JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


الصفحة الرئيسية

آثار النشاط السياحي على سبخة إيمليلي بجهة الداخلة وادي الذهب

 





د.سعيد ميراري - باحث في التنمية المستدامة





يعتبر القطاع السياحي أحد العوامل المهمة للنمو الاقتصادي، وغالبًا ما يسير جنبًا إلى جنب مع قطاعات أخرى عبر شراكات أكثر ديناميكية، مما يساهم في إغناء الوجهة السياحية المستقبلة عبر تدفقات العملات الأجنبية، وكذا تنامي قطاع الخدمات والتجارة والصناعات الاستهلاكية الخفيفة ووسائل النقل واللوجستيك، خصوصا وأنه مع انخفاض تكلفة النقل الجوي أصبحت الوجهات السياحية الصغرى أكثر جذب وتنافسية.


      ووفقًا لمجلة Vivez Nature [1]، فإنه في عام 1950 كان هناك 25 مليون سائح سنويًا، وارتفع هذا العدد إلى أكثر من 800 مليون بحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كما تضاعفت الأرقام بأكثر من ثلاثة أضعاف لتصل إلى 1.442 مليار قبيل جائحة كورونا، هذا وتتوقع المنظمة العالمية للسياحة World Tourism Organization (UNWTO) انتعاش القطاع بحلول عام 2030 والوصول إلى 1.8 مليار سائح[2].

       أما على صعيد الدول الحديثة في مجال الصناعة السياحية، يعد المغرب من الأقطاب السياحية المهمة بشمال إفريقيا والدول العربية، حيث يعمل على منافسة البلدان السياحية بالحوض المتوسطي لما يمتلكه من مميزات سياحية مهمة ومنها: الموقع الجغرافي، والموارد الطبيعية المتنوعة، بالإضافة إلى زخم التراث الوطني المتعدد والغني[3]. كما يعتبر القطاع السياحي بجهات المغرب عامة، وجهة الداخلة وادي الذهب على وجه الخصوص، من أبرز الأنشطة الاقتصادية المدرة للدخل والمساهمة في الناتج الداخلي الخام، وذلك راجع للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع ودور الإعلام والتسويق السياحي الذي ساهم في إبراز العرض السياحي وإرضاء الطلب المتزايد لقضاء إجازة سياحية بالمنطقة[4].


     هذا، ويعد السفر إلى جهة وادي الذهب وخاصة إلى سبخة ايمليلي تجربة جميلة ولها طعم خاص، إذ تسمح باكتشاف سياحة إيكولوجية من نوع نادر وعيش مغامرات جديدة وتذوق أنواع مختلفة من الطعام الساحلي والصحراوي. ولكن على النقيض من ذلك، يلاحظ انتعاش الصناعة السياحية بالمنطقة على حساب البيئة والنظام الإيكولوجي المحلي، والناتج عن سوء تدبير المجال والتأثير السلبي للأنشطة السياحية الغير مسؤولة التي من الممكن أن تغرق الموارد الطبيعية في المحنة والانقراض[5]. ومنه، إذا كانت جهة الداخلة وادي الذهب، وسبخة إيمليلي خاصة، ستستفيد من الصناعة السياحية، فماذا عن بيئتها؟

    قبل أن نجيب عن الإشكال سالف الذكر أعلاه، فإنه ينبغي الإشارة إلى أن جهة وادي الذهب تنتمي إلى المناطق الصحراوية[6]، بصرف النظر عن الشريط الساحلي الطويل الذي تتوفر عليه، حيث أن التأثيرات الصحراوية ملموسة على نطاق واسع، وهنا نجد المناظر الطبيعية والتي تخترقها تأثيرات المحيط الأطلسي. هذا الخط الساحلي الرملي تحده منحدرات عالية وتلال تشهد تنوعا في المناظر الطبيعية وتعزل شبه جزيرة الداخلة إلى خليج طويل محمي من تضخم المحيط، وهي منطقة رئيسية لهجرة الآلاف من الطيور المهاجرة[7].

