ذ. الصادق عياد - باحث في التاريخ
مقدمــــــــــــة:
إن البحث في تاريخ الحركة الوطنية يكتسي أهمية كبرى خصوصا منه الدراسات التي تُبرز المعطيات على وجه التدقيق المتعلقة أساسا بالتفاصيل المبينة لروح العصر كالجوانب الاقتصادية والاجتماعية على اعتبار راهنيتها وتجددها المتواصل.
وأيضا فالجانبين الاقتصادي والاجتماعي هما من
ركائز العمل الوطني الذي مر من واقع المكاسب والإخفاقات، فالجانب الاقتصادي شكل
بنية من خلالها انطلق النضال لخلق واقع جديد ولو في ظل التواجد الاستعماري الذي
رفع شعارات التمدين وشعارات التقدم والتحضر، والجانب الاجتماعي أيضا كان من
تمظهرات عمل الحركة الوطنية سواء بالمنطقة الخليفية أو المنطقة السلطانية إذ عبره
كانت تُبلور جهود إنسانية وتنظيمية، وأخرى تمس الحياة الفردية للمواطنين، وعبره
خُلق التفاف وطني شعبي حول القضية الوطنية، وذلك أن الأنشطة الاجتماعية
والاقتصادية كانت بثقلها ضمن قانون التحدي بخلق واقع الثقافة والرقي ومحاربة كل
أشكال التخلف للسير مع منطوق الحماية الذي ينادي بتحقيق الازدهار، وتم نهج آليات
متنوعة لتحقيق أهداف مسطرة ضمن دائرة العمل الوطني المتأجج المستند لدينامية
عناصره.
والأسطوغرافيا
الوطنية تضمنت جوانب دراسية عديدة ومختلفة
لها أهميتها، وعلى اعتبار الراهنية والبحث المستمر كان من اللازم التطرق للجوانب
الاقتصادية والاجتماعية داخل نسق تاريخي مبين لمرحلة من مراحل النضال الذي كان
يتغيا نيل الحرية والاستقلال، وارتباطا بذلك فالحركة الوطنية في مختلف
مراحلها ومحطاتها النضالية كان الجانب الاقتصادي حاضرا بثقله على اعتبار أنه
من الملفات الضرورية التي كانت تحظى
بأهمية قصوى وذلك لأنه المحرك الأساس المؤثر بتجلياته على باقي القطاعات، ولإخراجه
إلى حيز الوجود كان من الحتمي الإجماع حول الأمر من طرف رواد العمل الوطني لصناعة
بوادر حدوث ثورة وإقلاع اقتصادي يؤدي إلى تحقيق الأهداف والغايات في شتى القطاعات
وتغيير واقع المنطقة، وبخلق بنية اقتصادية كان الجانب الاجتماعي يتأثر بدوره
بدينامية أو فتور القطاع الاقتصادي، والجانب الاجتماعي بدوره سيتطور ويكون
من ركائز العمل الوطني بالمنطقة الخليفية في بدايات الحركة الوطنية بمختلف هياكلها
ومحطاتها التي بلورت المطالب الشعبية في أكثر من مرحلة بالاستناد إلى بعد العلاقات
الخارجية، والى بعد تطور العمل الوطني الذي سينتقل إلى هيكلة حزبية بخروج حزب
الإصلاح الوطني الذي بدوره ستكون له رؤية اقتصادية.
ولإبراز الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية كان من الضروري التطرق للجهود
المبذولة من طرف عناصر الحركة الوطنية للوقوف عليها ومعرفة حيثياتها.
إذن فما هي أبرز الأنشطة الاقتصادية التي تم تفعيلها على مستوى المنطقة الخليفية؟ وما هي أهم الجهود المبذولة على صعيد خلق بعض الأنشطة الاجتماعية من طرف العناصر الوطنية؟
مسار عمل الحركة الوطنية
بالمنطقة الخليفية دخلته العناصر الوطنية وهي تسعى إلى تغيير البنية الاقتصادية
العتيقة على صعيد المنطقة، والتزمت بتكثيف الجهود وبلورة رؤية تقوم على إخراج
أنشطة اقتصادية مهيكلة، والإلحاح على ضرورة إخراجها إلى حيز الوجود، والتعايش مع
مختلف العراقيل التي كانوا يواجهونها مع الإدارة الاستعمارية الإسبانية التي تبين
أنها تخالف منطوق وجوهر الحماية، "
فالحامي ليس ملكا، أو سيدا، وإنما هو صديق نصوح بالدرجة الأولى، ومن أوجب الواجبات
عليه خلق روح تعاونية في كل المجالات تستبعد مفهوم الربح والخسارة.[1]
من بين الرواد الذين عملوا على بلورة أنشطة اقتصادية بالمنطقة الخليفية نجد الرائد عبد السلام بنونة الذي اقتنع بأهمية
الاقتصاد، وإيمان منه في إيجاد حلول ملموسة فكر في خلق اقتصاد اجتماعي قادر على
احتواء جميع الطبقات في مؤسسات اقتصادية وصناعية وتجارية، وفكرة تحقيق إقلاع
اقتصادي لم تكن من أجل " إيجاد صناعة
ضخمة من نوع خاص بل كانت فكرة شمولية ترمي إلى نهضة عامة في البلاد وخلق مجتمع
جديد في هذا الوطن بعد أن فاته الركب وأصبح يعيش كما تعيش النباتات الطبيعية على
جذور وسيقان الأشجار العملاقة.[2]
ولترجمة المشاريع على ارض الواقع نجد سنة 1931 " أسس الحاج عبد السلام
بنونة أول معمل للثياب الوطنية بتطوان " وكان هذا العمل هو ثمرة لمجهوداته
وذلك لأنه كان دائما يلح على السلطات الإسبانية بإعطائه رخص للقيام بمشاريع تنموية. مثلا، طلبه سنة 1930، من إسبانيا إنشاء معمل للسكر برأسمال مغربي إسباني كوبي، لكن تمت
معارضة المشروع، كما ذكرت سالفا استطاع عبد السلام بنونة إنشاء معمل للثياب
" كان الهدف منه تنمية الإنتاج الوطني، ليحل محل المنتجات ذات المنشأ
