د. يونس البقالي - باحث في تاريخ الأفكار والمؤسسات
مراحل النمو الفني للطفل:
اهتمت الدراسات والبحوث الفنية بتحليل رسومات الأطفال، وإبراز الخصائص المشتركة فيها حسب المراحل العمرية التي يجتازها الطفل في نموه. وقد انتهى كثير من الباحثين المختصين في دراسة الفن عند الأطفال، ومنهم هربت ريد[1] وليونفليد[2]، إلى خلاصة مفادها أن رسومات الأطفال في المراحل العمرية الأولى، تتميز بقواسم مشتركة بين جميع أطفال العالم، من هنا تم تقسيم العمر الفني للطفل إلى مراحل. ويبدو تصنيف ليونفليد أكثر دقة وقياسا، بالمقارنة مع التصنيفات الأخرى، ويميز ليونفليد في تصنيفه لمراحل النمو الفني عند الطفل[3]، الأعمار التالية:
1- مرحلة ما قبل التخطيط (من الولادة حتى سنتين): يكون لدى الطفـل رغبـة مفعمة بالبهجة في التعبير عن نفسه، وعـن الآخـرين، وعـمّا يحـيط به، حيـث يقـوم بحركـات عضـلية بذراعيه ورجليه، وبالصراخ أيضا، وما ذلـك إلا تعبيرات فنيـة يحـاول مـن خلالهـا الاتصـال بمن حوله.
2- مرحلة التخطيط (2-4 سنوات): يعمـل خلالها الطفـل على وضع تخطيطـات عشـوائية تعكس إحساساته العضلية، ثم موجيـة يدرك من خلالها العلاقة بين حركة يده وأثرها على السطح، وتخطيطات دائرية وشبه دائرية تعبر عن نموه العضلي وقدرته على التحكم في الحركة، وتخطيطات متنوعة عبارة عن خطوط دائرية ومنحنية ومائلة تنقل الطفل إلى مستوى رسم الأشكال بعد الرابعة.
3- مرحلة التحضير للمـدرك الشـكلي (4-7 سـنوات): تغلـب عـلى رسـوم الأطفـال في هـذه المرحلة الناحية شبه الهندسية، والتسمية كتعبير عن عدم اقتناعه بالقدرة على التعبير عما رسمه، والحذف إذ يهتم برسم الأعضاء التي تبرز الوظيفة والحركة، بينما يهمل ويحذف العناصر التي لا تخدم الرسالة التي يريد التعبير عنها، ومن ذلك حذف اليد اليسرى، وإبراز مقابل ذلك اليد اليمنى.
4- مرحلة المدرك الشكلي (7-9 سنوات): تتميـز رسـوم الأطفـال في هـذه المرحلـة باستحضار الجوانب التالية:
- التكرار الآلي: كتعبير عن الاستقرار في رسومه، وتمكنه م رسم مجموعة من الأشكال المعبرة عن ثقافته المرئية، ومنها أشكال معينة للتعبير عن الشجرة، وأخرى عن الانسان وهكذا...
- الوضع المثالي: من قبيل رسمه الطائرة والسمكة والحيوان بشكل جانبي،بينما يرسـم الإنسـان بالوضـع الأمامي، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى رغبته في زيادة التوضيح، ثم التسـطيح، وفي هذه السمة يحاول الطفل أن يظهر لنا عدة جوانب للشكل المـراد رسـمه، دون أن يحجب جانب عن الجانب الآخر، فعلى سبيل المثال يرسم الطاولة مسطحه، ثم يبني الأرجل الأربعة على جوانب مسطح الطاولة.
- الشـفافية: كدلالة عن رغبـة الطفـل في التعبير عـن الأشـياء التـي يعرضـها،فيعمل على إظهار عناصر مخفية في الواقع، كأن يرسم السمك ظاهراً فوق سطح البحر، وهو ما يؤكد حقيقة أن الطفل يرسم ما يعرفه لا ما يراه.
