سهام السياعلي - باحثة في علوم الصحة
ارتبط استعمال موانع الحمل بالنساء، باعتبارها من الأمور القليلة جدا التي مازالت تخضع لسيطرة المرأة. وبالمقابل، تعد مسألة اختيار عدم الإنجاب قضية شائكة ومقلقة بالنسبة للرجال، حيث ينحو الحل غالبا نحو اختيار طريقتين: تقوم الأولى على توظيف الواقي الذكري، بينما تقوم الطريقة الثانية على توظيف التدخل الجراحي بقطع القناة الدافقة التي تعتبر (أحد الطرق الشائعة لتعقيم الرجل) تجرى بتقليل الأنابيب التي تحمل الحيوانات المنوية وغلقها. وتعد حلا فعالا جدا، إلا أنها لا ينفع معها ندم اذا ما تم العدول عن هذا القرار بعد ذلك، حيث يكون من الصعب تأهيل القناة الدافقة مرة أخرى، كما أن هناك خطر الفشل في نجاح العملية. وغير هذه الطريقة وتلك، توجد أخريات يتم اللجوء فيها إلى تقنيات باهضة الثمن كالإخصاب المخبري التي لا تخلو من مخاطر.
وتبعا لما سبق، نضع أرضية للنقاش عبر الأسئلة التالية: في إطار اتباع الحل الأكثر أمانا، هل بإمكان الرجال استعمال حبوب منع الحمل كوسيلة لتنظيم النسل، خاصة، إذا ما نظرنا إلى المسألة باعتبارها شكلا من أشكال التكافؤ بين الجنسين؟. وهل فعلا يحتاجها الرجال؟ وكيف ستستقبل المرأة هذا الخبر؟
تعرف منظمة الصحة العالمية وسائل منع الحمل على أنها استخدام لعوامل، أو أجهزة أو طرق أو إجراءات لتقليل عملية الحمل أو تجنبه. فحبوب منع الحمل مثلا، ومنذ ظهورها في الستينيات القرن الماضي، وهي الوسيلة الأكثر استعمالا. ففي فرنسا تستخدم حبوب منع الحمل حوالي 55,5% من النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و 49 سنة بما في ذلك 70,8% ممن تقل أعمارهن عن 35 سنة وفقا لمقياس الصحة بالمعهد الوطني للوقاية والتثقيف الصحي.
وقد أفضت الدراسات الحديثة إلى تحقيق التوازن في اختيار حبوب منع الحمل لكل من المرأة والرجل لتكون بذلك خطوة مهمة فسحت المجال نحو توسيع خيارات تحديد النسل، حيث تمكن مجموعة من العلماء من تطوير أقراص منع الحمل خاصة بالرجال بدل النساء. وتصل نسبة فعاليتها إلى 99 % عند تجربتها على الفئران.
كما بينت التجربة فعاليتها عند توقف الفئران عن استعمال المادة الفعالة (واي سي تي 529) لمدة تتاروح ما بين أربع إلى ست أسابيع حيث تعود الفئران إلى طبيعتها الجنسية الاعتيادية دون التسبب في آثار أو أعراض جانبية ظاهرة.
وذكرت صحيفة《 لوفيغارو》التي كان لها سبق الخبر، أن الباحثين بإمكانهم إجراء تجارب سريرية لهذه الحبوب على البشر خلال النصف الثاني من عام 2022. ويبدو أن العمل على صنع موانع حمل للرجال ليس حدثا طارئا؛ فقد أورد محمد عبد الله النعمان - طالب ماجستير في جامعة مينيسوتا الامريكية وأحد المشاركين في هذا المشروع - لوكالة فرنس برس: " إن البحث عن حبوب منع الحمل للرجال يعود إلى ستينيات القرن الماضي " وأردف النعمان " تظهر العديد من الدراسات أن الرجال مهتمون أيضا بمشاركة المسؤولية فيما يتعلق بوسائل منع الحمل بين الزوجين".
ولتطوير حبوب منع الحمل غير الهرمونية للرجال، استهدف الطالب محمد عبد الله النعمان الذي يعمل في مختبر البروفيسور غونداجورغ، بروتينًا اسمه مستقبل حمض الريتينويك آلفا.Retinoicacidreceptor Alpha RAR-Alpha.
في جسم الانسان يتحول فيتامين "إيه" إلى العديد من العناصر بما في ذلك حمض " الريتينويك " الذي يلعب دورًا مهمًا في نمو الخلايا وتكوين الحيوانات المنوية وتطور الأجنة. ويحتاج حمض الريتينويكالى إلى مستقبلات (حمض الريتينويك آلفا) للعمل.
وبالمقابل أظهرت التجارب، أن الفئران المحرومة من الجين الذي يشفر هذا المستقبل عقيمة. ومن أجل عمله، طور هذا المختبر مركبًا يمنع عمل مستقبل حمض الريتينويك ألفا، وقد استخدم الباحثون نموذجًا حاسوبيًا لتحديد أفضل بنية جزيئية ممكنة، كما تم تصميم مركب كيميائي يطلق عليه واي سي تي 529 ، للتفاعل فقط مع مستقبل حمض الريتينويك آلفا، لكن ليس مع مستقبلين آخرين مجاورين: هما مستقبل حمض الريتينويك بيتا ومستقبل حمض الريتينويك غاما للحد من الآثار الجانبية .
واختصارا لما ذكر، فان الهرمونات تساعد على إنتاج الحيوانات المنوية باستمرار في الخصيتين وأخذ واي سي تي 529 يوقف ذلك بشكل مؤقت دون خفض مستوى الهرمونات إلى الحد الذي يؤدي إلى ظهور أثار جانبية .
وانطلاقا مما سبق، يمكن القول، إن اجتياز حبوب منع الحمل الخاصة بالرجال لاختبارات السلامة الأولية حدثا علميا مميزا سيتيح للجنس الخشن التحكم بعملية الانجاب بنسبة تماثل تلك التي تتمتع بها المرأة، وهذا طبعا من شأنه ضمان اختيار الوقت المناسب لهكذا قرار مهم. لعل أكثر ما يفسد العلاقات الزوجية هو الإتيان بأطفال غير مرغوب فيهم لظروف اقتصادية أو صحية أو حتى نفسية أو لأسباب تتعلق بالانسجام بين الزوجين أو غياب التفاهم. اذا ما انطلقنا من فكرة أن الكثير من النساء يلدن لرغبتهم الفطرية في تحقيق حلم الأمومة، بغض النظر عن رغبة الزوج، أو يقررن الحمل بنية مبيتة مصدرها ربط الأزواج بأطفالهم فإن هذا العصر انتهى إلى غير رجعة. من الآن فصاعدا يستوجب قرار الانجاب جلسات طويلة من التفاوض حتى يقتنع الطرفان بذلك. فهل تكون هذه المستجدات ضامنة لحياة أفضل لمواليد المستقبل؟ وهل ستكون المرأة راضية عن هذا الوضع الجديد؟