الأوروبي، ومن هذا المصنع، خرجت ثياب ذات جودة عالية، بيعت بنجاح في لبنان وفي
فلسطين، وبالطبع بالمغرب، حيث قاطع السكان السلع الفرنسية عقب صدور الظهير البربري الذي وحد ضده جميع المغاربة."[3]
وكان رواد العمل الوطني بالمنطقة الخليفية الذين تأثروا بمختلف المحطات
النضالية يبحثون عن أفكار مشاريع من الممكن تحقيقها، والإسهام في دراسات اقتصادية،
وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد دراسة حول " إنشاء معمل السكر وقد استعان على
هذه الدراسة بخبراء من إسبانيا وكوبا ومن بولونيا
وألمانيا، وكان يقصد بعمله محاربة فرنسا التي كانت تمد المغرب بكميات عظيمة
من هذه المادة، وعنده إحصاءات عن المقادير المستهلكة من هذه المادة في المغرب، كما
كان يهيئ كذلك لإحداث معمل لاستخراج
السماد من الازبال ومعمل لإسمنت.[4]
وحوله هناك رسالة موجهة من عبد السلام بنونة إلى شكيب أرسلان، 9- 10- 1930
نجده يقول:
"قمت بعمل أكاد أكون على يقين من نجاحه وهو أني تفاوضت مع رجال ذوي مقدرة
على تأسيس شركة لصنع السكر بالمغرب، يكون مركزها تطوان والمعمل إما بنواحي مليلية
أو ما بين سبتة وتطوان وسيكون رأس مال الشركة 3.000.000 من البسيطة الإسبانية، يتعادل فيها المغاربة والإسبان، ولم نرجع من إسبانيا حتى تركت القضية تحت المباشرة
مع الحكومة والمهندس الفني يشتغل في رسوم المعمل ولوازمه الميكانيكية. وإذا تمت لنا
هذه البغية فإنها تكون بحول الله تكون على فرنسا ضربة قاسية لأن المغرب حسب
الإحصاءات الرسمية يستهلك من السكر 180 ألف طن سنويا 90%، منها من معامل فرنسا والباقي من بلجيكا وهولاندا، والذي يهمنا
الآن في المسألة هو وجود المادة الأولية أي اللفت السكري أو القصب وها نحن ندرس
القضية مع الممثل الاقتصادي لجمهورية كوبا بإسبانيا والله المسير سبحانه".[5]
كان من الشجاعة تأسيس مثل هكذا مشروع في المنطقة الخليفية على اعتبار أن
مادة السكر هي مادة أساسية عند المغاربة وإذا ما تم تحقيقه سيتحرر اقتصاد المنطقة
بشكل ملفت.
العناصر الوطنية وخصوصا عبد السلام بنونة كانوا عل علم " أن سهل وادي
مرتين وحوض وادي النكور كان في الماضي ينتج قصب السكر وذلك ما جعلهم يقومون بتجارب
في السهلين المذكورين ومن أجل ذلك جلب من مدينة مالقة ومطريل بجنوب إسبانيا عينات
من قصب السكر ولفت الشمندر، وكانت النتيجة جد مرضية ومشجعة، حسب ما جاء في رسالة
من غرناطة إلى ولده الطيب بتاريخ 4 أكتوبر 1930 حيث قال فيها:
"إني على وشك عقد شركة لمعمل السكر
بالمغرب يكون رأس مالها ثلاثة ملايين بسيطة: الثلث رأس مال مغربي، والثلث إسباني، والثلث كوبي، وعلى الله سبحانه الكمال".[6]
وفي رد عن الرسالة وذلك بعد الإخبار بمضمونها يجيبه يوم 31 من الشهر
المذكور بما يلي:
سيدي الأخ مشروع معمل السكر في
تطوان ضروري ولست أعرف عن هذه الصنعة شيئا غير أن معملا يمكن تأسيسه في تطوان، ولا
يلزم له رأس مال فوق طاقة أهلها، وما قدر عليه أهل غرناطة لا يعجز عنه أهل تطوان،
فأخبروني بما يتم معكم في هذا المشروع وأسأل الحق عز وجل أن يأخذ بيدكم في هذا
وغيرها[7]
ما يبين السعي لتحقيق المشروع هو
الإرادة التي كان يبديها عبد السلام بنونة باعتباره صاحب الفكرة، وأيضا المراسلات
التي كانت تجري بينه وبين شكيب أرسلان الذي كان يتتبع مشاريع المنطقة الخليفية
باهتمام.
وحول ذات المشروع "معمل
السكر" نجد رسالة في كتاب نضالنا القومي يقول فيها عبد السلام بنونة للأمير
بتاريخ 5 ديسمبر من نفس السنة:
"إن مشروع معمل السكر متوقف على
رجوعي ثاني مرة إلى إسبانيا لمقابلة نائب سيرد من كوبا في أوائل يناير المقبل بحول
الله وما يتم معه من الوفاق أخبركم به في حينه".[8]
وأيضا في رسالة أخرى للأمير ثاني يناير 1931:
"سيدي: نعم ما فعلتم بطلبكم من
صديقكم الجنرال كرامون لائحة بما يلزم لمعمل سكر فلكم الفضل ونرجوكم أن لا تغفلوا
هذه القضية فإن ذلك يفيدنا كثيرا سواء كانت اللائحة بالألمانية أو الفرنسية فلنا
أصدقاء هنا لترجمتها حتى لا نغتر بما يقرره لنا الإسبانيون وحدهم والله الموفق
للصواب.[9]
المشروع رغم الدراسة ورغم الجهد
المبذول الذي يروم إخراج المشروع ليرى النـــور إلا أنــــه " فشل بإشبيلية،
ففي أكتوبر 1930، واجهه عداء مطلق من مدريد، فقد بدأت السلطات الإسبانية بتاريخ
8-2- 1934 يقول فيها:
"ولدي العزيز البار الأستاذ السيد الطيب بنونة متعك الله برضاه وسلام عليك
ورحمة الله، يظهر أننا سنحول مجرى السياسة بتطوان إلى طريق ترضي الأهالي حيث تقرر
في الميزانية التي يجري بها العمل ابتدءا من أبريل المقبل 650 ألف بسيطات لبناء
مدارس للأهالي كما تقرر نظام مدرسة ابتدائية وثانوية بتطوان.
