JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


الصفحة الرئيسية

مدخل إلى دراسة الدعاية السياسية

 



نورالدين البكراوي - باحث في العلاقات المغربية الإسبانية ونزاع الصحراء



كانت الدعاية مَركَبة تُمتَطى لإدراك أنأى المُنى وجعلها أقرب في مُتناول العين واليد، ولا زالت تُتّخذُ كذلك إلى اليوم، كواحدة من أهم الملاذات الأثيرة، ذات الأبعاد المتشعبة، التي تتحصّن بها البشرية عامة، والأنظمة السياسية والمؤسسات والشركات العملاقة خاصة، من خلال القنوات الاتصالية والوسائط الإعلامية المدفوعة من قبل أشخاص يقودونها، ومن أهداف محددة تسعى إليها، ومن نوازع وخطط مرسومة بدقّة تكمن خلفها وتحرّكها مثلما شاءت كأحد أقوى أذرع "القوة الناعمة"[1]، ولكم في النزاع المسلح المشتعل حاليا بين روسيا وأوكرانيا، خير مثال على الحرب الطاحنة بين الدعاية والدعاية المضادة.

هكذا أيضاً تعد الدعاية من أكثر الأدوات والخطابات التواصلية - قديمها وحديثها- وأخطرها، المستخدمة على نطاق رسمي وشعبي واسع عبر التاريخ، بأشكال متنوعة، في مختلف النشاطات والمجالات الإنسانية المتعددة، من الصحافة إلى الرياضة إلى الثقافة فالآداب فالفكر والفنون حتى نصل إلى الأديان وغيرها؛ حيث يتم توظيفها عادة كتقنية ناعمة للإشهار بقصد تحقيق تأثير اجتماعي أشمل حول ظاهرة ما، أو لتصريف غايات ولجلب مقاصد ولإشباع أهواء مرغوب فيها. كما تُستعمَل فضلا عن ذلك، بشتى الطرق عموماً، لكن بواسطة المشاهير غالباً، وعلى متن الآليات الإعلامية الجبارة، وسيلة ثقيلة للإذاعة الاقتصادية لأحد المنتوجات– مثلا-، أو بغرض الاكتساح الثقافي لتثبيت شعارات مُوَجَّهَة في حقول متباينة، ولزرع مصطلحات ما في أتربة متفاوتة، لترسيخ سلوك مُعيّن في ظلها والتصرف على منواله - مثلا ثانيا-، لكن الدعاية تًستعمل كذلك لتخدير عقول الجماهير الساهية واستمالتها فوق ذلك، لحملها على القبول بفكرة أو بشيء ما. ومن ثم عملها طامحة، لإشاعة أفكار سياسية، ولنشر معلوماتٍ من كل نوع قد تكون حقيقية، أو مغلوطة، أو مفبركة، مع العقائد والأيديولوجيات الصادرة من منظمات أو جهات- معلومة أو مغمورة- تتبنّاها وتتوخى كل واحدة منها على طريقتها، إيهام الآخرين بواقعيتها وفاعليتها، وإقناعهم بها في نهاية المطاف.

الدعاية والسياسة[2]

لا ريب في أنّ الدعاية وثيقة الصلة بالسياسة. لهذا فنحن عندما نتحدث عن دعاية سياسية، فمن الطبيعي أن يتجه فهمنا إلى أنّ الهدف من ورائها سيكون هو ربط المواطن بحزب أو موقف أو أيديولوجيا أو نظام مُحصصّ ومُسيّس، قصد تبني أفكار بعينها والعمل على الإيمان بها، الشيء الذي سيسهل تأطير السلوكات وتغيير أنماط العيش وأساليب التفكير من أجل السيطرة عليها جميعاً.

