نورالدين البكراوي - باحث في العلاقات المغربية الإسبانية ونزاع الصحراء
شهدت مدينة تطوان ما بين التاسع من يونيو إلى غاية اليوم الثاني عشر منه، حدثا مهما بإعلان "منظمة المجتمع المدني الدولية لقيم المواطنة والتنمية والحوار"، بالتعاون مع جامعة عبد المالك السعدي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان وجمعية "تطاون أسمير" للتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية"، عن اختيار مدينة تطوان "عاصمة للمجتمع المدني المغربي" لعام 2022.
ويأتي تتويج مدينة تطوان بالنسخة الثالثة من "عاصمة المجتمع المدني المغربي" التي تحظى بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. لما حققته مدينة تطوان، وجمعياتها على رأسها "جمعية تطاوين أسمير" العتيدة وبشكل خاص "نادي تطاون أسمير للدراسات والعلاقات الثقافية بين المغاربة والإسبان"، أحد أهم أذرع جمعية تطاون أسمير وأنشطها على الإطلاق، من تقوية لقيم المواطنة والتنمية والتعايش المجتمعي، وتنزيلا ناجحا للتوجهات الملكية الداعية لترسيخ قيم المواطنة الصادقة والتنمية الجهوية المستدامة وتأهيل الشباب والشابات للانخراط في وهج حداثة المغرب ووحدته الوطنية والترابية.
وجاءت هذه المبادرة الجديدة التي تندرج في إطار تفعيل بنود الاتفاقية المبرمة عام 2018 بين المنظمة والوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان و"المجتمع المدني"، استناداً إلى أهداف المنظمة المتمثلة في تعزيز قيم المواطنة والتنمية والتعايش المجتمعي، وكذا ترسيخ قيم المواطنة الصادقة والتنمية الجهوية المستدامة وتأهيل الشباب والشابات للانخراط في وهج حداثة المغرب ووحدته الوطنية والترابية.
وبعيدا عن ما تضمنه برنامج[1] هذا العرس الثقافي والمجتمعي من فعاليات "تطوان عاصمة المجتمع المدني المغربي" لسنة 2022، من حقنا أن نتساءل عن سر قوة مدينة تطوان وكيف استطاعت كسب الرهان المجتمعي في هذا المجال المرتبط بالارتقاء "بالمجتمع المدني" والشأن الثقافي؟ وهل المسألة مرتبطة بعمل جمعية تطاوين أسمير المكثف في السنوات الأخيرة، أم هو عمل له جذور تاريخية؟ لكن قبل الخوض في ذلك، والذهاب بعيدا في تحليل إشكاليات موضوع البحث، تستدعي الضرورة المنهجية الانطلاق من مفهوم "المجتمع المدني" نفسه من أجل فهمه ولمس ماهيته والوقوف على أهم خصوصياته، وهل هو مفهوم غربي صرف تم إدخاله وتوظيفه في المغرب حديثا، أم أن "المجتمع المدني" له جذور تاريخية مختلفة عما هو عليه الحال في الغرب؟
لا شك أن مصطلح "المجتمع المدني" كمفهوم سياسي، قديم جدا يعود في أصوله الأولى إلى عهد الإغريق، وقد تطور هذا المصطلح إيتيمولوجيا مع الزمن على يد التغييرات التي طرأت على التفكير السياسي والاجتماعي الغربي التي أدت في نهاية المطاف إلى دولة القانون الحديثة المبنية على أساس الديموقراطية وفصل السلط. وإذا ما اقتفينا أثر المعنى الحقيقي للمجتمع المدني كما نفهمه ونعرفه الآن، سنتوقف لا محالة، عند فكر فلاسفة العقد الاجتماعي الذين وضعوا المجتمع ليس فقط كأساس العقد المبرم مع القوى التقليدية، بل كمصدر لشرعية السلطة والقانون المشكلان للدولة الحديثة، مادامت في الأصل هي روحها التي تحركها ومنبع تطورها وسبب وجود ما يعرف بدولة الحق والقانون.