تقرر إيجاد مدير للمعارف مسلم، ومدير للأشغال العمومية أيضا...وكذلك في
الشؤون الاقتصادية ووعد مؤكد بإصلاح نظام البلدية[10]
ومن المشاريع الاقتصادية بالمنطقة الخليفية، بتاريخ 4-03-1941 "
القيام بمشروع وطني إصلاحي لعرض التحف والصنائع المغربية، وكلف الطيب بنونة
بالإشراف على المشروع، ويوم 08-03-1941، عقدت أول جلسة للجنة المعرض، حضرها الطريس
والحاج محمد الصفار والحاج محمد الشرتي وامحمد بنونة ومحمد بن جلون والطيب بنونة،
حيث عرضت الفكرة على اللجنة وقيد ما يعرف من التحف الموجودة بتطوان، وتقرر البحث
عن التحف الأخرى.[11]
أيضا، تعزيزا للجانب الاقتصادي بالمنطقة الخليفية نجد أنه، " لأول مرة بتطوان ينظم معرض للنماذج، وقد سمعنا الكلام دائرا حول إقامته منذ شهور عديدة، وكانت الظروف لم تسمح إلا هذه الأيام، نظن أن إقبال المنطقة على عهد جديد يكون أكثر اتساعا للاحتمالات الاقتصادية، وأرحب صدرا لقبول كل الإجراءات التي تتخذ لتهيئة المنطقة إلى لفظ كل ما يقوم ميزانيتها يقضي بالاهتمام بمثل هذه المعارض التي تكون لسكان هذه البلاد شبه مرآة يرون فيها أنفسهم من الناحية الاقتصادية التي هي من أهم الأركان التي يقوم عليها صرح الأمة.[12] وتنظيم مثل هذه المعارض يفتح المجال للالتقائية بين الفاعليين الاقتصاديين، وتكون فرصة سانحة للتداول ولمناقشة مختلف القضايا الاقتصادية، وضمن هذا نجد الأستاذ عبد الخالق الطريس يقول:
"معرض النماذج هو خير صلة تربط المنتج والمستهلك، وألطف ما في هذه أنها غير
مبنية على استغلال هذا الأخير لمصلحة الأول، بل نتيجتها الأولى والأخيرة، أن يرى ما
في إمكان البلاد أن تنتج، وكيف يمكنها أن تستغني على غيرها في المواد الأولية
والمنتوجات الكاملة، وقد كان هذا النوع من المعارض ولا زال خير عون على إلفات
الناس إلى المحصول القومي في الصناعة والزراعة وغيرهما من نواحي الإنتاج، ولسنا في
حاجة إلى تبيين النتائج الحسنة التي تمخضت عنها في الأوساط الغربية التي أصبحت كل
المدن فيها تتنافس في إقامة المعارض المحلية، بأن يكون عرض كل جهة أقوى من الجهة
الأخرى، وأفيد للمالية الوطنية، مرت على هذه المنطقة مجموعة من الأعوام كانت فيه
الناحية الاقتصادية تشغل الصف الثاني في اهتمام الحاكم، وبفضل المجهودية المرفوعة
بالحاجة إلى تقوية هذه المنطقة وفتح كل ما يمكن أن يكون فيها من أبواب لاستخراج ما
يخفف عنها وطأة المساعدة الثانوية التي تستلزمها ميزانية المخزن، أصبحت العناية
بالقضايا الاقتصادية على العموم أهم شاغل يشغل فكر ممثلي الحكومة الإسبانية في
المغرب".[13]
وفي سنة 1934" أنشئت بشفشاون يوم 16 يوليوز 1934 شركة الزرابي
الشفشاونية.[14] وذلك
لاستغلال الخبرة المحلية استغلالا يعود بالنفع والربح الوفير، كذلك خدمة للصالح
العام طلب من السلطات الاسبانية ترخيص لإنشاء شركة وطنية لكن في البدء عانى السيد
بنونة من "تواطؤ المستعمرين وفي كل مرة يخبرونه على أن الخبرة لا توجد لكن
ومع كل هذه كانت أعصاب المرحوم ورفاقه تحترق شيئا فشيئا وهو صامد لا تفارق ثغره
ابتسامته الوضاءة[15]، ورغم
التواطؤ جاء اليوم الموعود 9 أبريل 1933- وتقاطر مساهموها الشركة والمواطنون عموما
على مركزنا للتوليد الكهربائي بسانية الرمل للحضور في تدشين المعمل الوطني باسم
الله وعونه...وأضاء معمل تطوان أرجاء المدينة وفرح الناس أيما فرح، ولكن فرحتهم لم
تطل كثيرا، وتوالت الكوارث على شركتنا من كل جانب، ومساهموها يتجرعون الغصص وفي
مقدمتهم المؤسسون وعلى رأسهم الحاج عبد السلام بنونة وقد أبت الأقدار الإلهية أن
يمتد عمره القصير حتى يجني ثمار هذا المشروع الناجح وغيره.[16]
ويتبين من خلال هذا كله أن العناصر الوطنية استطاعت إخراج مشاريع اقتصادية تنموية
إلى حيز التنفيذ واستطاعت بأفكارها الإصلاحية أن تجد حلولا تضع حدا لمعاناة المغاربة كإنشائهم لمركز التوليد
الكهربائي.
وحول تأسيس شركة التعاون الصناعي نجد عبد السلام بنونة وجه رسالة إلى ولده
الطيب يقول فيها: "ولدي العزيز البار الطالب الطيب تحية وسلاما.
إن نهار الأمس وهو يوم الإثنين كان يوما مشهودا بتطوان إذ وقع فيه اجتماع
هائل من أجل تأسيس شركة الضوء الكهرباء كما في علمك ووقع الاتفاق على القوانين تم
وضع الانتخاب السري بالبطائق وكان في غاية الانتظار، وفزت فيه بالأغلبية الساحقة
إذ كان حاضر من أعيان المسلمين 222 وخرج الأعضاء الخمسة كما يأتي:
أصوات
عبد السلام بنونة 204
محمد بن عبد الله زوزيو 167
عبد السلام بن عبود 140
عبد السلام الفاسي 104
محمد الرهوني 96
ثم هناك أشخاص آخرين يزيد عددهم على 40 كلهم ذكر اسمهم في البطائق أعلاه، منهم السيد علي الخطيب، عنده 63، ويليه السيد محمد الرزيني، عنده 44، والباقون كلهم
دون ذلك.
