نورالدين البكراوي - باحث في العلاقات المغربية الإسبانية ونزاع الصحراء
2- مبادئ الدعاية السياسية الجزائرية
لا مندوحة عن الوقوف طويلا على الدور الذي تلعبه الدعاية في الحياة السياسية الجزائرية والمكانة التي تتبوؤها، فهي رأس الحربة التي يعتمد عليها النظام العسكري، وهي دون شك، القلب النابض للقوة الناعمة بجميع تلاوينها وتمظهراتها وأشكالها المختلفة. وقد أثبت التاريخ القديم والحديث، أن الفعل السياسي لم يكن ليحدث ولن يتحقق دون دعاية. إن البروباغاندا السياسية كما استعرضنا في المقالين السابقين: مدخل لدراسة الدعاية السياسية، والجزء الأول من هذا المقال طوبوغرافيا الدعاية السياسية الجزائرية، دفعنا ليس فقط إلى البحث في ثقلها السيميائي Semiotique والسيمانطيقي (الدلالي- Semantique) والوقوف على فهم عمليات بناء معناها، بل التأمل في البنيات Structures المشكلة لها والسياق المتحكم فيها، وكذا ما تفرزه هذه الأخيرة أثناء عملها من مفاهيم. وتعد المبادئ التالية -بعد المسح الطوبوغرافي الذي قمنا به- إحاطة لمساحة الدعاية السياسية للبلد الجار:
1)- مبدأ تسييس كل مناحي الحياة الجزائرية. فمثلا المباراة الأخيرة في كأس العرب المنظمة في قطر، والتي جرت بين المغرب والجزائر، وفاز بها منتخب هذا الأخير بصدفة الحظ فقط، كان منظوراً إليها في الدعاية السياسية الجزائرية على أنها معركة عسكرية ذات حمولة أيديولوجية ثقيلة، الانتصار فيها لازم من أجل صون شرف الدولة. فيما الحقيقة (إذا ما جردناها من محتواها الأيديولوجي) تبقيها مجرد مباراة رياضية عابرة كأُخريات، ليس أقل ولا أكثر. والحق أنّ هذا المثال البسيط يمكن أخذه - بلا أدنى مغالاة أو إسقاط عشوائي- مِقياساً يصلح تفصيله وتطبيقه على كل ما يجري بين المغرب والجزائر.
فعلى المستوى الرياضي، خرج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بعد انتصار المنتخب الجزائري على نظيره المغربي بضربات الترجيح عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، في 11 من ديسمبر، بتغريدة يقول فيها: " مليون ونصف مبروك يا أبطال" فلم اختار هذا الرقم بالضبط؟ أليس هذا العدد هو نفسه مجموع الشهداء الذي يقولون أنه استشهد في ثورة الجزائر؟ وما علاقة مباراة كرة القدم بالشهداء؟ إن هذا الحشو الغير مبرر لهو أكبر دليل على المتاجرة بالثورة وشهدائها. لعلنا، اليوم، من حقنا أن نتساءل لم وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية، لم تطرح للنقاش كيف أن كأس العرب التي فاز بها المنتخب الجزائري عن جدارة واستحقاق على المنتخب التونسي سلمت إلى الجنرال سعيد شنقريحة قبل عبد المجيد تبون؟ ونبقى دائما مع المنتخب الجزائري لكرة القدم وكيف يتم استغلاله سياسيا، حيث ما زالت كل إفريقيا تتحدث وهي تتذكر كيف كانت ردة فعل المنتخب الجزائري بعد عدم تأهله في تصفيات الملحق الإفريقي المؤهل إلى مونديال قطر 2022، وكيف لم يتقبل هزيمته على أرضه ضد المنتخب الكاميروني بنتيجة 1- 2 يوم 29 مارس 2022، ولا زال الكل يستحضر القيامة التي أقامتها وسائل الإعلام الجزائرية احتجاجا على الحكم الغامبي كاساما الذي اتهمته بالرشوة -من طرف المغرب ليطيح بالمنتخب الجزائري- على يد الممثل المغربي الكوميدي جمال الدبوز، ومطالبتها الكاف والفيفا بإعادة المباراة بل واقناع وتوهيم الشعب الجزائري -عبر خرجات إعلامية تبيع الوهم بتحليلات لا تخلو من عنتريات ونظريات المؤامرة- أن الدولة والدبلوماسية الجزائرية ستتدخل حتى تعاد المقابلة. كان الأمر محزنا ومؤلما للغاية للجماهير الجزائرية في سويسرا وهي تستقبل قرار الفيفا السلبي وأكثر إيلاما لكل أولئك الجزائريين الذين آمنوا بقوة قادتهم ووثقوا بوسائل إعلامهم منتظرين وحالمين في دولة قطر تنزيل علم الكاميرون وإعلاء مكانه علم الجزائر. آخر مثال شاهده واستنكره الجميع، هو ذاك الموقف البائخ والمثير للاشمئزاز الذي كان بطله محلل رياضي كروي جزائري في بلاطو تحليلي لقناة الكأس القطرية يوم الجمعة 17 ديسمبر، الخاص بتحليل مباريات كأس العرب، الجزائري حكيم سبع،الذي سبق له إحراج نفسه في نفس البرنامج، بادعاء كذبا أن جلبابا مغربيا أصيلا كان يرتديه، هو لباس تقليدي جزائري. أعاد كرته برعونة لا تخلو من غباء، وقام بعدها بأيام، -بالضبط- إثر تتويج المنتخب الجزائري بكأس العرب، بتوزيع أقمصة المنتخب الجزائري البطل على المحللين القطريين فقط، واستثنى بقية الموجودين العرب من ضمنهم المغربي أسامة بن عبد الله، بحجة أنها هدايا من الاتحاد الجزائري لكرة القدم، ولا دخل له بذلك.