    علاوة على ذلك، تمتاز سبخة إيمليلي، باعتبارها إحدى أشهر الأراضي الرطبة في المغرب، بمساحة بيئية فريدة تعكس تمامًا ثراء منطقة الداخلة وادي الذهب وتنوعها الطبيعي، حيث تعد موقعا ذو أهمية إيكولوجية وبيولوجية[8] نظرا لقيمته كفضاء صحراوي متفرد، مما يؤهله لأن يصبح كأحد الركائز الأساسية للتنمية المستدامة في هذا الجزء من الأقاليم الجنوبية.

    ففيما يتعلق بموقع السبخة ومساحتها فإنها تتمركز على مساحة إجمالية تبلغ 20 كيلومتر مربع، بطول 13 كيلومتر وعرض 2,5 كيلومتر، مع عمق يتراوح بين 0,4 و0,6 مترًا وملوحة تتراوح من 24 إلى 350 جرامًا/لترًا [9]، إذ يقع هذا الموقع على بعد 130 كم جنوب شرق مدينة الداخلة، لؤلؤة الجنوب، ويوفر مساحة رائعة وخلابة تتيح للزوار اكتشاف أكثر من مئة جيب من المياه الدائمة التي أعطت هذا المكان تفرده كواحد من المناطق الصحراوية الرطبة في جميع أنحاء العالم[10].

    هذا، ويوجد في الجزء الشمالي من السبخة حوالي 160 جيبا من المياه الدائمة [11]، حيث أنها لا تعاني من الجفاف وتحافظ بشكل مستدام على نفس كميات المياه رغم مناخها الصحراوي القاسي، إذ لا يتجاوز هطول الأمطار 30 ملم في السنة. كما أن السبخة غنية بأنواع الأسماك بما في ذلك Tilapia de Guinée (Tilapia Guineensis) الموجودة في غرب إفريقيا جنوب نهر السنغال[12]، بحيث تعيش هذه الأسماك في عزلة داخل الجيوب التي تشكل السبخة، والتي تسمح لهذه الكائنات الحية بتغيير اللون والشكل والحجم لتتكيف بشكل أفضل مع خصوصيات هذه البيئة الطبيعية (الملوحة العالية ودرجة الحرارة العالية)، كما أن هناك جيوب أخرى بدون أسماك هي موطن لأنواع أخرى من النباتات والحيوانات بما في ذلك القشريات والزواحف والثدييات والطيور[13].

    فضلا عن ذلك، فقد عرف القطاع السياحي بجهة الداخلة وادي الذهب في السنين الأخيرة دينامية إيجابية ومكاسب مهمة خلال السنوات الأخيرة، إذ تضاعف أربع مرات عدد الوافدين على المؤسسات السياحية خلال الفترة 2011-2019، مع تزايد ملحوظ للسياح الأوروبيين بأكثر من 50 في المائة، وارتفاع جودة الاستثمارات السياحية بأكثر من 46 في المائة فيما يخص الخدمات ذات تصنيف 4 نجوم ونوادي الفنادق. دائما حسب وزارة السياحة فقد انتقل عدد ليالي المبيت في الفنادق المصنفة من 44 ألف متم شهر شتنبر 2020 إلى ما يقارب 90 ألف سرير خلال الفترة نفسها من سنة 2021، أي بزيادة ناهزت 101 في المائة، كما استقبل مطار الداخلة 5926 سائح خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2021، مقابل 4207 سائح خلال الفترة نفسها من سنة [14]2020.

    ولكن في الجهة المقابلة، يشعر العديد من المستثمرين والمنظمات البيئية وحتى المهتمين التنمويين بالقلق إزاء التزايد المتسارع في الأنشطة السياحية والتدفق الكبير لوثيرة السياح (Capacité de charge)، وما يترتب عنه من الممارسات الغير معقلنة كالتلوث والضجيج والاستخدام المفرط للموارد الطبيعية.

