JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


Home

السينما والأدب: جدلية التأثير والتأثر

 




ذ.لحســــــن هبـــــــوز -باحث في السينما والفكر


يحكى أنهعندما شاهد الروائي المصري المعروف نجيب محفوظ، أحد الأفلام السينمائية التي اقتبست من روايته المشهورة "زقاق المدق" ، خرج من قاعة العرض بعد نهاية الفيلم، صارخا : "هذه ليست قصتي".

تبعا لهذه الصرخة المعروفة. هل بإمكان اقتباس قصة فيلم ما من عمل أدبي؟ أليس ذلك مجازفة خطيرة لتشويه ذاك العمل؟ وكيف يمكن اقتباس نصا أدبيا ما وتحويله إلى فيلم، ما دامت رؤية الكاتب مفصولة عن رؤية المخرج لموضوع اشتغاله؟ أصلا هل يكفي الطابع البصري لمجال رؤية المخرج للنجاح في النفاد إلى عمق العالم الخيالي لكاتب معين؟ ماذا عن النجاح الذي حققته بعض الأفلام السينمائية في اقتباسها لأعمال أدبية؟ ألا يكفي أن نقول أن الأدب والسينما هما نسقين تعبيريين يهدفان إلى خلق التواصل وهل هما ضمانة كافية لهذا النجاح، أم أن المسألة كلها مرتبطة بلغة التعبير؟ ففهم الصورة المتحركة مختلفة عن بلاغة الكلمات ؟

على سبيل البدء :

بالعودة قليلا إلى الوراء، نصادف أن أول فيلم في تاريخ السينما مقتبس من الأدب كان في سنة 1896، سنوات قليلة بعد اكتشاف السينما، حيث تم تقديم جزء من رواية الكاتب الفرنسي جورج دي موغي، في مشهد لم يتجاوز مدته 45 ثانية، قبل أن تقدم الرواية كاملة بعد ذلك في سنة 1915، عبر فيلم صامت، بلغت مدته 59 دقيقة، هكذا إذن نشأت علاقة السينما بالأدب، ويمكن أن نؤكد على أنها علاقة قديمة، حتى قبل ظهور ما يسمى السينما الناطقة. ولعل أهم اقتباس شكل بداية هذه العلاقة هو لحظة استعانة رائد السينما الفرنسية جورج مولييس بروايات الأديب الفرنسي JOUL VIGENE، ليصنع فيلمه الشهير "رحلة إلى القمر"، سيرا على هذا النهج شكلت مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي طفرة مهمة في هذه العلاقة خاصة في السينما الفرنسية، والتي كانت في تلك الفترة تعيش فترات أوجها وتألقها، إذ تأثرت بشكل واضح بمدرسة الموجة الجديدة في هذا البلد بالوجودية كتيار فكري وأدبي، مما جعل أبرز المخرجين الفرنسيين آنذاك من أمثال ألان رينيه، وجان لوك غودار، ثم فرنسوا تروفو يقدمون أفلاما تحمل هذا الاقتباس الأدبي والفكري. وفي هذا المنحى يؤكد المتابعين للشأن السينمائي أن رواية "OLIVER TWIST"، للكاتب "CHARLES DICKENS"، أشهر رواية تم اقتباسها في تاريخ السينما، حيث بلغت الأفلام المقتبسة من هذه الرواية أكثر من 20 فيلما، ومن خلالها قدم كل مخرج معالجة خاصة للرواية، أخرها معالجة المخرج البولندي المعروف رولان بولانسكي في سنة 2005.