وكانت بعض المشاريع تشكل مغامرة اقتصادية وتشكل مسارا يحتاج إلى الإجماع
والى الالتفاف الشعبي، فمثلا مشروع التعاونية الصناعية " قد كان في حد ذاته
أكبر من تطوان وإمكانياتها المادية والبشرية المحدودة في ذلك الوقت..كما أن مستوى
التفكير العام للمواطنين لم يكن قد بلغ من النضج ما يؤهله للاضطلاع بأعباء عمل
كهذا بملابساته وخلفياته...[17]
رغم ذلك وبفضل الدعاية المنظمة، " ازداد أمل الناس في شركتنا الوطنية
مترقبين منها الإنقاذ وعاشوا فترة صعبة من حياتهم مكتوين من لظى تواطؤ الشركة
الأجنبية مع المستعمرين وطول ترقب الخلاص أشرق نور معمل تطوان، رغم عرقلة إتمامه
بالمناورات والغش من جهة وقلة الخبرة الفنية من جهة أخرى.[18]
بالتالي ورغم المبررات وفتح المعمل، " توالت الكوارث على شركتنا من كل
جانب ومساهموها يتجرعون الغصص.[19]
بتاريخ 9-4-1933، نجد رسالة من عبد السلام بنونة إلى ولده الطيب بنونة تتعلق
بالتعاونية الصناعية، يقول فيها:
"جرت اليوم بمعمل الكهرباء التابع للتعاونية
الصناعية المغربية الإسبانية، بالمكان المعروف بسانية الرمل حفلة تدشين عملية توليد
الكهرباء للمرة الأولى، ويعتبر هذا المعمل تتويجا للمجهود الجبار الذي بذله عبد
السلام بنونة من أجل إنجاح هذا المشروع الاقتصادي الأول من نوعه.[20]
وكانت العناصر الوطنية تقوم بالترويج للمشروع الاقتصادي وقامت أيضا بإخراج
مشاريع اقتصادية أخرى.
ففي سنة "1934 وفي ميدان أخر من ميادين الاقتصاد، تم تأسيس تعاونية
مهمتها بيع اللحوم، كان الهدف منها انقاد المواطنين من مضاربات بعض المشتغلين في
هذا المجال.[21]
وفي سنة 1909، نجد عبد السلام بنونة أنشأ بمعية " صديقه الإسباني
كوكوليس شركة للتنقيب عن المعادن في شمال المغرب، كانت تقوم بحفريات هنا وهناك،
وتبعث بنظائر من مكتشفاتها إلى إسبانيا لتحليلها ومعرفة أهميتها وقيمتها.[22]
أيضا في سنة 1917، نجده ساهم " في شركة إسبانية لصناعة الخزف كان
مقرها في المرسى بطريق سبتة القديمة، وفي سنة 1923، نجده يساهم في شركة ألمانية لاستيراد البضائع
منها.[23]
ومن المشاريع الاقتصادية المهمة
" تأسيس معمل للثياب في يناير 1931، كان الهدف منه تنمية الإنتاج الوطني،
ليحل محل المنتجات ذات المنشأ الأوربي، ومن هذا المصنع، خرجت ثياب ذات جودة عالية،
بيعت بنجاح في لبنان وفي فلسطين، وبالطبع في المغرب.[24]
مشاريع اقتصادية كان "هدفها
خدمة الوطن، حتى لا يتحكم الرأس المال
الأجنبي فيه وذلك بإحياء وتجديد التجارة وحماية الصناعات التقليدية وإحداث
الصناعات الحديثة بواسطة تكوين شركات تعاونية يمكن لجميع المغاربة المشاركة في رأس
مالها كل حسب إمكانياته المادية.[25]
ومن بين المشاريع التي تم السعي لتحقيقها بالمنطقة الخليفية
إحداث"شركة تعبئة وتوزيع مياه مولاي يعقوب[26] وأيضا السعي لإخراج مشروع تمثل في خلق بنية تهم
النقل بخروج سيارات الأجرة تساهم في تحسين النقل الحضري بتطوان.[27]
وفي فاتح ماي 1931، وبتغير القيادة السياسية بإسبانيا سارعت الحركة الوطنية
بالمنطقة الخليفية بتقديم حزمة من المطالب التي ضمت المطالب المتمحورة في الجانب الاقتصادي، بحيث طالبوا بتكوين ملكية
عائلية غير قابلة للتفويت، وذلك تحقيقا للمساواة الجبائية بين الفلاح والمعمر
الأوروبي وحماية الفلاح من ( انتهاكات) الإداريين الاستعماريين والمعمرين والمراقبين.
وتحث عنوان أخر نجد ضمن وثائق حزب الإصلاح الوطني المجموعة الخامسة التي
تهم في بعضها الجانب الاقتصادي، " الإصلاحات الاقتصادية والمالية، السياسة
الاقتصادية" والتي جاءت كمطالب موجهة لتطبيقها.
تهيئة وسائل العمل والروجان
الاقتصادي لرفع المستوى ألمعاشي للمغاربة، تسهيل استهلاك القمح داخل المغرب بين
سائر الطبقات وخصوصا الفلاحين والعمال.
تنظيم الإنتاج وجعله مناسبا مع
حاجات الأسواق الداخلية ومع قابلية الأسواق الخارجية، تشجيع المغاربة على الإنتاج
الفلاحي والصناعي ومراعاة مصالحهم عند إجراء المفاوضات من أجل الاتفاقات التجارية
التي يبرمها المغرب، وكذلك في المعاهدات التي تعقدها إسبانيا ويجري العمل بها في
المغرب.