- المبالغـة والإطالـة: إذ يطيل في رسم بعض العناصر تبعا لأهميتها بالنسبة إليه.
- الميـل: وهذه السمة في الواقـع نـوع مـن التوافـق بـني الحقيقـة المرئيـة، والحقيقـة الفكرية، حيث يدرك الطفل أن الأجسـام يجـب أن ترتكـز عـلى خـط الأرض، إلا أن هنـاك حالات يكون فيها خط الأرض متعرجاً، أو على شكل قوس، ولهـذا يظهـر الميـل.
- التماثل: كرسـم الجهـة اليمنـى مماثلة للجهة اليسرى، ومن ذلك رسمه الأزهار والأوراق على غصن شجرة، ويرسـم بنفسـه الأزهـار والأوراق على غصن آخر.
- خـط الأرض: عندما يبدأ في إدراك مظاهر الحياة،وضرورة توفر قاعدة ترتكز عليها الأشياء.
- الجمع بني الأمكنة والأزمنة: إذ يرسم الطفل دون أن يتقيد بالمكان والزمان، كـأن يرسـم الفلاح عندما يستيقظ مبكراً وفي أثناء ذهابه للحقل، والعودة إلى بيته، فتمثله للزمان في هذه المرحلة غير دقيق وثانوي بالنسبة له.
5- مرحلة محاولة التعبير الواقعي (9-11 سنة): تتميز هذه المرحلـة بـالتحول مـن الاتجـاه الذاتي إلى الاتجاه الموضوعي، لتصبح الرسومات أكثر واقعيـة، وتختفـي شيئا فشيئا بعـض المظاهر الفنية التي أتينا على ذكرها سابقا.
6- مرحلة التعبير الواقعي (11-13 سـنة): تتميـز هـذه المرحلـة بزيـادة واقعيـة الطفـل في التعبير الفني، والتخلص من جميـع المظـاهر السـابقة، وإدراك النسـب، وإبرازهـا في أعماله الفنية، وإن لوحظ توجه الطفل نحو التقليل من انتاجاته الفنية.
7- مرحلة المراهقة (13-18 سنة): حيث ينتعش الرسم مرة أخرى لدى كثير من الأطفال، وتبـدأ معظـم الخصـائص السـابقة بالاختفاء من رسوماتهم، مع ميل واضح نحو الواقعية.
آثار التربية الفنية على المتعلم:
لا شك أن النظرة الشمولية للتربية تبرز أهمية تربية الناشئة على الفن، على أساس توجيه شخصية الفرد نحو الأفضل، وتيسير ارتباطه بالجماعة التي ينتمي إليها. من هنا فمن الصعب الفصل بين التربية والفن، فأي تربية تتضمن جوانب فنية مهما تفارقت عنه، والأصل أن يدمج الفن فيها بشكل محوري، «فكلاهما يمثلان شبكة من العلاقات يتمخض عنها ما يمكن اعتباره تربية فنية ترتكز على النمو الجمالي والابداعي لدى الفرد من خلال تحسس الجمال بسائر الحواس»[4]. من هنا، تسعى التربية الفنية، كمادة دراسية تعنى بفتح المجال لإبداع الأطفال فنيا وتشكيليا، إلى تحقيق جملة من الآثار الإيجابية في شخصية الطفل، ومنها:
1- الآثار الفكرية: عبر تنميـة قـدرات الأطفال عـلى اكتسـاب المعـارف والمهـارات والثقافـة الفنيـةلمجموعة المفاهيم والمصطلحات الفنيـة، وفهمهـا لمسـاعدتهم في كشـف الحقـائق، وتنميـةقدراتهم على حل المشكلات التي تواجههم. بالإضافة إلى تعرفهم على معنى الفن،وعناصره، وبنائـه، وعـلى الأدوات والخامات والمـدارس الفنيـة، وأشهر الفنانين ولوحاتهم، وأثرها على الفنون اللاحقة لها، وسياقات انجازها.