وإذا ما انطلقنا من فكرة أن شروط تحقيق هذا المجتمع المدني استوجبت وجود نسق فلسفي خاص وظروف تاريخية طورت معناه وصقلته عبر خمس مراحل[2] ساهمت في تشكيله والعمل عليه في العالم الغربي، لينتقل بعدئذ للنموذج الحالي الذي نعرفه في ثمانيات القرن العشرين وصار -بشكل عام- معمول به في كل دول العالم. فما هي جذور المجتمع المدني في المغرب بصفة عامة، ومدينة تطوان بصفة خاصة؟ وهل يجوز الحديث عن مجتمع مدني في عهد الحماية الإسبانية؟
إن مسألة فهم تطبيق مفهوم المجتمع المدني على حالة المغرب، يقتضي التوقف عند اعتبارات تتعلق بطبيعة هذه الدولة العربية الأمازيغية الإسلامية وتقاليد الحكم فيها وعلاقتها بالمجتمع المدني، ثم بعد ذلك ربطها بالفكر السياسي الكوني الذي اعتمده الغرب في مقارباته للمفهوم. مع ترك مسافة للتأمل نظرا للخلفيات المختلفة التي ميزت هذه البقعة الجغرافية من العالم في تمثلات وفهم السلطة السياسية للدولة وعلاقتهما بالمجتمع المدني.
ضمن هذا الأفق، لابد من استحضار عامل الإسلام كمحرك رئيسي لبناء السلطة السياسية وحجر أساس في الوعي الجمعي والتاريخي للمجتمعات العربية الإسلامية؛ فهو مصدر توحيد المجتمعات حيث يعتبر القرآن والسنة والاجتهاد والقياس، منابع أصول المواطنة والفعل السياسي والثقافي والمجتمعي على اختلاف القوميات والعرقيات والأصول... وهي دون شك، مصدر التشريعات والقوانين والتنظيمات الاجتماعية العامة...وهذا يجعل الإسلام في مسارات تشكيل المجتمع المدني، عاملا حاسما ومؤثرا حقيقيا لحظة تفاعله بأفكار الحداثة والتغييرات والتحولات السوسيو-اقتصادية والسوسيو-سياسية[3].
وفي نظرنا، ورغم أن المجتمع المدني في المغرب مفهوم يعتقد الكثيرون أنه جديد تم توظيفه في الستينيات والسبعينات وثمانينيات القرن العشرين من خلال المنظمات الغير حكومية والأحزاب والنقابات والجمعيات المناهضة للاستبداد والقمع والظروف المعيشية المزرية فيما كان يعرف بسنوات الرصاص، إلا أنه وبالعودة إلى ما يعنيه تعريفه كونه "هو المجتمع الذي تكونت مؤسساته ومنظماته بشكلٍ مستقل عن سلطة الدولة؛ حيث يجمعها فيما بينها رابطة اختيارية طوعية، كما أنّه يقوم على العمل الاجتماعي لتحقيق المصالح المشتركة؛ كالأحزاب، والجمعيات الخيرية، والمنظمات غير الحكومية، والحركة الاجتماعية، والنقابات، ومنظمات حقوق الإنسان، وغيره"ا[4]...نجد أن له جذورا تاريخية كانت لها نفس وظائف وأدوار المؤسسات والمنظمات السالفة الذكر كالمساجد التي كانت هي قلب المجتمع المدني لما كانت توفره للحياة العامة من خدمات جليلة وما كان يلعبه الأئمة والعلماء من أدوار أخلاقية وتثقيفية وتعليمية وتنويرية لا تكتفي بتأهيل المجتمع المغربي دينيا وعلميا والارتقاء به وبناء الرعية الفعالة فقط، بل كانت مؤسسة للإخبار وطاعة أولى الأمر ومصدر الفتاوى التي تصير تشريعات يحتكم لها الناس، ومركزا لدعوة المشاركة في الحروب، ومنبرا لدفع الناس للزكاة وللصدقات والتبرعات والتكافل والتضامن الاجتماعيين في عدة أعمال تهم الأعمال الفلاحية وغيرها من أعمال الجماعة فيما يعرف -إلى يومنا هذا- في البوادي والمداشر المغربية "بالتويزة"، وفي أحيان أخرى، تطلب منها وجوبا