حماية الإنتاج المغربي من
المزاحمة الأجنبية ومنع دخول كل البضائع التي هي من نوع المنتوجات المغربية من أية
دولة كانت، جعل استثمار سائر المناجم الطبيعية ومنابع النفط والمياه المعدنية
والسكك الحديدية والقوة الكهربائية والمرافئ البحرية من اختصاص الدولة المغربية،
السعي لجعل " احتكار الدخان" من اختصاص الدولة المغربية، تنظيم دور
الدباغة تنظيما عصريا، التنازل عن القرض المخزني المقدم لشركة التعاون الصناعية،
استهلاك النور الكهربائي في الإدارات والمعامل الحكومية، بناء مرفأي العرائش
ومرتيل وأخرى صغيرة للصيد في المراسي الثانوية، إيجاد بسيطة مغربية، اعتماد قدر
مهم في ميزانية الدولة لإعانة الصناعات المغربية الجديدة، إدخال عدد كاف من
المغاربة في سائر المجالس المشرفة على استثمار خيرات البلاد، اتباع سياسة اقتصادية
موحدة في المناطق الثلاث وتسهيل المبادلات التجارية بينها وإسقاط الواجبات التي
تؤدى على البضائع عند دخولها من منطقة إلى أخرى.[28]
في عريضة مطالب الأمة، ليوم فاتح ماي 1931 المقدمة إلى الحكومة الإسبانية
بمدريد، كانت الهيأة الوطنية قد طالبت بمد يد المساعدة إلى الفلاح المغربي كما جاء
أنفا، من أجل تحسين وضعيته المادية والاجتماعية، وبعد مرور نحو السنتين وافقت
الحكومة على صدور الظهير الخليفي، في يناير 1933، الذي بمقتضاه وضع تحت تصرف إدارة
الحماية اعتماد قدره 450 ألف بسيطة من أجل مساعدة الفلاح، وفي نفس اليوم كتب
الأستاذ الطريس يقول في يومياته ما يلي:
"صدر اليوم ظهير خليفي يضع تحت تصرف الإدارة مبلغا قدره 450 ألف بسيطة من
اجل مساعدة الفلاح غير أن الظهير المذكور لم يشر إلى من هم الفلاحة الذين سينتفعون
من هذه القروض، الشيء الذي يجعلنا نفكر بأنها سوف تخصص للمعمرين...دون المغاربة".[29]
وكان أيضا حزب الإصلاح الوطني في
عمله يستند إلى هيكلة وبناء اقتصاد اجتماعي، والارتكاز في نشاطه على
الأنشطة الإجتماعية وذلك لإنضاج العمل النضالي المتعدد الروافد.
بحيث كان من أهداف وغايات الحزب العمل على ملف الاقتصاد، وقانونه الأساسي
نجد به مواد عديدة من بينها، " استغلال ملك الشعب، وثورة البلاد الطبيعية.[30]
وهذا ما يعني أن الحركة
الوطنية في المنطقة الخليفية، نشأة وفكراً ومسيرة نضالية لم تكن معزولة عن الإطار
العام للحركة الوطنية المغربية، ففي الجنوب المغربي الذي خضع للحماية الفرنسية بدأ
الكفاح السياسي منذ مطلع العشرينات وراء واجهات دينية وثقافية تمثلت بظهور العديد
من الجمعيات التي ركزت على التوعية الإسلامية والإصلاح الاجتماعي من خلال الندوات
والمحاضرات الدينية والثقافية التي كانت تطرح بين طياتها أفكاراً سياسية وطنية
تسعى لإنضاج وعي وطني سياسي أسس فيما بعد عقد من الزمان، أرضية العمل الوطني
المنظم والهادف إلى الدفاع عن الذات الوطنية وهويتها العربية الإسلامية.[31]
وللحديث عن الأنشطة الاجتماعية من الإلزامية إعطاء تعريف عام للعمل
الاجتماعي :
العمل
الاجتماعي يعني في مضمونه التآزر والإخاء، وتحصيل الخير، لصلاح المجتمعات، ومن ضمن
الأوساط التي وجد بها العمل الخيري نجد المنطقة الخليفية التي شهدت بلورة وتفعيل
أعمال اجتماعية، وفي سياقها التاريخي المتراكم نجد أن العمل الخيري أصبح ينطلق من
إطارات تنظيمية عديدة، مثل الجمعيات التي كانت تحتاجها المنطقة على اعتبار أن
الساكنة يجب أن تؤطر والجمعيات " تدربها على الحياة العامة وتشعر الجماهير
بكرامتهم، وتهذب مبادئهم...والجمعيات هي من الحريات اللازمة للإنسان والتي لا غنى
له عنها فكل قيد في سبيلها هو عقبة في سبيل الترقي وتنوير الأذهان، مع كونه ماسا
بأقدس حقوق الإنسان.[32]
الميدان الاجتماعي شهد بدوره
على مستوى المنطقة الخليفية أيضا جهود كثيرة ومتنوعة، وكان مختلف الرواد يعملون
على النضال من أجل المنطقة على صعيدها الاجتماعي، وكان رائد العمل الوطني عبد
السلام بنونة يعمل لبلورة أعمال تهتم بالجانب الاجتماعي والإنساني " فعندما
عين محتسبا لتطوان، في 15 مايو 1916، استغرب الناس من قبوله لهذا الوظيف واعتبروه
دون مقامه، ولكن الحاج عبد السلام كان يعرف قيمة ولاية الحسبة في الإسلام، ويعرف
أن قيمة الوظيفة بقيمة من يشغلها، فاتخذ وظيفه في الحسبة منطلقا للقيام بإصلاحات
اجتماعية مهمة، فأدخل النظافة والشروط الصحية على دكاكين الحلاقة والمخابز ومحلات
الألبان، وراقب باعة المواد الغذائية وحدد الأسعار وراقب الغش، وحارب الآفات
الاجتماعية كشرب الخمر ولعب القمار، ومنع لعب القمار في المقاهي، حتى انه تعرض
للاغتيال من بعض الجنود الذين كان لهم مقهى يلعبون فيه القمار. وحارب المشعوذين
والسحرة والدجالين، كما منع الإعمال الهمجية التي كان يقوم بها المنتسبون لبعض
الطرق، ومنع كل أنواع الشعوذة والتدجيل باسم الدين او باسم الطب...ولم ينحصر نشاط
الحاج عبد السلام بنونة في الميدان الاجتماعي في النطاق المحلي، بل أسس في شهر
ديسمبر سنة 1933 مع جماعة من رجال الوطنية بتطوان، أول جمعية مغربية لحقوق
الإنسان.. [33].
