ذ. الصادق عياد
الأمة المغربية من الأمم المتعلقة بالحرية والكرامة، فهي بالنظر إلى سجل تاريخها الموغل والمتجدر تجدها أمة صنعت الأمجاد وسطرت روائع الكفاح بالتضحيات الجسام التي قدمها رموزها أمثال محمد أمزيان، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي، وموحا أحمو الزيانـــي، وأحمـــد الريسوني، وأحمد بن محمــــد الحزمري، والشهيــــد أحميــدو السكــان، و ازريراق الخراز...
خرجت المقاومة من رحم الشعب بشتى ربوع الوطن، وكان الجزء اليوسفي واحد من المجالات التي شهدت صولات وجولات المقاومة، وجاءت في فترة أقل ما يقال عنها أنها كانت صعبة، ووضعية تتأرجح بين فقدان اللااستقرار والاستقرار، وكانت المنطقة تعيش على وقع تدهور الاقتصاد المعيشي المحلي، وبعبارة أخرى الأوضاع كانت متردية، والمجال اليوسفي بالرغم من الوضع المتأزم كان يعتمد على الفلاحة وتربية المواشي، والغرس والافسال لتحريك الدورة الإنتاجية، وكانت القبيلة أيضا بها الصناعة التقليدية خصوصا منها المرتبطة بالجلود، والخشب...وكانت في تفاعل مع القبائل القريبة منها التي تدخل معها في علاقات تجارية قائمة على المقايضة، على سبيل المثال إنتاج الملح، والجلد واستبدالهما بمنتوجات أخرى.
فالتجارة حتمتها الظروف، وتفاعلت القبائل الجبلية والهبطية في جو اتسم بتقبل مختلف المكونات والعناصر لبعضها البعض، وبحق المجال اليوسفي نجده على صعيد نسيجه الاجتماعي اشتمل على العنصر العربي والأمازيغي، والأندلسي فهذا الأخير استقر بالمنطقة " ويمكن أن نلمس ذلك في أسماء المداشر ببني يسف نجد قرى : الحمة- أو حمة الشرفاء، الجبيلة، الريحانة، القصبة، الجزيرة، فدان الجبل، فنسبة من الساكنين جاءوا من الأندلس، ومما يقدم كمثال على ذلك: البوطيون، الذين هاجروا من الأندلس أيام المرينيين، وقصدوا مراكش ثم أتوا الى حمة الشرفاء ببني يوسف، ومنها انتقلوا الى مدشر الجبيلة، حسبما هو مثبت في شجرة النسب البوطي.
وللإشارة أنه بعد الضغوط التي تم فرضها على المغرب على عدة مستويات، وتوقيع معاهدة الحماية، دخلت البلاد إلى مرحلة ستتسم بفقد الاستقلال، وكانت منعطفا أحدث صدمة بين المغاربة والأخر.
وقبل توقيع المعاهدة شهد المغرب حملة استكشافات لدراسة مجالاته قصد تسهيل السيطرة الكلية عليها، وكان شمال المغرب من نصيب اسبانيا وتسلمته عبر أوفاق سبقت، بالرغم من أن اسبانيا كانت غير مؤهلة لولا الدور الانجليزي.
وتم الاكتساح وتولد عنه خروج مقاومات من رحم الشعب للتصدي للاجتياح العسكـــــري الذي أصبح حقيقة.
وكانت منطقة الشمال الغربي من أولى المناطق التي شهدت توغل الجيوش للسيطرة على مناطقه، ومن بين المناطق التي شهدت الاكتساح نجد منطقة بني يسف التي تضم عناصر سكانية عديدة من بينها العنصر الأندلسي الذي له ارث تناقلته الأجيال بحيث كان يحمل كره تاريخي للاسبان بحكم الطرد من الأندلس.
تم التدخل ببني يسف بحكم الموقع الاستراتيجي للمنطقة فهي متاخمة لقبائل تفاعلت معها على العديد من المستويات مثل قبيلة بني زكار وقبيلة بني عروس وأل سريف، وسوماتة والأخماس، وتدخل القبيلة في نطاق ما يعرف ببلاد جبالة، وهي تضم 62 دوارا.
وموقعها يترأى للعيان على شكل مناظر تضاريسية مختلفة الانبساط والارتفاع، لكن ما يغلب علـــى جغرافية القبيلــــة هـــو تواجد الجبال المختلفــة الشــكل والمتوســطة الارتــفاع، والتضاريس في شكلها العام متنوعة " من سوماتة إلى بني يسف، ترتسم المنعرجات الخطيرة على المنحدرات الجبلية المغطاة بالغابات".