2- الآثار الوجدانية: تنمية قدرات الطفل لاكتساب الأنماط الأدائية الصحيحة، من خلال القـيم الأخلاقيـة والروحية، بهدف تنشئته على المواطنة، والإحساس بالانتماء، وتنميـة شـعوره بالمسـؤولية واحـترام النظـام العـام. فالفنان بطبعه، يعيش على واقع تحقيق «التكامل بين أحاسيسه، ومشاعره وانفعالاتهن وأفكاره، من جهة، والتقاليد والعادات السائدة في المجتمع»[5]، من جهة أخرى.
3- الآثار البصرية: تنمية قدرات الطفل على الملاحظة الدقيقة، والرؤية الصحيحة للأشـياء، وهـي غايـة تعمل من خلالها التربية الفنية على محو الأمية البصرية، إذ تنمي في الطفل الذوق الرفيع، والاحساس بالجمال، «فالفن والتربية الجمالية، عمليتان مترابطتان»[6].
4- الآثار الاجتماعية: تنمية الثقة بالنفس، وروح المبادرة، والاعتماد على النفس، للتكيف بشكل إيجابي في المجتمع، والتعايش والتفاعل معه، واحترام قيم الجماعة، والعمل بـروحالفريق.
5- الآثار المهارية: تنميـة القدرات المعرفية والمهارية لدى الطفل،وتطوير ملكاته الفنية والأدائية، بما في ذلك تعويده على استخدام الأدوات والمـواد والتجهيـزات بطريقة آمنـة وصـحيحة، لإنتـاج أعمال فنيـة تحترم الذوق وتنميه، وتنفع المجتمع.
6- الآثار الجمالية: تنمية الملكات الجمالية والذوقية لدى المتعلمين، لجعلهم قادرين على إصدار أحكام دقيقة وصحيحة، تنضبط لمعايير الجمال والجودة والاتقان.
7- الآثار الإبداعية: تحفيز شخصية الطفل على رؤية الأشياء المألوفة بمنظور فني لا يدركه الانسان العادي، والتعبير عن الواقع والخيال بصيغ فنية مبدعة، تفتح لآفاق ابداعية أرحب. كما أن الأنشطة الفنية مجال لتفريغ الانفعالات، والطاقات بشكل إيجابي، يجعل المتعلم يشعر بالتميز والمسؤولية، والمبادرة في إنتاج ما ينفع المجتمع.
المشاكل والتحديات التي تعترض تدريس مادة التربية الفنية:
رغم أنها مادة تعليمية مندمجة في تكوين شخصية الإنسان، ومرافقة لبنيته السلوكية والأخلاقية، ومؤثرة بشكل كبير على نظرته للكون والطبيعة وتعامله مع الأشياء، فإن التربية الفنية لا تلقى ذلك الاهتمام الذي يعكس مدى ارتباطها بالإنسان، وقدرتها على تنمية ذوقه، ورفع مستوى إدراكه للأشياء. فالإهمال سمة تكاد تكون علامة بارزة في البرامج والمناهج الدراسية، ولعل مرد ذلك إلى مجموعة من العوائق والتحديات التي تحول دون إنزالها في المقام الذي يليق بها، ومنها:
- المدة الزمنية المخصصة لتدريس المادة: وهي مدة على قصرها فإنها مخصصة لتدريس فروع متعددة من الفنون، وهو ما لا يسمح بتنمية الجوانب المهارية المنشودة في شخصية المتعلم، ولا التعرف على المبادئ الرئيسة للفن عموما. فالمدة القصيرة المخصصة لتدريس التربية الفنية لا تسمح في الأخير بتنمية الذوق، ولا الإدراكات الحسحركية الواجب توفرها في الإنسان.