وبهذا "كان أب الحركة الوطنية المغربية الحاج عبد السلام بنونة أول
مغربي فكر في تأسيس فرع لعصبة الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، ومن أجل ذلك اتصل
بالمسؤولين في العصبة الاسبانية للدفاع عن حقوق الإنسان بمدريد في أوائل سنة 1933.
وكان بوسع بنونة أن يؤسس بتطوان جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان مستقلة عن
العصبة الاسبانية، غير أنه رأى انه من المصلحة أن تكون جمعية تطوان بمثابة فرع
للعصبة الاسبانية التي كانت تنتمي إلى العصبة الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان،
ويرجع اختياره إلى ثلاثة أسباب: الأول، لكي لا تحول سلطات الحماية الاسبانية دون
تمكنه من تأسيس الجمعية المغربية. والثاني لكي يكون الفرع التطواني مساند من طرف
العصبة الاسبانية. والثالث لكي يكون فرع تطوان معترف به من طرف العصبة الدولية.[34]
وحول الجهود المبذولة اجتماعيا وترسيخا للعمل
الوطني الاجتماعي الذي أصبح من الركائز،
نجد مشاريع فُعلت كترجمة لتمخض أفكار اجتماعية ومن الأمثلة تأسيس " جمعية
أرباب الأملاك بتطوان، يوم 30 يونيو 1931، والتي كانت عبارة عن تعاونية مقاولاتية
لتشجيع الملاكين على بناء الدور الرخيصة casas baratas، التي تعرف اليوم بالسكن الاجتماعي.[35]
هذا المشروع في عمقه هو مشروع اقتصادي لكن
بعده الاجتماعي حاضر وذلك بتخفيف معاناة السكان وذلك بتوفير أبنية للسكن تكون في
متناولهم، أعمال اجتماعية تصب أساسا في تحسين الأوضاع والأحوال.
وكان لأعضاء الحركة الوطنية أدوار اجتماعية
خصوصا المرتبطة بالجمعيات الخيرية الإسلامية العاملة بالمنطقة الخليفية، ولم يكن
للجمعية أولا محل مخصص فكانت الاجتماعات تعقد ببيوت بعض الأعضاء، وقرر مجلسهم بعد
أخذ ورد طلب فندق – الوسعة- الملجأ والإدارة الحاليان مؤقتا فساعد أول الأمر وقبضت
الجمعية المفتاح لتجعله أولا كإدارة ريثما تحصل على ظهير أو قرار ويمكنها حينئذ أن
تجمع فيه المحتاجين، طال انتظار الجواب ولا ندري ما حصل لحد الآن غير أنه تكاثرت
الاحتجاجات على الجمعية بأنها لم تقم بأي عمل، فكنا نتعلل بعدم وجود محل لنا الحق
في التصرف فيه، حتى قررت الجمعية أن تجمع بالفندق المحتاجين اعتمادا منها على حسن
نية أولى الأمر واتكالا على الله ثم ما تراه من مساعدتهم لمشروعها القيم.[36]
لا يختلف إثنان أن أول نواة لإبراز العمل الاجتماعي
بالمنطقة الخليفية، هي الجمعية الخيرية الإسلامية، التي حملت على عاتقها قضية
تقديم خدماتها للفئات المحتاجة، وحول تأسيسها نجد رسالة بتاريخ 14 جمادى الأولى
1350، موافق 27 شتنبر 1931، وجه الحاج بنونة رسالة لولده الطيب المتواجد آنذاك
بمدرسة النجاح الوطنية بنابلس- فلسطين- وما جاء فيها كالتالي:
"إذا نجحت الأعمال التي شرعنا في تنظيمها بهذا
الصدد ورزقنا الله التوفيق والإعانة فسوف يكون مدخول هذه الجمعية ما يقرب من خمسين
ألف ريال سنويا في أول نشأتها.[37]
لترسيخ عملها كانت الجمعية تسير وفق القوانين
المعمول بها، فبتاريخ 17 جمادى الأولى 1350، موافق 30 شتنبر 1931، انعقد الجمع العام
التأسيسي لهذه الجمعية ومحضرها الأول وفق الجلسة بعد استدعاء الحاضرين، بما فيهم
باشا عاصمة تطوان السيد الحاج إدريس بن عبد السلام الذي أوجب الحضور بأن يقوموا:
بتأليف جمعية خيرية إسلامية بهذه العاصمة
فأجابه السيد الحاج عبد السلام بنونة بقوله: "يا سعادة الباشا إن هذا الأمر يهمنا
جدا..."[38]
من بين أهم المشاريع الاجتماعية هي الجمعية
الخيرية التي كان لها إشعاع كبير على مستوى عاصمة المنطقة الخليفية تطوان، وأبرزت
مدى فاعليتها ومدى نجاعة العمل الخيري الاجتماعي بواسطتها بدءا من سنة 1931.
ظهورها كان عبر بروز دوافع ومسببات اجتماعية ومن بينها ما هو مرتبط بدخول
المنطقة في أزمة اقتصادية، " تسببت الأزمة الاقتصادية التي عرفها شمال المغرب
في أواخر العشرينات في انتشار التسول بمدينة تطوان، ولم تكن المدينة تتوفر على
جمعية خيرية يمكن الاعتماد عليها من أجل القضاء على تلك الظاهرة التي لم تعرفها
المدينة من قبل.[39]
حول إحداثها نجد "عبد السلام بنونة يتصل
"بصديقه القنصل الإسباني بتطوان المستعرب اسيدورو ذي لاس كاخيكاس الذي لم
يتردد في قبول الفكرة الرامية إلى تأسيس جمعية خيرية، وخرجت إلى النور.[40]
استدعى القنصل كاخيكاس إلى مكتبه جماعة من
الأعيان الإسبانيين واليهود والمسلمين، واتفق معهم على تأسيس جمعية خيرية تعنى
بشؤون الفقراء والمعوزين من الجاليات الثلاث، وفي يوم 24 مارس 1930، انعقد الجمع
العام الذي تأسست فيه الجمعية التي أطلق عليها اسم – جمعية العمل الاجتماعي الخيري-[41]
وقد أسندت الرئاسة الشرفية إلى زوجة المقيم
العام كما انتخب مكتب الجمعية على الشكل التالي:
الرئيس: القنصل كاخيكاس.
