».
[50]: انظر: إيكــو، أمبرتـو، أن نقول الشيء نفسه تقريباً، ترجمة: أحمد الصمعي، مراجعة: نجم بو فاضل، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط 1، 2012، ص 21.
[51]: يورده عبد السلام بنعبد العالي، كتابات في الترجمة، مصدر سابق، ص 171.
[52]: Voir : Berman, Antoine, L’épreuve de l’étranger, Gallimard, « Tel », Paris, 1995, p 97.
[53]: العــروي، عبد الله، خـواطـر الصـباح، المركـز الثقافي العربي، ط 2، 2007، صص 71-72.
[54]: بنعبد العالي، عبد السلام، كتابات في الترجمة، مصدر سابق ص 99.
[55]: يقول: ’’ لا فائدة من التذكـير بالظروف التي تمّت فيها الترجمـة الأولى والكيفيـة التي انتُــزعت بها مني الموافقة‘‘. انظر: الإيديولوجيا العربية المعاصرة، المركز الثقافي العربي، ط 4، 2011، ص 8.
[56]: نفسـه. وقد قدّم أمثلة على ذلك.
[57]: كيليطو، عبد الفتاح، لن تتكلّم لغتي، دار الطليعة، بيروت، ط 1، 2002، ص 25، الهامش.
[58]: نفـسـه.
[59]: بنعبد العالي،كتابات في الترجمة، مصدر سابق، ص 105. وينطبق هذا أيضاً على كثير من الكتاب الفرنسيين الذين لا يعرفهم القارئ الفرنسي إلا عن طريق اللغة الإنجليزية سواء من خلال الترجمة أو كتابتهم هم أنفسهم بالإنجليزية، مثلما هو حال بيير بورديو وجاك دريدا.
[60]: كيليطو، عبد الفتاح،لن تتكلم لغتي، مصدر سابق، نفس الصفحة.
[61]: بنعبد العالي، عبد السلام،كتابات في الترجمة، مصدر سابق، ص 101.