في صنف أخر من الأدب شكل فن المسرح العمود الفقري لهذه العلاقة، رغم أن هناك عداء واضح بينهما، فالمسرح طالما ينظر إلى السينما كفن دخيل، باعتباره هو أرقى اشكال التعبير ظهورا في التاريخ، لكن هذه العلاقة سرعان ما ستذوب لتتشكل معالم التعاون والتي أدت إلى سيطرة السينما لاحقا. إن كل المقومات الأساسية لإخراج عمل فني كانت متوفرة في المسرح قرونا قبل ظهور السينما، هذه الأخيرة، وفي جنينيتها اعتمدت بشكل واضح على سخاء المسرح، بل أكثر من هذا لطالما تقيدت بتقاليده، سواء في التشخيص أو في الأزياء أو حتى في القصص التي بنيت عليها حبك أفلام سينمائية، قبل أن يأتي العصر الذي انسلخت فيه السينما من جلد المسرح، فأصبح لهذا الفن لغة خاصة بها، كما لها مواضيع سينمائية تعمل على معالجتها. لكن رغم هذا الانسلاخ، فأنه لا يمكن نكران الكم الهائل من الاقتباس الحاصل، إذ حولت مسرحيات مشهورة إلى أفلام سينمائية، ولنا خير مثال في أعمال المسرحي الانجليزي وليام شكسبير، كما يمكن أن نسوق مثال اقتباس فكرة المسرحية الشهيرة فاوست لغوته، فهذا النموذج يستوقفنا على أن هذه العلاقة تجاوزت مسألة نقل عمل مسرحي إلى الشاشة الكبيرة، إلى اقتباس الفكرة الرئيسية، ففكرة عقد البطل فاوست اتفاق مع الشيطان ليسلمه روحه من أجل مقابل التمتع بالثروة والسلطة، شكلت محور قصص العديد من الأفلام.

أما الشعر، فيظل له حضور رمزي عميق في السينما، خاصة في جوانب عديدة، مثل اللغة والصورة والخيال والموسيقى.

السينما والأدب ومحور الجدل :

يكمن الصراع الحقيقي بين العمل الأدبي والعمل السينمائي في مستوى مهم، ألا وهو على مستوى المتلقي، فطبيعة الاختلاف بين اللغة السينمائية المرئية واللغة الأدبية المتخيّلة أفرز لنا تباين واضح، يجعل المتلقي، في قراءته لعمل أدبي يحس بذاتية موغولة في الخيال، فهو من يصنع عالم العمل الادبي لا سواء من ناحية الزمان أو فضاءات أحداث العمل، وكذا شخوصه، أما على مستوى العمل السينمائي، فيجد المتلقي نفسه مستهلكا أكثر مما هو منتج، فالمكان والزمان محدد له كصور متحركة، حتى على مستوى الشخوص والتي كان يتخيلها في العمل الأدبي فهي في العمل السينمائي محددة ومصنوعة. إن القارئ يفهم الرؤية الابداعية للكاتب، فهو يتبع من خلال قراءته لعمل مبدع رؤيته الأدبية والفكرية لموضوع عمله، والتي أصبحت الان لا تنصاع للصراع الكلاسيكي بين الخير والشر، عكس المشاهد العادي للسينما والذي يبحث في مشاهدته للفيلم السينمائي عن ذاك الصراع الكلاسيكي بين الخير والشر، والذي يشكل مركز حبكة كلّ الافلام التجارية، والذي ينتهي في الاخير بانتصار الخير على الشر. ولنا مثال واضح في هذا الصدد، فمثلا في الأدب الروسي الذي شهد نجاحا قل نظيره كفن روائي، إلا أن واقعيته التي تعكس الثقافة الروسية، كان عاملا في فشله عندما تم اقتباسه كأفلام سينمائية، لكن مقابل هذا الفشل، نجد اعمال أدبية شكلت أرضية اقتباس لأهم الأفلام على مدار تاريخ السينما، بل أن هذا الاقتباس زاد من شهرتها أكثر، فبعد أن حول المخرج الأمريكي المعروف فرانسيس فورد كوبولا، رواية "العراب"، للكاتب ماريو بوزو، اشتهر فيلم "العراب" أكثر من الرواية، وصار بأجزاءه الثلاثة تاريخيا من أيوقانات الفن السابع، بل صار الفيلم عاملا في لفت انتباه الناس إلى الرواية والتي كانت مغمورة من قبل .