على صعيد اسم بني يسف أو بنو يوسف الذي أطلق على القبيلة الجبلية يعود للاعتبارات التالية:
لكون " النازل بها كان يسمى يوسف والى أولاده وأحفاده نسبت القبيلة، ويؤيد هذا وجود عائلة مشهورة في القبيلة تسمى " دار ابن يوسف" ويكون من باب إطلاق الجزء بإرادة الكل، وعلى أن تغيير الاسم القديم بالجديد وقع في عدة قبائل كجبل الحبيب، وبني حسان وبني سعيد وبني عروس، أو يكون هذا الاسم كان غريبا بالقبيلة فأرادوا شهرته فأضافوا إليه أبناء القبيلة.
قبيلة بني يسف من القبائل المغربية الفاعلة في مسلسل الكفاح الوطني، وما مساهمتنا في الكشف وإماطة اللتام عن جانب من جوانبها الا ابرازا لأدوارها، لأنها لم تنل نصيبها على صعيد البحث والدراسة، بالرغم من أنها بلورت أدوارا طلائعية في التصدي للاستعمار.
عُرفت المنطقة بأبطالها الشجعان الذين تحملوا الشدائد، وخاضوا غمار المواجهة بتضحيات كبيرة، وشكلت بطولاتهم ثورة قائمة على الممانعة وعلى الاتحاد وتوجيه النضال لتحقيق أهداف التخلص من بطش المحتل.
بني يسف المجابهة والصمود:
تعرضت القبائل الجبلية للتدخل المباشر من طرف القوات الاسبانية، وكانت من بينهم قبيلة بني يسف التي هيأت، وقامت بالاستعداد لمواجهة العدوان بالوسائل المتاحة، وتلخص رد فعلهم في نصب المكائد للجيوش النظامية التي اخترقت المسالك، وتم اعتراضها وصوبت البنادق وكبدوا المحتل الدخيل الخسائر الفادحة.
عند بدأ الاجتياح بالجيوش الجرارة " سكان الريف وجبالة رفضوا التمثيل في مهزلة الحماية فلم يبقى بدا من وضع المؤثرات المسرحية جانبا وامتشاق السلاح".
كان من الحتمي قيامهم بالدفاع عن الارض، وابلوا البلاء الحسن، ومما ساعد في صمود المقاومين هو أن منطقة بني يسف طبيعتها الجبلية تتسم بوجود تضاريس صعبة، والتركيبة السكانية متنوعة، فأجناسها من اثنيات مختلفة، عرب، أمازيغ، أندلسيين.
كانت المنطقة بمثابة مركز التقائية أو محور يجمع بين مجالات عديدة فهي قريبة من القصر الكبير، ووزان، والعرائش، وشفشاون، وتطوان.
كانت أيضا بحكم استماتة سكانها وصلابة مواجهتهم للاسبان، مكانا مناسبا يتم الإجماع عليه للتشاور في شأن المواجهات واستمرار المقاومة في خطها الدفاعي والهجومي.
في يوم 20 ماي 1920، انعقد بقبيلة بني يسف مؤتمر قبلي مصغر، جمع الريسوني وقيادته من جهة، وقيادة المقاومة بمنطقة اللوكوس ووزان، بقيادة ولد سيدي الحماني، من جهة ثانية، وذلك من أجل تنسيق المواقف بينهما، وتشكيل جبهة موحدة من أجل مواجهة الجيش الفرنسي والاسباني بالمنطقة، وفي يوم 11 أكتوبر 1920 جرت ثلاث معارك كبيرة، أسفرت عن احتلال المراكز التالية بقبيلة بني يسف وهي : فدان الجبل، والخربة، وفي اليوم الموالي تم احتلال مركزي عين الربطة، القصبة، وذلك رغم الخسائر البشرية والمادية الجسيمة، التي تكبدتها تلك القوات.
منطقة جابهت بشتى الوسائل، وما ينبغي الإشارة إليه هو أن قبيلة بني يسف في مقاومتها كما كان سائدا اعتمدت على رجالاتها وأيضا رجالات باقي القبائل المجاورة.
عند اكتساح المنطقة من طرف القوات الاستعمارية طوقت المناطق المحيطة بشفشاون من طرف الجنرال باريرا انطلاقا من الجنوب باحتلال عقبة القلة يوم 24 شتنبر 1920 للمرة الثانية، ومركز تارية، والحمة يوم 30 من نفس الشهر، وشبيكة الذيب، ومركز الخضر ببني زكار يوم 3 أكتوبر، وإخضاع مركز فرارة وخندق أجنة في اليوم الموالي.