ضرورة دفع المُكُوس والجبايات تارة، وللاحتجاج والمطالبة بإصلاحات تارة أخرى. وقد تنطلق منها حركات متمردة على السلطة المركزية وشرارة التمرد والعصيان المدني المؤدي إلى قلب نظام الحكم[5]. وهناك أيضا مؤسسة الزاوية وما كانت تمثله على يد شيوخها وطرقهم المختلفة من قوة تأثير ديني ودنيوي غارق في السياسة يفوق بسنوات ضوئية قوة تأثير المساجد، حيث يتم فيها تسيير حياة المجتمع المغربي عن طريق سلطتها المحلية على القبائل وإخضاعها لأمرها[6]، ولا نبالغ القول، إن كانت بعضها -في محطات عدة من التاريخ- رائدة سهرت على تنظيم شؤون العباد والبلاد وحاربت الجهل والتخلف وساهمت في النماء والازدهار والتجارة وحتى أنها قادت الجهاد، وزوايا أخرى انقلبت على السلطة المركزية، بحيث تحولت إلى دولة داخل الدولة لتكون في الحالتين سواء مع أو ضد السلطة المركزية، ورغم هذه الحالة الملتبسة- قد حجزت لها مكانا ضمن البنيات السياسية والاجتماعية والثقافية للمغرب ما قبل الكولونيالي كونها كانت دائما مؤسسة مهمة- احتفظت لنفسها بالإضافة إلى أدوارها التاريخية الكثيرة- لعب دور الوساطة بين السلطة المركزية والقبائل، وبين العلماء والسلاطين.
ولا غرو أن التاريخ يحتفظ بأحداث ساخنة تدخل على إثرها شيوخ الزوايا لحلها كالتي حصلت فيما يعرف "بالثورة الحفيظية" قبيل فترة الحماية، والتي كانت انتفاضة للشعب المغربي على المولى عبد العزيز سنة 1908، تم على إثرها تنصيب المولى عبد الحفيظ الذي ثار على أخيه الذي اتهم بالرضوخ للأجانب والاقتداء بنصائحهم على حساب مصالح الوطن والشعب. ورغم التأييد الشعبي الجارف حينها للمولى عبد الحفيظ إلا أن مبايعة علماء فاس لم تأت في 07 يونيو 1908 إلا "بإيعاز من الشيخ محمد الكتاني[7] وبشرط التعهد بصيانة استقلال البلاد واسترجاع المناطق المغتصبة وإلغاء بنود الجزيرة الخضراء والشطب على امتيازات الأجانب وعدم استشارتهم في قضايا الأمة، وعدم إبرام أية معاهدة معهم سلمية أو تجارية بدون الرجوع إلى الأمة. بيد أن مولاي عبد الحفيظ الذي أصبح السلطان الجديد للمغرب وبضغط أجنبي رهيب، ما لبث أن تنكر لالتزاماته الواحد تلو الآخر، ولم يتورع عن تعريض الكتاني الذي أملى شروط بيعته للهلاك جلدا بالسياط"[8]. ليتحول بعد ذلك السلطان عبد الحفيظ من سلطان عُلقت عليه آمال كبيرة إلى سلطان مكروه بعدما فرض عليه الانصياع التام لكل من فرنسا وإسبانيا.
أما في عهد الحماية، -وبالتحديد في تطوان- نجد أن هناك أمثلة واضحة أخرى على الدور البارز الذي لعبه رجال قدموا من كنف الزوايا كالمؤرخ والسياسي والأديب والفقيه التطواني أحمد الرهوني رحمه الله صاحب كتاب "عمدة الراوين في تاريخ تطاوين" الذي تقلد عدة مناصب سامية في عهد الحماية، وكان ينتمي للزاوية العيساوية، وقد دفن فيها بحومة العيون بتطوان في يوم الاثنين، 21 دجنبر 1953. هذا الرجل الاستثنائي الذي ظلم بعد أن تم تهميشه في نهاية مشواره، يذكره المؤرخ التطواني المعروف محمد داوود في كتابه "تاريخ تطوان" ب: "شيخي الجليل وأستاذي العزيز[...] الرجل الشهم الذي له من الفضل ما لا أعده ولا أحصيه، الرجل العالم المشارك الذي هو أستاذي الأول في مختلف العلوم..."[9].