وكما يحسُن بالذكر، فإنّ أداة الاتصال هاته قد بدأ استخدامها في أنظمة مثل الشيوعية والنازية أو حتى الحكومات الأمريكية، التي نفذت حملات ترويجية قوية لجذب المواطنين ووضعهم في قلب المشهد، للالتزام بالنظام والمشاركة في الجيش أو لتشجيع المرأة على العمل في المصانع. أما اليوم، فإذا نظرنا في هوية هذه الحملات، فإننا سنلمحها ما فتئت تُستخدم لغاية إصابة التأثير ذاته في رأي الجماهير أملاً في الحصول على أصوات وأعضاء الأحزاب السياسية. من جهة أخرى، ترتبط الدعاية ارتباطًا وشيجا بالسياسة،إذ تعتمد عليها الحملات الانتخابية إلى حد كبير، حيث يتم اللجوء إليها من خلال وسائل الدعم والإعلام المختلفة، لإنشاء خطة اتصال مقنعة مع المقترحات والخطب والموارد لإثارة الناخبين المحتملين. كما يتم العمل والتركيز على إيماءات وشخصيات المرشحين وتحركاتهم وعلى عائلاتهم سعياً إلى خلق حالات تشويق عاطفية، وانفعالات في قلوب وعقول ونفسيات المواطنين قدر الإمكان، لعلّ مشاعرهم تهتز لها، ثم يتم الحصول عقب ذلك على دعمهم في صناديق الاقتراع. ربما قد لا نجانب الصواب إن ذهبنا إلى التأكيد على أنّ الولايات المتحدة تعتبر الدولة المتفوقة التي تستخدم هذه الإستراتيجية بامتياز أكثر من غيرها.[3]

أصول الدعاية

يأتي مصطلح الدعاية من اللاتينية Propaganda بمعنى: «الأشياء التي يجب نشرها»، وكان البابا غريغوري الخامس عشر في عام 1622، بعد فترة وجيزة من حرب الثلاثين عامًا، هو الذي شكل: "Congregatio de Propaganda Fide"، وقدمها على شاكلة هيئة لنشر الإيمان، تشتغل تحت إمرة وسلطة الكوريا (جهاز إداري وتنفيذي واستشاري يتشكل من جماعة من الكاردينالات) الرومانية، الخاضعة لسلطة البابا، ويتمثل دورها في الحرص على نشر المسيحية من قبل المبشرين بين مختلف الدول غير المسيحية[4].

بينما في العصر الحديث، فمن الظاهر أن الدعاية ارتبطت ارتباطًا مباشرًا بقيام دولة ما بعد الثورة الفرنسية وحكم نابليون بونابرت. وقد تم تنفيذ الدعاية في سياق مرحلتها خلال الحكومات الاستعمارية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكنها اكتسبت قوة أكبر بكثير خلال الأنظمة السياسية الشمولية في القرن العشرين، عندما تم تطبيقها علميًا آلية فنية للتخطيط القبْليّ للعمليات الحربية قبل نشوب الحروب، بمساعدة وسائل الإعلام في مهمتها المتمثلة في إقناع البشر بمزيد من العدوانية والقتال. وهو ما جسّدت واقعيته بعدئذ التقنيات المدمرة مثل: "الحل النهائي" لهتلر، أو "القفزة العظيمة للأمام" لماو.

كان ذلك في الحقبة النازية عندما أثبت أدولف هتلر على يد وزيره الداهية جوزف غوبلز، أن أساس الدعاية هو التكرار المستمر لعدد صغير من الأفكار التي تركز على كتلة يُفترض أنها تفتقد إلى الفهم وتفتقر إلى الذاكرة. كل دول العالم تمارس الدعاية، لكن بنسب متفاوتة ولأسباب مختلفة، من أغراضها الاستقطاب، والوصول إلى المطالب، وتحقيق أعظم المصالح ودرّ أوفر المكاسب والمنافع. لكن هذه القاعدة هل تنطبق على دولة الجزائر؟ وأين تتجلى ملامح طوبوغرافيا الدعاية السياسية لديها؟ ذلك ما سنحاول مقاربة شيء منه في المقال القادم على موقعكم باب المغاربة الذي يحمل عنوان طوبوغرافيا الدعاية السياسية الجزائرية:، لعلّنا نلامسه ويصبح كذلك في هذا المقال.

المراجع


[1] يُنظر-: جوزيف ناي: القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية (2004، Public Affair) ، ترجمة محمد توفيق البجيرمي، مكتبة العبيكان، الرياض، 2007.

[2] راجع-: غى دورندان: الدعاية والدعاية السياسية، ترجمة د.رالف رزق الله ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع . بيروت. 1986.

[3] جان ماري دانكان: علم السياسة ، ترجمة محمد عرب صاصيلا ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع . بيروت، 1997، الصفحات: 191-204.

[4] Alejandro Pizarroso Quintero: Nuevas guerras, viejas propagandas de Veitnam a Irak, Ediciones Cátedra, Madrid, pág, 54.

 

 




مدخل إلى دراسة الدعاية السياسية

نورالدين البكراوي

تعليقات
    الاسمبريد إلكترونيرسالة