- تقوقع المادة داخل فضاء المؤسسة وانفصالها عن الواقع: عادة ما يتم الاكتفاء بتدريس الفن داخل الفضاء المؤسساتي دون خلق امتدادات في الخارج، من قبيل المعارض والمسابقات الفنية التي تضطلع بمهمة إدماج الفن في الحياة. وإن توفرت هذه المعارض فعادة لا تكتسي تلك الأهمية التي تمنح للمواد العلمية والأدبية الأخرى، وتبقى دون الجاذبية المطلوبة، وإن كان الفن مفعم بالنشاط والحياة.
- عدم اهتمام المجتمع والأسر بتحقيق أبنائهم للكفايات الفنية: وانشغالهم بوظيفية المواد التعليمية، وإن كان الفن مقرونا بتحسين أداء الفرد، فكلما ارتقى ذوق الفرد فنيا كلما ارتقى انتاجه، وسما حسه العلمي والأدبي. كما أن مرد هذا العزوف، يعود في جوانب منه، إلى تعامل المجتمع مع الفن من وجهة نظر دينية وثقافية ضيقة.
- المنهاج الدراسي: ويتجلى ذلك في قصر مدة تدريس المادة، وطبيعة المواد المدرسة. فالتربية الفنية كما هي منزلة ضمن المنهاج الدراسي، تبدو مادة ثانوية لا تحظى بالأهمية التي تنالها باقي المواد، وهو ما يجعل عددا من الأساتذة يتجاوزونها، أو يخصصون حصتها لامتدادات معرفية أخرى.
- شخصية الأستاذ: طبيعة المادة تفرض إلماما ومعرفة من لدن الأستاذ بمبادئ الفن، وأدواته ومعارفه، أي تكوينا خاصا في الفن قد يستغرق زمنا، والأحرى توفير أستاذ خاص بالمادة. ولعل الجهل بمبادئ التربية الفنية، هو ما يدفع الكثيرين إلى القفز عليها. إضافة إلى أن انشغال المدرس بضبط المتعلمين لا يحمسه على تدريس مادة تخلق فضاء للتحرر والابداع والانطلاق.
- تنوع وتعقد الخامات والأدوات الفنية: وهو الأمر الذي يدفعنا إلى الحديث عن صعوبة توفير الأدوات والخامات الفنية خلال حصة التربية الفنية، وما يقتضيه ذلك من تدريب للمتعلمين على ضرورة توفيرها، والاقتصاد في استخدامها وتنظيم التعامل بها.
المراجع
[1] السير هربرت إدوارد ريد (1893 – 1968)، مؤرخ فن إنجليزي، ناقد أدبي وشاعر وفيلسوف، ألف العديد من الكتب في الفن والتي كان لها أثر بالغ على تطوير طرائق تدريس الفن في انجلترا والعالم، وهو أحد الرواد والمؤسسين لمعهد الفنون المعاصر، أثرت فلسفته عن الفن في نقد الأعمال الفنية وتدريس الفن عموما.
[2] فيكتور لوينفليد (1903 – 1960)، نمساوي الأصل، وأحد أبرز أساتذة تدريس الفن في جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة، أثرت آراءه وتحليلاته للفن على توجهات العديد من مدرسي الفن بعد الحرب العالمية الثانية، اهتم بفن الأطفال، وشدد على تدريسه كأحد أساسيات تكوين الفرد.
[3] أنظر في هذا الصدد:
_ خالد محمد السعود، "مناهج التربية الفنية بين النظرية والبيداغوجيا"، الجزء 1، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى، 2010.
_ محمد محمود الحيلة، "التربية الفنية وأساليب تدريسها"، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الثالثة، 2008.
[4]أحمد جميل عايش، "تدريس التربية الفنية والمهنية والرياضية"، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى، 2008، ص 24.
[5]محمد محمود الحيلة، "التربية الفنية وأساليب تدريسها"، مرجع سابق، ص 27.
[6]نفسه، ص 28.