وإلى جانب النابغة الرهوني رحمة الله عليه، نجد كذلك التهامي الوزاني (1903- 1972) رحمه الله الذي يعتبر تجليا متميزا للمثقف العضوي الوطني القادم من الزاوية الذي نشأ وتربى كمتصوف على طريقة مولاي العربي الدرقاوي في الزاوية الحراقية. فهذا الأخير، الذي كان صحفيا، وكاتبا، ومؤرخا، ومناضلا سياسيا، ومربيا، وأديبا، ومترجما، وعميدا لكلية أصول الدين... له إنجازات نذكر منها: مساهمته في تطوير حركة الطباعة والنشر في المغرب بإنشاءه في تطوان لمطبعة وجريدة "الريف" أواسط الثلاثينات، ومشاركته في بزوغ الوعي السياسي المغربي كونه أحد أعضاء حزب الإصلاح الوطني البارزين، وقد كان من بين من أخذتهم العزة على التعليم الوطني من خلال "المدرسة الأهلية (1925)" بتطوان التي كان أحد مؤسسيها ومديريها المرموقين، كما أنه أشرف على "المعهد الحر" والمدرسة الأهلية من بين عدة مؤسسات تعليمية أخرى داخل وخارج تطوان، وله عدة مؤلفات -دون ذكر المقالات الكثيرة التي خلفها وراءه- غاية في الأهمية من قبيل: "الزاوية" و"تاريخ المقاومة المسلحة والحركة الوطنية في شمال المغرب" و"الرحلة الخاطفة"... لكن تبقى درة تاج كتاباته الكثيرة وأكترها قيمة هي كتاب "تاريخ المغرب" (1940) الذي امتاز فيه التهامي الوزاني في جزءه الثالث والأخير، بكونه من المؤرخين المغاربة الأوائل السباقين إلى تناول تاريخ المغرب من وفاة مولاي الحسن الأول إلى غاية الحرب العالمية الثانية، وتركيزه على المنطقة الشمالية منذ إعلان الحماية الإسبانية عليها وما شابها من مقاومة للريسوني والخطابي رحمهما الله وحروبهما ضد المستعمر، كما انه كان شاهد عيان على تاريخ الحركة الوطنية ونشأة الأحزاب معتمدا في كتاباته لأول مرة على ترجمة المصادر الأجنبية...[10]
وعطفا على قوة تأثير الزوايا نجد كذلك، أن في ذروة محاولة سلطات الحماية الإسبانية تفريخ الأحزاب للتضييق على القاعدة الجماهيرية الهائلة التي كان يتمتع بها حزبا الإصلاح الوطني والوحدة المغربية بغرض عرقلة عملهما الوطني، -كما سنراه لاحقا في القسم المتعلق بعلاقة الأحزاب والمجتمع الوطني- فقد تم بعد الحرب العالمية الثانية تأسيس "حزب الاصلاح الديني" من طرف "شيخ الزاوية الدرقاوية" "عرفة الحراق" على عهد المقيم العام الاسباني الجنرال "أوركاث"، وبعد أن ثبت للإسبان تورط الشيخ عرفة شروعه في أعمال عدائية ضدهم تم سجنه، وبعد إطلاق سراحه، سارت الزاوية التي يمثلها في ركاب "الحزب الريفي" الذي أسساه الأخوان التمسماني سنة 1953 في طنجة بعد انفصالهما عن حزب الوحدة المغربية[11].
ودون شك، لا تزال الزوايا وشيوخها يلعبون دورا بارزا إلى يومنا هذا في إطار ما يسميه "عبد الله سعف" بالمجتمع المدني الغير رسمي[12]، بل هناك من يراها امتدادا للأحزاب في المغرب مادام الكثير من كبار السياسيين في المغرب ينتمي إلى زاوية ما ولا يترك فرصة إلا ويفتخر بذلك.
