JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


الصفحة الرئيسية

سعاد ماسي: على المغني كسر جمجمته كي ينتج جوهر الجمال

 


ذ. ياسين الحراق - شاعر وباحث


هل من الممكن اليوم المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة عبر الموسيقى ؟ أعتقد أن هذا ممكنا وهو ما يتمثل في المنجز الموسيقي لسعاد ماسي عبر ألبومها المتكلمون الصادر سنة 2015.

فقد استطاعت سعاد ماسي، مصالحة مستمعيها مع تراثهم الأدبي وتحديدا مع ماضيهم الشعري ببعث أمهات القصائد العربية القديمة والحديثة لمجموعة من الشعراء من قبيل: زهير بن أبي سلمى وأبي الطيب المتنبي وإيليا أبو ماضي وأبو القاسم الشابي والأصمعي وأحمد مطر. دفعها إلى ذلك، تتبعها للتراث العربي واهتمامها به باعتباره إرثا جمعي مشترك.

فضلا عن كون هذا المنجز، يعد تنويعا موسيقيا يتنافى مع مبدأ الانغلاق. كما أن ما يميزه، هو قدرة سعاد ماسي على الغناء باللغة العربية الفصحى مع الاحتفاظ باللكنة الجزائرية ما جعلنا نصغي إلى تراث داخل تراث.

ولا يخفى أن عملا فنيا كهذا يعد مغامرة كبرى باعتبار الأذن الموسيقية المغاربية والعربية، غير متعودة بعد على سماع مثل هذا النوع من الفولك الغنائي القائم على بعث روح الماضي الأنيقة. لأن هذه الأشكال من الغناء قد تربطها الأذن نفسها بموسيقى الكارتون.

وقد انعكس ذلك بالفعل في عدد غير قليل من التعليقات المتفاعلة حول ألبوم المتكلمين، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر صفحات الفايسبوك، وكأن عنوان الألبوم كان توقعا استباقيا للارتسامات التي ستطوف حوله وإن كان أغلبها مال نحو دعم التحول الجديد في التجربة الموسيقية لسعاد ماسي. لكن إذا تمعنا بهدوء في هذه الكتابات من زاوية أخرى فسنجدها أقرب إلى تمثلات مكونة حول المنجز الموسيقى العربي بشكل عام يطغى عليها تأثير ظاهرة تسليع الموسيقى التي طفت على الساحة الفنية العربية خلال العقود الأخيرة ومحقت بذلك عنصر الجمال والإبداع. وهذا يفضي إلى إشكالات شائكة: من يوجه الأخر، الفنان أو المستمع ؟ هل الفنان حر في اختياراته وقناعته الثقافية ؟ هل المستمع حر ولا يخضع للتوجيه البعيد المدى من طرف الوسائل الإعلامية الموجهة للذوق العام ؟ من الذي يحدد عمق الذوق الفني وتفرده ؟

إن سعاد ماسي في تقديري تنأى بنفسها عن هذه الازدواجية بالاشتغال القائم على الجدة والحفر الفني العميق، غير أن منجزا موسيقيا يقوم على التراث، لا يمكن أن يكون نوعيا كله فتمت ملاحظات تطبع ألبوم "المتكلمون".

وتتضح صعوبة المنجز في اضطرار الفنانة سعاد ماسي إلى الاستعانة بمدققين لغويين ومختصين في التراث لنطق الأبيات الشعرية بشكل دقيق. وإذا كان هذا يهم فقط الجانب اللغوي فكيف يكون الأمر بالنسبة لانتقاء الكلمات واللحن والتوزيع الموسيقي.

كما أن الصعوبة تكمن أيضا في الأداء، إذ كيف تؤدي كلمات تنتمي إلى عصر مختلف تماما عن عصرنا، ولغة مختلفة كثيرا وغير متداولة وبالتالي صعب فهمها. كيف يمكن أن نؤدي أشعارا جافة وسليطة جدا كأشعار أحمد مطر في قالب موسيقي ؟

يبدو أن الجواب مجهز سلفا لدى سعاد ماسي فهي ترى أن على الفنان كسر رأسه حتى ينتهي إلى إنتاج عوالم خفية من الجمال؛ لأن الفنان لا يستطيع أن يغير العالم ولكنه على الأقل قادر على تغيير مظاهر القبح فيه إلى ما هو أجمل وأنبل.

ضمن هذا الأفق، استطاعت سعاد ماسي أن تكسر عنصر الجمود داخل الموسيقي، وأن تمحق طابع الفولكلور عبر الدمج بين الأجناس الموسيقية العالمية المختلفة كالجاز والفلامينكو والريغي والفولك، مع الاحتفاظ بمكونين أساسيين في تجربتها الفنية: مكون الهوية المتمثل في اللغة، سواء عبر توظيفها للغة العربية الفصحى، أو عبر توظيفها للدارجة والأمازيغية، ثم المكون الاجتماعي المرتبط بقضايا اليومي وتحديدا قضايا المرأة العربية وتحدياتها داخل مجتمع عربي محافظ. وهذا النسق هو ما يعطي لموسيقاها عمقا ينأى عن مجرد الترفيه والإمتاع.

إن المدمن على سماع موسيقى سعاد ماسي، اعتاد الإنصات إلى أغاني مسك الليل، يا راوي، غير انت، دار جدي ، نبكي وغيرها ولا يستطيع الانزياح أبعد عن هذا النمط. ذلك أن الروح المسكونة بالفن، تميل إلى عد أحزانها وخسارتها أكثر من الميل نحو الحماسة والتمرد والفخر أوالفرح. ربما لأن أجنحتنا غدت أقل من أجنحة عصافير صغيرة، ولم يعد بمقدورها التحرر خارج هذه الدوامة الكونية، فتميل نحو الجراح إذ ما من مصدر آخر للجمال سوى الجراح.
سعاد ماسي: على المغني كسر جمجمته كي ينتج جوهر الجمال

نورالدين البكراوي

تعليقات
    الاسمبريد إلكترونيرسالة