أما على المستوي الاقتصادي، فقد فوتت الجزائر على نفسها فرصة ضخ ملايين الدولارات بعد قطعها يوم 29 أكتوبر 2021، خط أنابيب الغار الذي يربطها بإسبانيا والبرتغال عبر المغرب المعروف ب "المغرب العربي- أوروبا"، ظنا منها أنها ستضغط على المغرب. فتبين مع الوقت، وخصوصا مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة، أنها لعبت بالنار وحرقت نفسها. والآن صارت تعلم أن إدخال أمور السياسة بالاقتصاد كلفها خسارة الحليف الإسباني وشراكته الاقتصادية وثقة الأوروبيين والعرب والصينيين وغيرهم الذين تيقنوا أن النظام العسكري غير موثوق فيه كما سنراه لاحقا.
إن الدعاية الجزائرية تسيس كل المجالات، وهي موغلة في العداء للمغرب لدرجة ذكره في خطب الجمعة، والملاعب وأغاني الراب... بل وصل بها الحال إلى محو عاصمة المغرب من الخريطة في نشرة الأخبار الجوية، ونعت مدينة العيون المغربية "بالمحتلة". ليس هذا فقط، بل تعداه الأمر في وسائل الإعلام الجزائرية إلى التفاخر والمزايدة بين أشباه الإعلاميين الجزائريين من منهم أكثر عداء للمغرب.
2)-مبدأ الإسقاط بالمماثلة. اتهام الشخص أو النظام أو الدولة المنافسة بنفس أخطائك أو عيوبك، والرد على الخصم تحت شعار: الهجوم بالهجوم. والتشبث بحكمة "إذا كنت لا تستطيع إنكار الأخبار السيئة، اختلق أخبارًا أخرى لتشتيت انتباهها". نجد دائما وسائل الإعلام الجزائرية تصف المغرب ببلاد البؤس والشر والفقر والبطالة، لكن الحقيقة أن الجزائر هي بلد الطوابير بامتياز وبينها وبين ثورة الجياع مسألة وقت جد قصير. مؤخرا تم الترويج على أن المظاهرات التي قام بها بعض المئات وربما الآلاف من الشباب المغربي الرافض لتسقيف السن في 30 سنة لولوج سلك التدريس على أنه حراك شعبي لإسقاط النظام، وكذلك فعلوا مع المغاربة الذين استنكروا التطبيع مع إسرائيل. ونفس الأمر يتكرر إلى الآن في محاولات لزرع فكرة أن المغرب يعيش أزمات داخلية حادة ستمضي به إلى الغضب الشعبي المرتقب المفضي إلى الثورة، ففي يوم 30 ماي 2022، جاء مقال في وكالة الأنباء الجزائرية بعنوان: " يجب أن يعي المغاربة أن العد العكسي لانهيار المملكة قد بدأ"، يربط نهاية وفناء المملكة المغربية التي لها 12 قرنا بالتطبيع مع إسرائيل. إن استخدام الإسقاط بالمماثلة هنا بين دولتين يجمعهما أكثر مما يفرقهما أمر جائز ومقبول، لكن في حالتنا هاته، لا قياس مع وجود الفارق، فالنظام العسكري المتغطرس غرضه إسقاط ذاته المريضة وسلوكاته الشاذة على ذات الغير المغربية المتزنة والمسالمة، في محاولة عبثية من الذات الجزائرية إقناع نفسها عنوة بالكذب والتدليس والتلفيق على أنها ذاتا تشبه الذات المغربية، بل وتعتقد بأنها أفضل حال منها، وبهذا الميكانيزم السيكولوجي- الذي يعتبر المغرب ذاتا وموضوعا في آن- الذي يتم تمريره بواسطة وسائل الإعلام يُمَكن للنظام العسكري الجزائري نشر حالة الرضى والصبر بين كافة صفوف الشعب الجزائري المتواجد على فوهة بركان منذ زمن بعيد.