النائب: الحاج عبد السلام بنونة.
العضو: اسحاق بن هروش.
الأمين: الكومندار فاثكيث.
الكاتب: انطونيولوبيث.[42]
من خلال ما سبق يمكن القول أن الحاج عبد
السلام بنونة من أجل الوصول إلى بعض
الأهداف نجده يستثمر ويستفيد من علاقاته التي كانت تجمعه مع عدد من الشخصيات
الإسبانية.
سنة 1933: في أثناء هذه السنة قام المجلس
الإداري بتأسيس مدرسة البنات، ولما هيأتها رأت اللجنة المكلفة بالقيام بها أن تجعل
بها خمسة وثلاثين كرسيا فلما افتتحت وقع الإقبال عليها فاضطرت اللجنة أن تقبل من
يرد عليها حتى وصل عدد التلميذات إلى ما يزيد على سبعين، كما اضطرت أن تزيد في عدد
الأساتذة رغم ضيق المحل، وإذا اضطر الإقبال على هذه المدرسة فسوف يكون من المحتم
البحث عن محل لها يمكن أن يكفي الطالبات مع مراعاة الشروط الصحية ويكاد يكون عندنا
من المقطوع به أن عدد الطالبات سيصل إلى أضعاف عدده في الوقت الحاضر، وذلك لعدة
أسباب: منها أن الأولياء اليوم أغلبهم من أهل النظريات العتيقة التي تستنكف من
تعليم البنات وترى في تعليمهن خطرا على شرف العائلة. وهذه الجماعة تتناقض يوما بعد
يوم بفضل الدعايات المنتشرة التي تحث على طلب العلم والتي تقيم الدليل القاطع على
أن الشرف يتأصل في البنت بالتهذيب والأخلاق والإطلاع على سير الحوادث التاريخية...[43]
وللإشارة فإن مدرسة البنات، حولها فتح المجلس الإداري للجمعية، " اكتتاب خاص
بالموضوع، وقد كان الحاج عبد السلام بنونة أول من تبرع بألف بسيطة إسبانية.[44]
معظم المكفولين الذين تقوم بهم الجمعية هم من
البنين والبنات، وحيث أن هؤلاء في الاستطاعة أن يتدارك مستقبلهم وتصلح أخلاقهم،
وتسعد أحوالهم فقد وجهت الجمعية جهدا خاصا نحو هذه الناحية فعملت على تعليم كل
واحد صناعة خاصة لأجل أن يتعيش بها ويقتات من مدخولها، كذلك أنشأت لهم دروسا ليلية
يتلقونها بالمعهد تحتوي على تعليم القراءة والكتابة وحفظ ما تيسر من القرآن
والإلمام بمبادئ ضرورية من الدين، ومنهم من يتعلم بدل الصناعة اللغة الإسبانية
بالمدرسة الإسبانية العربية.[45]
الجمعية الخيرية كلما أتيحت لها الفرصة، كانت
تقوم ببعض الإصلاحات فمثلا بتاريخ 19 أكتوبر 1931، قام المجلس الإداري بعدة
إصلاحات:
أجرت الجمعية إصلاحات عدة أهمها إصلاح
العيادة الطبية، وخزين المأكولات، وفرش أرض الملجأ من جديد لأنه غير صحي.[46] في شأن أخر متعلق بالجانب الاجتماعي أسست في 11 فبراير
1934، " دار العامل" وهي مؤسسة كانت رسميا تهتم بالحالة الاجتماعية
للعمال، ولكنها في الواقع كانت تشكل نقابة مستترة، وبموازاة ذلك تأسيس لجنة
الفلاحين بالقصر الكبير، وكانت خاصة بالمغاربة.[47]
ولتحقيق المطالب الاقتصادية والوصول إلى
نتائج ملموسة على الصعيد الاجتماعي كان من ركائز العمل الوطني هو ربط علاقات في
الخارج لجلب التعاطف والتعريف بالقضية المغربية، وبالنضال على المستوى الداخلي
والخارجي استطاعت العناصر الوطني فرض واقع يتسم بالانفراج.
وأمام سياسة الاستنزاف التي كانت تنهجها إسبانيا بالتنقيب على المعادن
وإغراق المنطقة بسلعها واستنزافها المستمر، كانت العناصر الوطنية دائما تنادي
بتقوية عصب الاقتصاد المحلي والتنبيه لجوهر الحماية، ولكن كنه العملية الاستعمارية
كان جليا لمختلف الأوساط الوطنية والإسبانية.
إذن هي مجهودات عديدة عرفتها الحياة الاجتماعية والاقتصادية منها على سبيل
المثال لا الحصر الاعتناء بالأسواق، تأسيس الجمعيات الخيرية، والاهتمام بأحوال
العمال....كل هذه المجهودات كانت تساير الوضع وكانت أيضا من ضمن برامج الحركة
الوطنية سواء في كتلة العمل الوطني، وفي حزب الإصلاح الوطني.
أيضا المشاريع الاقتصادية كانت تقوم على تغيير الوضع إيمانا من رواد العمل
الوطني بمدى هذا المعطى في تغيير المشهد العام، والتنظيم المحكم على اعتبار أن
النضال لا يختزل في ميدان واحد وإنما في ميادين الاقتصاد والمجال الاجتماعي، وهذا
كان نابعا من رؤية استشرافية للمستقبل تروم تحقيق المطالب التي تحولت من المطالبة
بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال.
ختاما الحركة الوطنية بالمنطقة
الخليفية استطاعت أن تسطر برامج نضالية ترتكز بالأساس على تطوير البنية الاقتصادية بإحداث اقتصاد
اجتماعي، وأن تطور مجال الاشتغال في الجانب الاجتماعي سواء المتعلق بالجوانب
الإنسانية والمجتمعية والتربوية.
