JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


الصفحة الرئيسية

المقاومة برصاصة الجمال: من عهد الأدارسة إلى معركة أنوال (الجزء الرابع)


 


ياسين الحراق - شاعر وباحث في التاريخ


الشعراء والمقاومة الريفية:

 

   

استطاع الريفيون عبر قيادة "محمد بن عبد الكريم الخطابي"، تحقيق انتصار ساحق في موضع "أنْوال" عام 1921م[1] ما دفع القوات الإسبانية إلى التقهقر غربا في اتجاه "مليلْية". بينما وصفت المعركة من قبل الدبلوماسيين الإسبان بالكارثة الكبرى؛ لأن ضرباتها شلت معظم تحركات جيشهم. في حين اعتبرت (المعركة) في البقاع العربية «بأكبر هزيمة ألحقها جيش عربي بجيش أوربي في التاريخ الحديث»[2] بعد أن خسر الإسبان أكثر من «1800 جندي واستولى المجاهدون، على 19504 بندقية، و352 رشاشا، و129 مدفعا، كما أسروا 1100 جندي.» [3]  فضلا عن مستودعات الذخيرة والمؤن.

      كما تمخض عن المعركة الريفية، نمو الروح المعنوية لدى الثوار المغاربة باعتبار الصيت الذي حققته قد انتقل إلى الفلاحين المتاخمين في جبال الأطلس وفي مناطق الجنوب وبالتالي ألهبت حماسهم لمواصلة الكفاح وكشفت عورة المستعمر فتأكد اقتناعهم بأن بقاء هذا الأخير غير دائم إلى الأبد.

 وفي الوقت نفسه، ألهب هذا النجاح كذلك، قريحة الشعراء في سبك إبداعاتهم وإبداء مواقفهم وأرائهم نحوها، حيث يشير "محمد أديب السلاوي" في مؤلف "الشعر المغربي مقاربة تاريخية 1830-1960" إلى ضياع عدد كبير من القصائد التي حيكت حول المقاومة الريفية،[4] ومع ذلك فقد وصلتنا بعض النتف الشعرية التي واكبت أطوار المقاومة بالشمال؛ فمن بين المقاطع الشعرية التي سجلت، قصيدة "نشيد الثورة الريفية" للشاعر "أبو بكر بناني" التي تفتخر بشخصية "محمد بن عبد الكريم الخطابي" :

 

« فخرنــا عبد الكريـم بن الكــرام   واسألــوا الله انتصـار المسلمـين

يا بنــي المغـرب هيـا للقتـــال   واستعــدوا للوغـى قبل النـزال

أنتم والله شجعـــان الرجــــال  واسألــوا الله انتصــار المسلمين ».[5]

 

 لا تتوقف القصيدة على تعبئة سكان الشمال على للجهاد، فأبو بكر بناني يتعدى ذلك عبر رصاصاته الشعرية ومن ثمة يدعو كل المغاربة إلى التلاحم والوحدة في مناكفة المستعمر شمالاً وجنوباً وترك كل الخلافات في مكان سحيق:

«يا بني المغربِ، ما هذا الرقادْ    ما لكم صرتم كأمثال الجمادْ؟

فدعوا النومَ وقوموا للجهاد    واسألوا اللهَ انتصارَ المسلمينْ

يا بني المغربِ، ما هذا الفتورْ   كلُّ فردٍ منكمُ حُرٌّ غيورْ

طَهِّروا الأوطانَ من كلّ كَفورْ   واسألوا اللهَ انتصارَ المسلمينْ

يا بني المغربِ، إنّ الوطنا   تقتضي سمعتُه طرحَ الونى

فاحملوا الصمصامَ مع سُمْر القنا   واسألوا اللهَ انتصارَ المسلمينْ

يا بني المغرب هبو هبة   واضربوا وجه فرنسا ضربة

ذكرها يبقى عليها سبة   واسألوا الله انتصار المسلمين» [6]

 

   إلى جانب "نشيد الثورة الريفية"  نجد نشيدا آخر يتغنى بأمجاد المقاومين بعد الانتصار الذي حققوه في معركة "أنوال" أورده الأستاذ "محمد حسن الوزاني" ضمن مؤلفه "مذكرات حياة وجهاد"، ورغم أن النشيد ينسب للشاعر الفلسطيني "إبراهيم طوقان" إلا أن الريفيين اتخذوا منه نشيدا رسميا:

 

«كلنا  نطرب لانتصـار الأبي

كلنا يعجب بالفتى المغربي

أين جيش العـدا إذ دعا للجهاد»[7]


      وبعد الانتصار الذي حققه "محمد بن عبد الكريم الخطابي" في "أنْوال"، تفرغ للعمل على لم شمل القبائل الريفية وفق تنظيم دقيق يشرف عليه بنفسه. وقد تأتى له ذلك عبر مؤتمر استدعى إليه ممثلي القبائل الريفية. انضمت بموجبه عدة  قبائل إلى صفوفه كالقبائل الواقعة بالغرب الريفي وجنوبه. وبهذا التحالف اكتمل اتحاد القبائل الريفية،[8] وكان من ثمار هذا الاتحاد أن تمت السيطرة على كل الريف باستثناء مدن العرائش وسبته ومليلْية وتطْوان.