  وفي نفس السياق، تؤدي السياحية الكمية (Tourisme de masse) إلى استنفاد الموارد الطبيعية الحيوية، وخصوصا الموارد المائية إذا أخدنا بعين الاعتبار وقع الندرة في الماء التي تعيشها المنطقة. كما أنه يمكن للسياحة الكمية أن تضع ضغطًا هائلاً على الموارد المحلية مثل الطاقة، والغذاء، والمواد الخام الأخرى كالمعادن، والموارد البحرية، والأراضي الرطبة، والحياة البرية (Arrière-pays)، وعلى المناظر الطبيعية الخلابة.

   وبذلك، سيؤدي تزايد الأنشطة السياحية الكمية بالمنطقة إلى تدمير النظام الإيكولوجي بها وتغييره، بل وحتى تدمير تلك المنطقة الجغرافية المجاورة لها (Géo-système)، وهي مناطق انتقالية مصنفة حسب النظم الإيكولوجية من المواقع النادرة والمهددة بالانقراض. كما أن هناك مشكل تلوث الهواء والضوضاء بسبب وسائل النقل والبناء داخل المنطقة ذات الاستخدام العالي للأنشطة السياحية ومنطقة الجذب الطبيعية. إضافة إلى ذلك، يمثل التخلص من النفايات وتلوث مياه الصرف الصحي مشكلة خطيرة وسببا رئيسيًا لتدهور البيئة الطبيعية والفرشة المائية بالسبخة وتضرر المناطق المجاورة ذات المناظر الخلابة عبر تشييد الإقامات السياحية والمرافق الترفيهية.

   ومن جهة أخرى، تؤدي الممارسة الغير أخلاقية للسياح إلى تدمير المعالم التاريخية أو المواقع الطبيعية ولو عن طريق الصدفة، وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة قيام بعض السياح بوضع الأرجل داخل الجيوب المائية كنوع من العلاجات الطبيعية أو السياحة الاستشفائية) على ضوء بعض فقرات الإشهار لقنوات الإعلام والتسويق (لبعض الأمراض والقشريات، وهي ممارسة خطيرة قد تؤدي إلى تدهور النظام الإيكولوجي بشكل تام والتسبب بأضرار لا يمكن إصلاحها.

   تأسيسا على ما سبق، فسيكون من الضروري وضع "استراتيجية خاصة للوجهة السياحية سبخة ايمليلي" ترتكز على مقاربة ترابية مبنية على المشاركة والشراكة، وتمكن من توسيع نطاق الشبكة الوطنية للمناطق المحمية من أجل التوفيق بين حفظ التنوع البيولوجي واستعمال المجال بطريقة مستدامة. وينتج عن الاعتماد على تصور شمولي مرتبط بالواقع الميداني والخضوع إلى مقاربة تشاركية بمساهمة الجمعيات والمنظمات البيئية، وكذا المستثمرين بالقطاع السياحي، ينتج عنه تحديد العلاقات التعاقدية وتقاسم المسؤوليات بهدف استغلال للموارد الطبيعية بشكل مستدام.

   وفي الأخير، فإننا نؤكد على أنه يجب أن تحرص هذه الاستراتيجية على تشجيع التكوين في ميدان السياحة المستدامة ودعم عمليات البحث والتطوير التي تلائم خصوصيات مختلف المجالات البيئية مع التركيز على استدامة الموارد والمحافظة على التنوع البيولوجي من مستلزمات مواجهة التحديات والتهديدات المرتبطة بالتغيرات المناخية والنشاط البشري، فسبخة إيمليلي معرضة بشكل كبير لهذه المخاطر وآثارها، لاسيما من حيث الضغوط القوية على مواردها المائية واضطراب كل من الأسس والمنظومة الإيكولوجية، وبالتالي فإن رهان الاستدامة يكرس المسؤولية الجماعية إزاء الرأسمال الطبيعي والمناخ، كخيرات جماعية تجاه الأجيال القادمة.



المراجع



[1] Dumazier, J. (1962). Vers une civilisation du loisir ? Paris, Seuil.


[2] World Tourism Organization (UNWTO) (2011). Tourism towards 2030. Global Overview PR No.: PR11079.