وبتاريخ 28-08- 1921، وبعد توالي المواجهات الرامية إلى منع الزحف، تكبد الاسبان خسائر في الأرواح والعتاد، هجم مجاهدي قبيلة بني يسف، وأدى الهجوم إلى قتل جنديين اسبانيين بعد مرور شهر واحد
وللإشارة نجد منطقة جبالة في مجمل ترابها كانت تعيش على وقع أخبار المقاومة سواء المتعلقة بالتي قادها الشريف أحمد الريسوني، أو مقاومة الشهيد محمد امزيــــــــــان أو المقاومة الخطابية وهذه الأخيرة تشكلت قواتها من قبائل الريف وأيضا من قبائل بلاد جبالة التي انخرطت في ميدان الكفاح، وجل الفئات المجتمعية بها كانت تتأثر بالأحداث التي تجري ببلاد الريف، فالمقاومة الجبلية كانت مستعدة دائما للمواجهة، ومنطقة بني يسف كانت تضم مجاهدين واجهوا اسبانيا في معارك عديدة منذ أن بسطت نفوذها وانتقلت الى تنفيذ مخططها العسكري واقتحام المجال الجبلي الذي نجده في نسيجه الإجتماعي يتكون من العنصر الأندلسي كما جاء انفا والذي تم ترحيله بأساليب ضغط وترهيب ليستقر بمناطق مغاربية منها منطقة بني يسف وكانوا يحملون معهم حنقا على الاسبان، ولأنهم يعلمون علم اليقين كنه وصميم السياسة الإستعمارية.
وحتى فئة العلماء كانت تحمل هم هذا التدخل الغاشم، وبمختلف القرى كانت تُنظم حلقات تدريس القرأن الكريم وعلومه وايضا التداول في شأن المقاومة، وعلى صعيد الإنتاج الفكري الخاص بمراحل عيش زمن الإصدام والمجابهة، كانت تخرج قصائد تمجد كفاح وقتال المجاهدين في سبيل الدفاع عن حوزة الوطن، ورد العدوان.
ومن بين القصائد التي مجدت كفاح المقاومة الخطابية نجد قصيدة من تأليف العلامة الأحمدي محمد اليوسفي ابن منطقة بني يسف :
والقبيلة عند توطيد الاستعمار لأقدامه بها واجهته بكل الوسائل، وعند بروز المقاومة الريفية الى ميدان الدفاع عن البلاد، أصبحت المقاومة الجبلية المتناثرة في الجبال والمتكتلة في صفوف مقاومة الريسوني تعيش انفراجة وذلك أن أسبانيا أصبحت تقاتل أكثر من جبهة، وفي مطلع سنة 1922 تقدم الجنرال " باريرا" بجيوش من العرائش مخترقا قبائل أهل اسريف وبني زكار ومن تم باقي القبائل، وذلك لبسط السيطرة على مختلف نواحي بلاد جبالة وينبغي أن نشير ان الاسبان وجدوا ممانعة كبيرة من قبل رجالات القبائل.
بعد أن تكبد الاسبان الخسائر تأجج غضبهم، وعملوا على احتلال مقر الزاوية الريسونية بتازروت بعد تنظيم محكم من طرف المقيم العام الذي استولت جيوشه " على ذهر بردع وسعت بفصل بني يوسف عن سوماتة والمقصود الاضعاف.
وتعددت المواجهات العنيفة من شتى القبائل الجبلية، وابلت قبيلة بني يسف البلاء الحسن في المواجهات.
ففي يوم 7 ماي 1922، " أشرف المقيم العام بنفسه على الهجوم الذي شنته القوات الاسبانية برئاسة الجنرالان "مارسو"، و" سانخورخو"، ضد مداشر احدادين بقبيلة بني يسف حيث جرت معركة دامية اسفرت عن احتلال المداشر من طرف الاسبان بعد أن فقد ثلاثة وعشرين قتيلا على ارض المعركة.