[1] برادة عبد الرحيم، إسبانيا والمنطقة الشمالية المغربية 1931- 1956، الجزء الأول2007، افريقيا الشرق- المغرب، ص167
[2] عزيمان محمد، البدايات الأولى للحركة
الثقافية الحديثة وتطوان ودور الأستاذ الطريس فيها،مؤسسة عبد الخالق الطريس
للثقافة والفكر، دار الطباعة الحديثة، الدار البيضاء ص 8
[3] وولف جان، ملحمة عبد الخالق الطريس حقيقة
الحماية الفرنسية الإسبانية بالمغرب، نقله إلى العربية محمد الشريف، راجعه جعفر
ابن الحاج السلمي،منشورات جمعية تطاون أسمير، الطبعة الأولى، مطبعة ألطوبريس،
2003، ص 139
[4] عزيمان محمد، الجانب السياسي ، م س ، ص ص
8-9
[5] و. أ.ب.إ ،وثائق عبد السلام بنونة، الجزء الأول،
وثيقة ص 181
[6] حكيم ابن عزوز محمد،
أب الحركة الوطنية المغربية الحاج عبد السلام بنونة حياته ونضاله، الجزء الأول.
الرباط 1987، ص 209
[7] حكيم ابن عزوز محمد، أب الحركة الوطنية المغربية
الحاج عبد السلام بنونة حياته ونضاله، الجزء الأول م س ، ص 210
[8] بنونة الطيب، نضالنا القومي في الرسائل
المتبادلة بين الأمير شكيب أرسلان والحاج عبد السلام بنونة، مطبعة دار أمل
،طنجة،1980، ص 396
[9] نفسه، ص 407
[10] و. أ.ب.إ ،وثائق عبد الخالق الطريس، الجزء 3، وثيقة ص 529
[11] و. أ.ب.إ ، وثائق حزب الإصلاح الوطني، محاضر ومراسلات، المجموعة 8، وثيقة ص 101
[12] جريدة الحياة، معرض النماذج، العدد 29، 1934، ص 1
[13] جريدة الحياة، معرض النماذج، العدد 29، 1934، ص 1
[14] محمد ابن عزوز حكيم " وثائق الحركة في
شمال المغرب، الجزء الأول، مؤسسة عبد الخالق الطريس للثقافة والفكر، تطوان، 1980،
ص 16
[15] ابن
جلون أحمد، أبي بكر القادري، محمد العربي الشاوش، صفحات من تاريخ الحركة الوطنية،
" الحاج عبد السلام بنونة،النشاط الاقتصادي في حياة الرائد الوطني الحاج عبد
السلام بنونة، مطبعة النجاح،الدار البيضاء،1980، ص 39
[16] ابن جلون أحمد، صفحات من تاريخ الحركة الوطنية، " الحاج عبد
السلام... م س، ص 40
[17] ابن جلون أحمد، صفحات من تاريخ الحركة
الوطنية، " الحاج عبد السلام، ص 39
[18] نفسه، ص 39
[19] نفسه، ص 40
[20] وثائق أبو بكر
بنونة الالكترونية، مجموعة وثائق عبد السلام بنونة، الجزء الثالث، وثيقة ص 47
[21] بن جلون أحمد، م س، ص 42
[22] ابن جلون أحمد، صفحات من تاريخ الحركة
الوطنية، م س،، ص 42
[23] نفسه ، ص 42
[24] وولف جان، ملحمة عبد الخالق الطريس.م س، ص 139
[25] ابن عزوز حكيم محمد، أب الحركة الوطنية المغربية
الحاج عبد السلام بنونة حياته ونضاله، الجزء الأول، الرياط 1987، ص194
[26] بن جلون أحمد، صفحات من تاريخ الحركة
الوطنية...، م س، 1980، ص 43
[27] نفسه، ص 43
[28] و. أ.ب.إ ، وثائق
حزب الإصلاح الوطني، محاضر ومراسلات، المجموعة الخامسة، وثيقة ص 982
[29] حكيم إبن عزوز إبن محمد، أب الحركة الوطنية الحاج عبد السلام بنونة حياته ونضاله، الجزء الرابع، مطبعة الساحل، الرباط، 1995، ص224
[30] حكيم ابن عزوز محمد، وثائق تشهد، مؤسسة عبد
الخالق الطريس للثقافة والفكر، مطبعة الساحل، الرباط ص 63
[31] داهش علي محمد، دراسات في الحركات الوطنية والتوجهات الوحدوية في المغرب العربي، منشورات إتحاد الكتاب العرب، دمشق، ص 129
[32] و. أ.ب.إ ، وثائق عبد السلام بنونة، رقم 2، وثيقة ص 8
[33] أحمد بن جلون، صفحات من ...م س ،ص 36
[34] حكيم ابن عزوز حكيم، الوثائق الوطنية، مجلة تعنى بنشر وثائق الحركة
الوطنية المغربية،العدد2 ، مطبعة الساحل ش.م.تطوان 1988 ص91
[35] المرون مصطفى، الجانب الإقتصادي في عمل الحركة
الوطنية مثال مشاريع الحاج عبد السلام بنونة 1916_ 1935، م س، ص 10
[36] و. أ.ب.إ ، مجموعة
وثائق الجمعية الخيرية الإسلامية، وثيقة ص 7
[37] و. أ.ب.إ ، مجموعة
وثائق الجمعية الخيرية الإسلامية، وثيقة ص 2
[38] و. أ.ب.إ ، مجموعة
وثائق الجمعية الخيرية الإسلامية، وثيقة، ص 2
[39] ابن عزوز محمد
حكيم، أب الحركة الوطنية المغربية، الجزء الأول، ص371
[40] نفسه، ص 372
[41] ابن عزوز محمد حكيم، أب الحركة الوطنية
المغربية، الجزء الأول،م س، ص 371
[42] نفسه، ص 371
[43] و. أ.ب.إ ، مجموعة
وثائق الجمعية الخيرية الإسلامية، وثيقة ص 14
[44] إبن عزوز حكيم محمد، أب الحركة الوطنية
المغربية، الحاج عبد السلام بنونة، حياته ونضاله، الجزء الثالث، ص 334
[45] و. أ.ب.إ ، مجموعة
وثائق الجمعية الخيرية الإسلامية، وثيقة ص 19
[46] و. أ.ب.إ ، مجموعة
وثائق الجمعية الخيرية الإسلامية، تطوان، وثيقة ص 26
[47] جان وولف ، ملحمة عبد الخالق الطريس، م س، ص 175