    تزامنا مع هذه الأحداث، كانت مخاوف الفرنسيين قد تزايدت نتيجة النجاحات التي حققتها المقاومة الريفية وبدا واضحا تقدمها في اتجاه ممر تازة الشرقي ما يمثل تهديدا صريحا للمصالح الحيوية الفرنسية، وبالتالي لم تتأخر في حل خلافاتها مع إسبانيا خاصة تلك المتعلقة بمنطقة طنجة الدولية التي كانت قد طالبت بها الحكومة الإسبانية. وبما أن العيون الريفية كانت متيقظة اتجاه التحالف الفرنسي الإسباني، سارع الريفيون إلى توجيه ضربات خاطفة ضد فرنسا[9] بعد أن صار غير ممكن حياد هذه الأخيرة. وحول هذا التحول الاستراتيجي، يحيلنا الشاعر "محمد الناصري بن اليمن" عن أول هزيمة مؤلمة تتلقاها القوات الفرنسية في الشمال:

 

« أنظــروا لما تلقى فرنســا منه   قصدت بشامخ مجده استخفافا

جاءت بمعظم جيشها وعتادها    فاستنزفته رجاله استنزافا

وأدال دولتها بفرط دهـائه   وتمزقت أحزابها أطرافا

حتى أثار بمجلسها ثورة   شعراء ترجو الهدنة واستعطافا »[10]

 

     ورغم المقاومة الشرسة التي أبداها الريفيون في مواجهتهم للجيوش الفرنسية «يمكن القول أنه أصبح من الصعب على حركة المقاومة، بعد التدخل الفعلي الفرنسي في الحرب، مواصلة كفاحها بنفس الفعالية ضد دولتين استعماريتين، خاصة وأن فرنسا جندت كل طاقاتها العسكرية والدبلوماسية».[11]

     وهكذا بدأت الغارات المنسقة بين القوات الإسبانية والفرنسية في أواخر سنة 1926م حيث «شنت فرنسا عملياتها العسكرية من الجنوب بينما تم إنزال الجنود الإسبان في خليج الحسيمة بجيوش بلغ تعدادها زهاء نصف مليون جندي»[12]، واستخدمت في هذه العملية شتى الوسائل والتقنيات المسخرة لقمع الريفيين، مما يحيلنا على تفوق عسكري كبير إذا ما قورن بمعدات محمد بن عبد الكريم الخطابي البسيطة، إذ لم يستطع وقف الزحف الفرنسي الإسباني المتواصل. ما اضطره إلى تسليم نفسه يوم 23 سنة 1926م.[13]

 

      ورغم انتكاس المقاومة الريفية باستسلام زعيمها، إلا أن صيتها داع بعيدا في المشرق العربي، بل وانتقل كعدوى إلى باقي الأقطار العالمية الأخرى أشهرها، انبهار "أرنستو تشي جيفارا" بشخصية الخطابي فكان طبيعيا أن يؤثر نجاحها حتى على بعض الكتاب المشارقة المرموقين في ذلك الوقت كـ "معروف الرصافي" و"علي محمود طه" و"محمد علي اليعقوبي" و"ابراهيم طوقان"، حيت أبدوا إعجابهم بشخص الخطابي باعتباره شخصيةً فده قدحت بها كف السماء :

 

«في المغرب الأقصى فتى من نورها   قدحت به كف السماء زنادا

سلته سيفا كي يحرر قومه   ويزيل عن أوطانه استعبادا»[14]

 

المراجع



1- إسماعيل أحمد ياغي محمود شاكر ، تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، الجزء الثاني ( قارة إفريقيا )، دار المريخ للنشر، الرياض – المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى: 1993، ص: 153.

2- إسماعيل أحمد ياغي محمود شاكر ، مرجع سابق، ص: 153.   

3- الوزاني محمد حسن ، مذكرات حياة وجهاد ( التاريخ السياسي للحركة الوطنية التحريرية المغربية ) ، الجزء الثاني، منشورات مؤسسة محمد حسن الوزاني، بدون تاريخ، ص: 58.

4- السلاوي محمد أديب ، الشعر المغربي مقاربة تاريخية 1830-1960، مطبعة أفريقيا الشرق، الدار البيضاء ، طبعة 1986. ص:126.

5-  نفسه، ص:127.

6- نفسه، ص : 127.

7- الوزاني محمد حسن ، مرجع سابق، ص: 453.  

8 - القاضي محمد محمد عمر ،  أسد الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي ، مطبعة ديسبريس، تطوان 1981، ص: 45/53.

9- يحيلنا الدكتور محمد خرشيش  في مقالاته بمجلة شراع ( المقاومة الريفية ) على تسلسل كرونولوجي لاتفاقيات التحالف الإسباني الفرنسي الذي مر على مراحل متعاقبة يمكن إجمالهها في اتفاق 9 يوليوز و 11 يوليوز ونوفمبر 1925 و 6 فبراير و17 مارس 1926. أعقبت نتائجها تنسيق العمليات العسكرية بين فرنسا وإسبانيا .

10 - السلاوي محمد أديب ، مرجع سابق، ص: 129 .

11- خرشيش محمد ، " المقاومة الريفية "، (مجلة) سلسلة شراع، عدد 32، ديسمبر 1997، ص: 26.

 

12- عسه (أحمد)، المعجزة المغربية، دار القلم للطباعة، بيروت ، الطبعة الأولى 1975.ص:177.   

13- محمود شاكر إسماعيل أحمد ياغي، تاريخ العالم الإسلامي الحديث والمعاصر، الجزء الثاني ( قارة إفريقيا)، دار المريخ للنشر، الرياض – المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى: 1993.ص:157.

14- طه علي محمود ، ديوان شرق وغرب، دار إحياء الكتاب العربية،  ط 1، 1947، ص : 134.  




المقاومة برصاصة الجمال: من عهد الأدارسة إلى معركة أنوال (الجزء الرابع)

نورالدين البكراوي

تعليقات
    الاسمبريد إلكترونيرسالة