وأيضا نشير إلى معركة على قدر كبير من الأهمية وهي معركة عقبة القلة بتاريخ 27-28 غشت 1924:
" قررت قبيلة بني يسف، التي كانت بمثابة حلقة وصل بين جنوب بني عروس " التي ينتمي اليها الريسوني" ووزان التابعة للنفوذ الفرنسي، والتي تحوي أفضل المقاتلين، إعلان الجهاد، وتمت المواجهة بعقبة القلة وهي ربوة معزولة، كان يعسكر بها الاسبان، تعدادهم حوالي مائة وتسعة وتسعين جنديا، فلم ينج منهم سوى أربعة وعشرين جنديا، أما الباقي لقوا حتفهم، واللائحة طويلة ممن بترت وقطعت أعضاؤهم.
بعض رجالات المقاومة المسلحة بقبيلة بني يسف المناضلة:
عملت اسبانيا على تتبع رجالات المقاومة الذين كرسوا حياتهم للجهاد والدفاع عن حياض الوطن، ونظرا لمواقفهم البطولية تمت في حقهم عمليات القتل بطريقة مرتجلة ومأسوية تبين التعطش للدماء.
مما جاء في متن رواية شفوية تعود للأستاذ محمد أخريف:
حكى لي المرحوم المجاهد محمد بن عبد السلام البرق المعروف بابن زهرة من مدشر فدان الذرة عن كيفية إعدام المجاهد عبد السلام بن السيد الحفيظ الذين طلبوا منه حفر قبره ففعل، وطلب منهم أن يتركوه يصلي فسمحوا له بذلك، ثم دخل حفرة القبر، وأطلقوا عليه خمس طلقات نارية، وقد طالت هذه الإعدامات أغلبية المداشر:
في مشيخة بني عبد الله: المجاهد الفقيه السيد بن الطاهر الأحمدي من مدشر كندماس...
مشيخة بنوهادي: السيد سلامو من مدشر الخربة، وأحمد ولد العزيزة من مدشر ورزيان، والشنشان، واحمد بنقاسم من مدشر القصبة، والعياشي الفحصي بنحسون من مدشر بوذة، وعبد السلام بن لحسن حسون من مدشر الرحبة.
مشيخة الزلاويين: عبد السلام بن الحفيظ الزباخ من مدشر فدان الذرة، واحمد المصوري الركتوتي من مدشر مرشاق، وأحمد بوخروف من مدشر ورغازين، السي الخراز من مدشر الحمة.
وفي مشيخة بني زكار: العياشي الخمار من مدشر مترازة.
كل هؤلاء المقاومون الجبليون في المنطقة كان ينظر اليهم بعد فرض الحماية كمتمردين.
اما في يتعلق بمرحلة تأسيس جيش التحرير بالشمال، فكان ابناء المنطقة مع موعد مرحلة الدفاع من جديد عن الوطن.
ونجد العديد من الاسماء خاضت غمار هذه المرحلة التي اتسمت في البدء بالسرية وترتيب كل ما يخدم الجيش، وفيما بعد تم تأمين السلاح.
محطة تأسيس جيش التحرير بالشمال:
اسست خلايا تزودت بالاسلحة بطرق مختلفة، وكان من بين المراكز الفاعلة في فعل الكفاح، مركز القلة ورهونة، وغزاوة، وبني أحمد، وكان السلاح يصل اليها ويتم تخبئته وتوزيعه، ومن بين الخلايا خلية القلة التي شملت الاسماء التالية:
أحمد الرحموني، محمد الماحي، محمد الرحموني، محمد القسطيط، المختار بوعلي، محمد خربوش، عبد السلام الخيلي، حميدو الخيلي، أحمد سلمون، لحسن الكنوني، عبد الله المترازي، بعضهم كانت إقامتهم بالقصر الكبير، وبعضهم بالقرى ببني يسف وبني زكار، أمثال أحمد سلمون من مدشر أدغوص بقبيلة بني يسف، ولحسن الكنوني من مدشر خندق اجنة بقبيلة بني زكار.
وفي الختام نشير أن قبيلة بني يسف إلى جانب باقي القبائل الجبلية الأخرى قدموا أدوارا طلائعية في مسلسل الكفاح المسلح، وواجهوا الجيوش النظامية بالمتاح وبالإمكانيات المحدودة، وإبرازا لأدوار هذه القبيلة المجاهدة يجب أن تتضافر الجهود للبحث والتنقيب، لإماطة اللثام عن تاريخ محلي مليء بالأحداث والوقائع لينضاف إلى التاريخ العام للوطن، فالمنطقة لها ارث تاريخي وثقافي هام يحتاج إلى الدراسة والتعريف به.
منطقة الحماية الاسبانية.
جزء من الثكنة العسكرية الاسبانية بالقلة.
منطقة الحماية الاسبانية ) القبائل الجبلية المتاخمة للمجال اليسفي.(