إن هذا التباين الأولي الواضح على مستوى التلّقي يفتح أمامنا بابا على مصرعيه لتتبع الاختلاف الحاصل بين الفنين، سواء على مستوى الحوار والسرد، وأكثر من هذا على مستوى الرؤية الفكرية لموضوع اشتغال كل من الكاتب والمخرج.

أما على مستوى فن الأدب، فالكاتب هو وحده المسؤول عما يكتبه، بمعنى أنه يعبر عن رؤيته للعالم من خلال ما يكتب، في المقابل، وفي السينما يظهر أن هناك تداخل بين أطراف عديدة، فالمخرج ليس مستقلا في اخراج نظرته الشخصية لموضوع ما، فالعمل السينمائي يعرف في الغالب تدّخل أطراف إلى جانب المخرج، من أمثال المنتج والسيناريست، وكذا الممثل ومدير التصوير، هذا التداخل في العمل يطرح مشاكل عديدة من أهمها : ضعف سيناريو الفيلم والذي يفقد العمل قيمته، إضافة إلى النية التجارية والربحية للمنتج والذي يعطيه الحق في التدخل لتغيير نظرة المخرج للموضوع، هذين المشكلين وأخرى تؤدي إلى نتيجة مؤكدة وهي فشل المخرج في التعبير عن النص الذي اقتبسه، وتمييعه بشكل سطح. في جانب أخر نجد السرد هو العمود الفقري للعمل الأدبي خاصة في فن الرواية، خاصة سرد وصفي للأماكن والتعبير عن الجانب النفسي للشخصيات، أما في السينما فيمكن اعتبار الصورة الحية المتحركة هي بديل السرد، وأداء الممثلين هو من يعبر عن وصف الجانب النفسي للشخصيات. وأخيرا يجسد الحوار ميزة العمل الأدبي الروائي، سواء حوار خارجي مع الغير، أو حوار داخلي مع النفس، اما الفيلم السينمائي، فيرتكز على عنصر الحدث من أجل خلق الاثارة والدينامية الكافية في الحوارات داخل الأفلام.

في سبيل الختم :

من الواضح إذن أن السينما كمولود جديد في عالم الفن تلمس أول خطواته من خلال الاعتماد على الأدب، سواء في الشكل كما حصل مع المسرح، أو من خلال المضمون كما استفاد من الشعر والرواية بالخصوص، إن هذا المولود الجديد ومن خلال اتكاءه على الأدب استطاع أن يصير مدلل عالم الفن، لدرجة أنه تطور سريعا وفي وقت وجيز جدا، لكن رغم هذا الدلال والتطور، لا يمكن أن نخفي قيمة الصراع والجدل الحاصل بينه وبين الأدب، هذا الجدل في صيغة التأثير والتأثر.

إن السينما كفن حديث بين الفنون الابداعية، كان له حظ كبير في علاقته بالأدب، إذ لم يعد الحديث يثار اليوم من جانب الاقتباس فقط، بل صار على مستوى رؤية المخرجين في معالجة مواضيع اشتغالهم، وحتى في إبداع تقنيات جديدة والتي كانت سابقة في الأدب، مثل تقنية الاستعادة الذهنية أو ما يعرف عادة بالفلاش باك، لكن هذه الاستفادة لن تغفلنا حقيقة، عن تلك المساحة الشاسعة التي منحت لأعمال أدبية أن تعرف نجاحا كأفلام سينمائية، فصارت الصور المتحركة فرصة لجعل خيال الأدب في الحكي يتسع ويتمدد أكثر.

السينما والأدب: جدلية التأثير والتأثر

نورالدين البكراوي

Comments
    NameEmailMessage