ومن بين المواضيع الساخنة التي تتداولها بكثرة العصابة الجزائرية في اتهامها للمغرب والتي تتحجج بها لغلق الحدود وإقناع المجتمع الدولي قبل الجزائري، نجد قضية تهريب المخدرات. الكل تابع قضية المتهم الجزائري كمال الشيخي، المعروف ب "البوشي" وشقيقه ناصر، ومتورطين آخرين كرئيس بلدية بن عكنون، كمال بوعرابة، ونجل والي (محافظ) مدينة غليزان السابق، جمال الدين لمهل، وعلي بن زهرة، سائق عائلة عبد الغني هامل مدير الأمن العام الأسبق. الجميع اعتقلوا بتهم ثقيلة بتاريخ 8 يونيو لسنة 2018، متعلقة باستيراد 7 قناطير من مادة الكوكايين في إطار جماعة إجرامية منظمة وتبييض الأموال والرشاوي والامتيازات العقارية. لكن الفضيحة هنا ليست العقوبات الهزيلة التي جاءت في حقهم بعد الحكم الابتدائي بثماني سنوات، أو التخفيض إلى نصف المدة في العقوبة السجنية بعد سنتين من التحقيق، بل أم الكوارث كما جاء في مقال منشور بالقدس العربي، بتاريخ 15 يونيو 2020، تتجلى – تبعاً له- في أنّ «القضاء لم يفتح الملف الرئيسي للقضية، وهو شحنة الكوكايين التي تعتبر الأكبر فيما عرفته الجزائر من عمليات التهريب». واليوم بدأت تظهر على السطح أمارات تورط الرئيس تبون وزوجته وابنه الذي حُبِس أصلا في سجن الحراش، بتهمة التجارة في الكوكايين في نفس القضية. هذا دون التطرق إلى فظائع وفواحش أبناء الجنرالات في مراكز الراحة العسكرية المحيطة بالجزائر العاصمة، وحتى تلك التي تحدث في الثكنات العسكرية كما جاء في فيديو مأخوذ عن قناة أنور مالك، بتاريخ 09، ديسمبر،2021. عطفا على ما سبق، وفي خبر عاجل يعتبر قنبلة الموسم وفضيحة كبرى للنظام العسكري، خرج تسريب ثلاثة مقاطع فيديو انتشر في اليوتيوب كالنار في الهشيم، الأول والثاني في يوم 10 يناير 2022 والثالث يوم 13 يناير 2022، لقرميط بونويرة السكرتير الخاص السابق لقائد الأركان الجزائري الراحل القايد صالح (الذي كان فارا في تركيا وتمت تسليمه للجزائر وحكم مؤخرا بالإعدام بسرعة لم تحدث في قضاء أي دولة في العالم حتى الأكثر ديكتاتورية في التاريخ) من داخل أكثر وأقوى السجون العسكرية الجزائرية أمنا وحراسة، حيث يقبع فيه جنرالات من الوزن الثقيل جدا،- الشيئ الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول من ساعده في ذلك، ومن هو المستفيد؟ ولم جاء في هذا التوقيت بالضبط؟وهل لصراع الجنرالات حول السلطة دور في ذلك؟- يتعلق الأمر بسجن البليدة، ويصرح فيه بفساد رئيس الأركان الحالي والرجل الأقوى في المؤسسة العسكرية سعيد شنقريحة بترأسه مافيا بارونات تهريب المخدرات، وتورطه، إلى جانب جنرالات آخرين في بيع السلاح والمتاجرة بقضايا الإرهاب. هذا الخبر الصادم لم يتم ولو بالتلميح أو بالإشارة إليه من بعيد، أو بشكل غير مباشر في وسائل الإعلام الجزائرية وكأنه لا حدث. وفي النهاية نسمع ونشاهد أن سبب غلق الحدود مع المغرب هي المخدرات، لكن الحقيقة أن الجنرالات تخاف على توقف أعمالها وتجارتها التي تجني منها المليارات، وتهلع من حقيقة أن يعلم الجزائريين بالملموس وعلى أرض الواقع تطور وتقدم ونهضة المغرب وزيف ما يروجون من أكاذيب إن هي سمحت بفتح الحدود.
ختاما، لا غرو أن الدعاية السياسية الجزائرية التي صنعت من حفنة من الناس كيانا وهميا كالبوليساريو، وابتلت العالم بدولة من سراب اسمها "الجمهورية العربية الديموقراطية الصحراوية" بدبلوماسية الهبات والشيكات، وترفض كل دعوة للتفاهم والوحدة، وتسعى جاهدة للحفاظ على الوضع الراهن المتأزم الذي يساعد ويشجع استمرار النظام العسكري الطاغي، لأمر يستدعي منا البحث والدراسة في آليات اشتغالها والعمل على تتبع شراييين تغذيتها والتقعيد والتأصيل لمبادئها التي اشتغلنا على اثنين منها في هذا المقال، وتبقى منها الكثير سنستعرضها جميعها -بمشيئة الرحمن- قريبا في مقالات قادمة على موقعكم باب المغاربة، فكونوا في الموعد.