ياسين الحراق - شاعر وباحث في التاريخ
ينتمي المغني "محسن نامجو"، إلى محافظة "خراسان" الواقعة شمال شرق إيران وتحديدا إلى بلدة صغيرة تعرف باسم "تربت جام" على مشارف الحدود الأفغانية وهي واحدة من المحافظات المميزة بالبعد التاريخي، المصنفة ضمن بؤر الشعر والموسيقى بإيران.
بدأ محسن نامجو مسيرته الفنية على مستوى الأداء الصوتي باكرا عام 1993، باعتبار تاريخ ميلاده يعود إلى سنة 1975، إلا أنه تأخر كثيرا في إصدار أول ألبوماته بسبب الرقابة، فلم تتح له تجربة الإصدار إلا سنة 2005 وكان ذلك بشكل غير رسمي عن طريق التهريب عبر ألبوم "Damavand".
وقد استطاع الفنان الإيراني، أن يقدم موسيقى مختلفة بعيدة عن الموجات الكروانية التي تطبع الأغاني الفارسية؛ حيث يقدم نامجو موسيقى تستقي مادتها الإبداعية من المزج السلس بين الموسيقى الفارسية الكلاسيكية، وتقنيات البلوز والروك الصوتية.
ورغم قدم هذه التقنية، إلا أنها جعلت أسلوب نامجو الموسيقي فريدا من نوعه بمزجه السهل بين موسيقى الشرق وموسيقى العم سام. كما لا يكتفي بذلك، إذ يمتد هذا المزج نحو الكلمات؛ فيختلط الشعر الفارسي القديم بالشعر الفارسي الحديث، ثم ينكه هذه الخلطة السحرية بكلمات من انتقائه. وغالبا ما تمتح من السخرية السوداء والمفارقة إلى حد إقحام النصوص القرآنية أحيانا في بعض أغانيه كتعبير عن وضع معاش لا يمت بصلة إلى الواقعي. ويبدو أن هذه الرؤية الفنية قد ولدت من رحم ثقافته التي ترجع إلى سنوات اشتغاله بين أهل المسرح والسينما والموسيقى خلال فترة التسعينيات، وهو أمر مثير للاهتمام بسبب تباين تراكيبه وغياب الحواجز الفنية بين عناصرها. كما يعتبر أيضًا نوعًا من التغيير والتحول ويوفر مساحة كبيرة للابتكار. وبالتالي فهو يمثل في الوقت نفسه انقلابا على الظروف الاقتصادية لسوق الموسيقى السائدة خلال التسعينيات.
إن هذا التنوع الموسيقي، جعل محسن نامجو يقدم كشخصية مختلفة تستوحي أفكارها الإبداعية من التفكير الحداثي والمثالي، ومكنه من الوصول إلى الهوامش والتعريف بنتاجه الفني بشكل سريع، وهكذا نزع إلى قدر كبير من الشعبية بين المستمعين في المجتمع الإيراني، وتحديدا لدى فئة الشباب المتحرر والنخبة المثقفة التي ساهمت في مضاعفة شعبيته يوما بعد يوم، ما أفضى به في النهاية إلى رحيله وهجرته خارج موطنه خاصة بعد تزايد نشاطه السياسي المناوئ للنظام الإيراني المحافظ منذ انتخابات 1988. فاختار الاستقرار في النمسا خلال بداية الألفية الثانية، ثم الولايات المتحدة الأمريكية بدءا من سنة 2009.
و يبدو أن انتصار محسن نامجو للأسلوب الموسيقي الحر موازاة مع مواقفه السياسية اللاذعة، جعله شخصية مزعجة لنظام إيران السياسي، ومن ثمة واجه عدة أحكام بالسجن لينتهي به المآل مغتربا خارج بقاع فارس الواسعة.
ومع ذلك، ظل أسلوب التضييق يلاحق محسن نامجو حتى خارج إيران بعد أن فرضت الأغلبية المسلمة في ماليزيا حظرا على المغنى الإيراني حيث كان مقررا أن يؤدي حفلا موسيقيا في "كوالالمبور" لأنه يستخدم على نحو غير لائق آيات من القرآن في أغنياته. وللسبب نفسه صدر في حقه حكما غيابيا بالسجن خمس سنوات في إيران.
ويواصل محسن نامجو اليوم، اقتراف الجمال عبر النضال الموسيقي المستمر بعد تعاقب ألبوماته الغنائية بشكل متزايد أهمها ألبوميه الأخيرين (Symphonic Odyssey 2020، Ba Sad Hezar 2021) الذين حققا نجاحا كبيرا ما جعل صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تمنحه لقب "بوب ديلان الإيراني". بينما اعتبرته صحيفة "الجارديان" البريطانية بكونه "شخصية مميزة في موسيقى العالم المعاصر".
وهكذا فسح الفن لمحسن نامجو، العنان ليغني مجموع أغانيه في مختلف القاعات العالمية، حتى تجاوز عدد حفلاته 200 مترددا على أشهر قاعات الغناء العالمية أبرزها:
قصر الفنون الجميلة بسان فرانسيسكو/ Palace of Fine Arts, San Francisco، المعهد الموسيقي سالا فيردي، ميلان، إيطاليا/ Conservatorio Sala Verdi, Milan, Ital، ديزني هول ومنتدى مارك تابر، لوس أنجلوس/Disney Hall and Mark Taper Forum, Los Angeles، لندن، باربيكان هول/ Barbican Hall, London، فولكس فاجن أرينا، اسطنبول/ Volkswagen Arena Istanbu.
وإلى جانب الموسيقى، يعمل نامجو اليوم أستاذا محاضرا في عدة جامعات دولية، ما ساعده على تتويج اهتمامه المعرفي بمجموعة من الإصدارات الأكاديمية، منها مؤلفه غير المترجم حتى الآن: "السياسة والثقافة في إيران المعاصرة: تحدي الوضع الراهن"، فضلا عن انفتاحه على ضروب فنية مختلفة كالتمثيل الذي حصل من خلاله على عدة جوائز أبرزها، جائزة أفضل ممثل في مهرجان "ديربان" السينمائي الدولي بجنوب إفريقيا سنة 2016. كما ساهم دوره المميز في الفيلم الروائي "بضعة كيلوغرامات من التمر لجنازة" للمخرج "سامان سالور" في التتويج بجائزة مهرجان "لوكارنو وادنبره" Locarno and Edinburgh السينمائي عام 2006. وهو تنوع ينذر برحلة إنسانية استثنائية وصاخبة تجسد الدموع والابتسامات والمصاعب، وسهولة حياة المهاجرين في أي مكان من العالم.