[3] يوب الشيكر وأ خبلدي زوليخة، (2021). واقع السياحة في المغرب وآليات تطويرها. مجلة معارف للعلوم السياسية والاقتصادية. ISSN 2716-8069 / EISSN 2773-2738. المجلد: 20 العدد: 20 ص-ص 20-1


[4] African Development Bank, European Bank for Reconstruction and Development, and European Investment Bank (2021). PRIVATE SECTOR DEVELOPMENT IN MOROCCO. Challenges & opportunities in times of Covid - 19. This report was produced by staff from the African Development Bank, the European Bank for Reconstruction and Development, and the European Investment Bank.


[5] Sunlu U. (2003). Environmental impacts of tourism. In : Camarda D . (ed.), Grassin i L. (ed.). Local resources and global trades: Environments and agriculture in the Mediterranean region. Bari : CIHEAM, p. 2 63-2 7 0


[6] Louizi H, Agnèse J-F, Berrada Rkhami O, Bitja Nyom A, Benhoussa A, Qninba A, Pariselle A (2020) Différenciation morphologique de deux populations de Coptodon guineensis (Teleostei, Cichliformes: Cichlidae) du Maroc. In: Qninba A, Semlali ML, Pariselle A, Himmi O (Eds.) Sebkhat Imlili (Région Dakhla-Oued Eddahab) une zone humide saharienne relique. AZ editions, Rabat,


[7] Qninba A, Ibn Tattou M, Radi M (2009) Sebkhet Imlily, une zone humide originale dans le Sud marocain. Bulletin de l’Institut Scientifique, Rabat, Section Science de La Vie 31 (1): 51–55.


[8] Louizi H, Agnèse J-F, Bitja Nyom A, De Buron I, Berrada Rkhami O, Benhoussa A, Qninba A, Pariselle A (2019) The distribution and systematic status of cichlid fishes (Teleostei , Cichliformes : Cichlidae ) from Morocco. 2019. Vie et milieu – Life and Environment 69 (2–3): 95–106.



[9] Sofia Hakdaoui , Anas Emran , Biswajeet Pradhan, Abdeljebbar Qninba, Taoufik El Balla, Alfred Homère Ngandam Mfondoum, Chang-Wook Lee and Abdullah M. Alamri (2020). Assessing the Changes in the Moisture/Dryness of Water Cavity Surfaces in Imlili Sebkha in Southwestern Morocco by Using Machine Learning Classification in Google Earth Engine. Remote Sens. 2020, 12, 131; doi:10.3390/rs12010131


[10] Qninba, A. El Agbani, M.A. Maroc Sebkhat Imlili. FDR pour le Site n 2323, Sebkhat Imlili, Maroc.2018. Available online: https://rsis.ramsar.org/ris/2323 (accessed on 1 October 2019).


[11] Mohamed Dakki, Bouchta El Fellah & Abdeljebbar Qninba (2020). Rivers’ natural reservoirs: new inputs to the classification of Mediterranean and Saharan wetlands. Bulletin de l’Institut Scientifique, Rabat, Section Science de la vie, n° 42, 1-14.


[12] Bennas, N.; Himmi, O.; Benamar, L.; L’Mohdi, O. Première données sur les coléoptères et les hémiptères aquatiques de la Sebkha d’Imlili (Région Dakhla-Oued ed Dahab, Sud-Ouest du Maroc). Boletín Sociedad Entomológica Aragonesa (SEA) 2016, 59, 117–126.


[13] Qninba A., Yahyaoui A., Himmi O., Dakki M. & El Agbani M.A. 2009. Découverte éventuelle d’une nouvelle espèce de Tilapie Tilapia guineensis (Bleeker, 1862) au Maroc. Actes du IVième Congrès National de l’Association Marocaine de Limnologie «Ressources en Eau: Valeurs et Usages». Inst. Sci. Rabat. 26-27



[14]Office National Marocain du Tourisme (2022). Flash COVID-19. En savoir plus sur l’épidémie de COVID 19 c’est avoir plus de chances de lutter contre cette menace.



آثار النشاط السياحي على سبخة إيمليلي بجهة الداخلة وادي الذهب

نورالدين البكراوي

تعليقات
    الاسمبريد إلكترونيرسالة