ولعل ما يبدو جليا هو أن بعض الزوايا مع مرور الوقت، قامت بعملية تدوير شاملة جعلتها تطور من نفسها لتصبح بداية حركات دعوية وبعدها تحولت إلى جماعات سياسية قوية تطمح في الحكم، ولا حرج من القول، أنها استطاعت التغلغل بشكل لافت في المجتمع المغربي، كما هو الحال مع جماعة "العدل والإحسان" المنبثقة عن "الزاوية البودشيشية". كما لا يجب إغفال الجماعات الإسلامية ذات الطابع الدعوي الإصلاحي -وإن لم تكن لها علاقة بالزوايا- التي شقت طريقها كجمعيات معروفة بقاعدتها الشعبية الكبيرة، "كالتوحيد والإصلاح" وخرج من رحمها بعد مخاض عسير لعدة سنوات -واستغلال للحراك الشعبي في المغرب إبان فترة ما سمي "بالربيع العربي" في فبراير سنة 2011 - حزبا استطاع الوصول إلى سدة الحكم "كحزب العدالة والتنمية".
وأمام ما استعرضناه أعلاه، يظل ميدان التاريخ مفتوحا للبحث عن مدى قوة الصدام الثقافي بين الأوروبيين والمغاربة وكيفية تفاعل هؤلاء مع الفكر الغربي الحداثي ومؤسساته التي فرضوها مع مرور السنوات. ويبقى السؤال الذي لا مفر من طرحه، هو كيف تمكنت النخبة التطوانية بقيادة أب الحركة الوطنية عبد السلام بنونة، وعبد الخالق الطريس مهندس الحركة السياسية في المنطقة الخليفية- في إطار تكوين مجتمع مدني على الطراز الغربي من داخل نظام الحماية في شمال المغرب- من تكييف فكرها الباتريمونيالي الإسلامي السلفي التقليدي المتشبث بالسلطان والسلطة المركزية والوحدة الترابية مع قيم وأفكار إسبانيا المستعمِرة؟ وما الذي فعلته لكي تفرض نفسها كقوة اجتماعية وسياسية استطاعت التطوير وإحداث التغيير؟ وكيف ساعد بناء المؤسسات الحديثة التي تعنى بالمجتمع المدني في كسر الحصار المفروض من لدن سلطات الحماية وخدمة القضايا الوطنية؟ وهل "جمعية تطاون أسمير" التي تتسيد المجتمع المدني في مدينة تطوان لأكثر من ربع قرن لها علاقة بذلك؟ كل هذا وأكثر، سنراه في الجزء الثاني في قادم الأيام على موقعكم باب المغاربة، فكونوا في الموعد.
الإحالات المرجعية والهوامش
[1] لقد أقيمت على ضوء البرنامج مختلف الأنشطة في عدة فضاءات علمية وثقافية وتاريخية بالمدينة، تخللتها عقد ندوات حول التراث الفكري والمادي للمدينة، ومعرض أعمال المجتمع المدني، وتكريم فعاليات المجتمع المدني، أشخاصا وهيئات، وكذا إعلاميين ورموز الفكر والفن والابتكار بالمدينة، والشباب المتميز والمبدع بالمدينة وغيرها من احتفالات بقوافل طبية، وإنتاج فيلم حول مآثر المدينة، وعروضا فنية وموسيقية تبرز إبداعات المدينة المتميزة، وقوافل المدينة المعرفة بمآثرها وكنوزها، إلى جانب عروض حول استراتيجية المواطنة والتنمية والحوار، ومشروع الموسوعة الحضارية للمدينة ونواحيها، ووضع تصورات مشروع الكراسي الجامعية للمجتمع المدني المغربي. وستظل هذه الأنشطة مستمرة طول السنة، لعل أخرها كانت الندوة العلمية التي أقيمت بتنظيم من "نادي تطاون أسمير للدراسات والعلاقات الثقافية بين المغاربة والإسبان" وبتعاون مع جامعة عبد المالك السعدي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة محمد السادس، حفظه الله بمقر "جمعية تطاون أسمير" بتاريخ 20/06/2022، حول موضوع: "المجتمع المدني في تطوان خلال فترة الحماية بشمال المغرب"، والذي شارك فيه ثلة من الأساتذة الأكاديميين المتخصصين في التاريخ والعلاقات المغربية الإسبانية من بينهم الأستاذ الدكتور مصطفى عديلة الرئيس المنتدب في جمعية تطاون أسمير، والأستاذ الدكتور عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية مصطفى الغاشي، والأستاذ الدكتور امحمد بنعبود العضو المؤسس لجمعية تطاون أسمير والأستاذ الدكتور شكيب الشعيري الكاتب العام لنادي تطاون أسمير للدراسات والعلاقات الثقافية بين المغاربة والإسبان، الذي يراه الكثيرون -إلى جانب القامات التي ذكرناها وآخرون لم نذكرهم- أحد أهم أسباب نجاح هذا الحدث الثقافي الضخم.
[2] الأولى هي، مرحلة مفكري العقد الاجتماعي، "وفقاً لهذه النظرية كان مفهوم المجتمع المدني مرادفاً للمجتمع السياسي” هوبز، لوك، روسو” وظهر مفهوم المجتمع المدني في هذه المرحلة نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر ميلادي، كنقيض لمفهوم الطبيعة والمجتمع السياسي وليعبّر عن الرغبة الملحة للتخلص من تأثيرات العصور الوسطى التّي عرفت سيطرة مطلقة للدين والكنيسة والتخلي عن النظام القديم والدعوة إلى نظام جديد يقر بحرية الفرد الإنسان باسم العقل والمنطق، إلى سيادة الشعب والسيادة القومية وحقوق الإنسان التّي فجرتها الثورة البرجوازية الانجليزية ودعمت مع اندلاع الثورة الفرنسية". والثانية تكون، المرحلة الهيجلية، "إنّ المجتمع المدني حسب هيغل هو الوسيط بين العائلة والدولة إنّه نظام الحاجات أو مكان التبادل والإنتاج الخاص الذّي لا يمكن أن يولد أو يتطور إلاّ في الدولة وبواسطتها فهي المجسِّدة للمصلحة العامة، ومن هنا كانت العلاقة بين الاثنين علاقة تكامل وتعارض في الوقت ذاته". والثالثة، المرحلة الماركسية والصراع الطبقي، "مفهوم المجتمع المدني الماركسي يُقصد به المجتمع البرجوازي المتميّز بالتناقضات بين المصالح المادية لمكوناته وهذا ما سيخلق الصراع الطبقي، وتخرج الدولة بسيطرة إحدى الطبقات على مقدرات المجتمع ككل، ولهذا فإنّ المجتمع المدني هو كذلك إلى تلاشيها في نهاية الصراع عند خلق المجتمع الشيوعي المتجانس، مما يؤدي إلى زوال الحاجة إلى المجتمع المدني مع اندثار الدولة"، والرابعة، المرحلة الغرامشية، أما المرحلة الخامسة فهي، الموجة الثالثة للديموقراطية. ولعل المرحلة الرابعة المرتبطة بغرامشي هي التي حددت المفهوم واعطته القيمة التي يتمتع بها الأن، "ففي منظور المفكر الإيطالي الماركسي أنطونيو غرامشي، يكون "المجتمع المدني هو المجال الذّي تتجلى فيه وظيفة الهيمنة الاجتماعية مقابل المجتمع السياسي أو الدولة الذّي تتجلى فيه وتتحقق وظيفة السيطرة أو القيادة المباشرة، ولأنّ الهيمنة مرتبطة بالإيديولوجية فإنّ المثقفين هم أداتها، ومن هنا جاءت حاجة غرامشي لإعادة تعريف المثقف وتحليل دوره والرهان الكبير الذّي وضعه عليه في التحويل الاجتماعي، لكن المراهنة على المجتمع المدني لم تلغ عند غرامشي دور الدولة ولا أهمية السيطرة عليها، فالعمل في إطار المجتمع المدني هو جزء من العمل في إطار الدولة وسياسة التحويل في المجتمع والدولة، لذلك لا قيمة للمثقف عند غرامشي ولا ضمان لفاعليته إلاّ إذا كان عضوياً، أي إذا ارتبط بمشروع طبقة سياسي، تماماً كما أنّ الهيمنة لا قيمة لها إلا كجزء أو مستوى من مستويات العمل لتحقيق السيطرة الاجتماعية". أما المرحلة الخامسة، "فهي الحركة التّي أطلق عليها صامويل هنتنغتون بالموجة الثالثة للديمقراطية، مشيراً إلى انتقال كثير من الدول والمجتمعات في حركة تحولية سريعة من نُظم حكم سلطوية أو ذات حزب واحد إلى نظم حكم تقوم على التعددية الحزبية والسياسية وقد رأى هنتنغتون أنّه ما كان لهذا التحوّل الديمقراطي أن يتّم بنجاح لولا منظمات المجتمع المدني، فهي التّي قامت بتدعيم الديمقراطية وجعلها غير قابلة للانكفاء أو الارتداد."
هذه التعريفات جمعناها من الموسوعة السياسية: https://political-encyclopedia.org/dictionary/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%B5%D9%8A%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%20%D9%84%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A بتاريخ 14/06/2022.
[3] جون كين، حياة الديمقراطية وموتها، ترجمة محمد العزيز، بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الصفحات 207- 208
[4]https://mawdoo3.com/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A 14/06/2022
[5] جون كين، مصدر سابق، الصفحات 211-214.
[6] نورالدين الزاهي، الزاوية والحزب الإسلام والسياسة في المجتمع المغربي، الدار البيضاء، أفريقيا الشرق، ص.07.
[7] محمد بن عبد الكبير الكتاني الذي كان يلقب ب "أبو الفيض"، (ولد في ربيع الأول 1290 هـ 1873م، فاس - 13 ربيع الثاني 1327 هـ 1909م، سلا) وكان فقيها ومفكرا إسلاميا وكذلك متصوفا وشاعرا من أهل فاس بالمغرب، وهو من أسس الطريقة الكتانية، وعارض الوجود الفرنسي في المغرب، وأنشأ جريدة الطاعون. كان ذا نفوذ سياسي كبير وأملأ شروطا على المولى عبد الحفيظ في عقد بيعة مدينة فاس له، فأعدم السلطان عبد الحفيظ الإمام الكتاني عام 1909. له تصانيف عدة و مؤلفات تزيد عن 300 كتاب طبع منها 27 مؤلفا في التصوف و الحقائق و الفقه و التفسير من بينها فهرس الفهارس. من كتبه: (اللمحات القدسية في متعلقات الروحا لكلية) و (المواقف الإلهية في التصورات المحمدية) و (حياة الأنبياء) ومجموعة (قصائد الكتاني – ط) و (الكمال المتلالي والاستدلالات العوالي – ط) و (لسان الحجة البرهانية، في الذب عن شعائر الطريقة الأحمدية الكتانية – ط) ينظر:- معجم الشيوخ لمؤلفه عبد الحفيظ الفاسي ص 42 و 43 وكذلك كتاب، الأعلام لخير الدين الزركلي جزء 6 ص 214 و 215.
[8] عبد الرحيم يرادة، إسبانيا والمنطقة الشمالية المغربية 1931-1956، الجزء الأول، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2006، الصفحات 109-110.
[9] محمد داوود، تاريخ تطوان، المجلد الأول، معهد مولاي الحسن ، تطوان، 1959، ص.56-57.
[10] محمد عزيمان، شهادة رقيق، في "أعمال ندوة التهامي الوزاني الكتابة- التصوف- التاريخ"، الرباط، منشورات اتحاد كتاب المغرب، 1989، ص.18.
[11] عبد الرحيم يرادة، إسبانيا والمنطقة الشمالية المغربية 1931-1956، الجزء الثاني، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 2006، ص.242-243.
[12] Noureddine EL- AOUFI, (DIR), La societé civile au maroc, signes du présent. Approches, SMER, RABAT, 1992, pag.97.