JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


Home

لمحة عن الحياة الثقافية الإسبانية في شمال المغرب زمن "الحماية"

 




وليد موحن - باحث في التاريخ




وعت إسبانيا منذ أن وضعت الحماية أوزارها في المنطقة الشمالية، أن العمل العسكري غير كافي البتة لإخضاع المنطقة الشمالية وسكانها الشرسين، هذا ناهيك عن ضعفها العسكري الواضح والبين للعيان، لذلك ارتأت انه لا مناص لها من الاتجاه نحو الشق الثقافي وخدمته بشكل كافي كأحد الاستراتيجيات الفعالة القادرة على ضمان وجودها في منطقة النفوذ التي تسيطر عليها في شمال المغرب.

- كتاب: "تاريخ الحركة الثقافة الإسبانية في المغرب"، لفرانسيسكو فالديراما .Fernando Valderrama Martínez:

يعد هذا الكتاب من أجود ما كتب في شق الحياة الثقافية، وتتبع خيوطها الناظمة، فهو بمثابة موسوعة شاملة تشمل مختلف مناحي الجانب الثقافي بمجهر باحث اشتغل في كنف الحماية الإسبانية، ولم تكن له روح عسكرية، بل عمل في الشق الثقافي الذي اخذ لبه، وجعله يفرز لنا دراسة تعد أعز ما يطلب وأهم ما يكتسب في مضمار الشأن الثقافي بشمال المغرب إلى حدود الساعة. ويرد في بداية الأمر، أن فاليدراما يقر أنه قبل نزول الإسبان في المكان لم تكن هناك مدارس حديثة من نظير المدارس في البلدان الأكثر تقدما. ظلت الثقافة في دائرة من القرون الوسطى: كان التعليم دينيًا بحتًا. في بعض الأماكن تم تدريس الرياضيات وعلم الفلك؛ لكن مع كتب عربية، بعضها لمؤلفي العصور الوسطى وما زالوا يقرؤونها، مع تأكيدات تشير إلى نظرية الأرض المسطحة. باختصار، يمكننا القول أن التدريس ظل جامدا بدون تقدم ولا روح.[1]

لقد اقتطفنا هذه المعطيات ليس بغرض التعريف بهذا الكتاب، ولا تقديم وصف حوله، بقدر ما رصدنا جوانب أولية من الحياة الثقافية بالمنطقة الشمالية قبل النزول الاستعماري.

ولتمهيد الطريق أمام أشغال التهيئة الحضرية الأولى، قام بعض المراقبين الاسبان في المنطقة الشمالية بعدة ترميمات همت على الخصوص الأماكن ذات الرمزية الروحية لدى الساكنة المحلية مثل الأضرحة والزوايا، وذلك في محاولة لترك انطباع جيد عن الاسبان لدى الساكنة المحلية[2].

انطلق العمل الثقافي بالتطبيع مع ما هو محلي، والتمويه أن الإستعمار الإسباني لا يود القطع مع ما يختلج السكان من مظاهر ثقافية دينية، يل يرنو الإشتغال وفق نفس النطاق والمنهجية، وفي ذلك اتكاء وتقليد للسياسة الفرنسية مع اختلاف الظروف والسياقات والمجالات الجغرافية والإمكانيات المتاحة للحماية الاسبانية .

لن نغوص في باب انشاء المدارس الإسبانية في المنطقة الشمالية لاقتناعنا أن هذا الجانب درس بطريقة مستفيضة في الكتابات الإسبانية والمغربية.[3]

وسوف نبحث في جوانب ثقافية استغلتها الحماية الإسبانية من أجل التقرب من النخبة الخليفية أو الاستفادة منها من الناحية المادية .

-السياحة الثقافية بوصفها مدخل للتنمية

قد يبدو أن هذا العنوان جديد وفق ما جادت به الأضواء التراثية في فترتنا الحالية، لكن إسبانيا اعتمدت هذا النهج على الاقل منذ بداية عهد الحماية، في عام 1919، فقد شجعت الهيئة الإسبانية للسياحة على صيانة وترميم آثار المدينة الخليفية، من خلال إنشاء جمعية السياحة. ، تم إنشاء المجلس الأعلى للآثار التاريخية والفنية للمنطقة الإسبانية، الذي يعتمد على مكتب المفوض السامي ومقره في تطوان. كان من بين أهدافها فهرسة التراث المعماري والفني والحفاظ عليه، ومنع المدن القديمة من فقدان "طابعها النموذجي" وإنشاء مكاتب إعلامية لطبع الكتب التراثية، في عام 1930، تم إنشاء اللجنة الرسمية للسياحة في المغرب، وهي منظمة كان من المفترض أن تعمل على تطوير السياحة المحلية والتي تضمنت تشجيع بناء البنية التحتية للطرق ومعدات الفنادق[4].

لقد وعت الحماية الاسبانية ومن الناحية الثقافية لما تختزنه المدينة الشمالية من الناحية التراثية، وعملت على الحفاظ عليها، كما أنها اضفت عليها طابع سياحي. وفي حقيقة الامر لا نجد دراسة أو أطروحة تركزعلى هذا البعد، الذي يعد بحق ثمرة أساسية في سبيل ارتقاء المعرفة التاريخية بخصوص الإستعمار الإسباني .

ودائما في إطار التراث، عملت الحماية الإسبانية على إنشاء مجموعة من الجمعيات الثقافية والفكرية، وهي أيضا في حاجة الى دراسة منفصلة وقائمة بذاتها. وفي هذا الإطار، نستحضر "جمعية أصدقاء الموسيقى" وهي جمعية تأسست من طرق السيد أنطونيو غاليرا بمعية الضباط العسكريين الإسبان ومنهم بريطو وفرنانديس موراليس وسان مارتين، وبالموازاة مع الجانب الموسيقي والإيقاعي ،قامت الجمعية بتنظيم سلسلة من المحاضرات مصحوبة بعزف مقطوعات موسيقية مختلفة لأشهر الموسيقيين العالمين[5]، ولم تقتصر هذه الجمعية على الإسبان، بل اندمج فيها المغاربة عزفا وأداء.

لا مندوحة أن تاريخ المنطقة كان يسير ببطء شديد في الجانب الثقافي، الذي اقتصر على المنحى الديني، وأن الاستعمار الاسباني أوقع خلخلة في البنيات الذهنية، فنزول الإستعمار أوضح للمغاربة أنهم يتأخرون على ركب الأمة التي تبعد عنه بضعة كيلومترات بسنين ضوئية في مجالات الثقافة والعلم، أو كما قال التهامي الوزاني:"كان بين المغرب والعالم حجاب كثيف فزحزحته الحوادث العنيفة، فكان المغاربة على غفلة لايعرفون عن الدنيا إلا أنهم يعيشون على ظهرها"[6]،ويقصد بالحوادث العنيفة دخول المغرب قهرا باب الجمر والحماية والتصادم مع الغرب الاوربي.

المراجع


[1]  VALDERRAMA MARTÍNEZ, Fernando: LA ACCIÓN CULTURAL DE ESPAÑA EN MARRUECOS, Edición digital a partir de Boletín de la Asociación Española de Orientalistas, Vol. 41 (2005), pp. 16


[2]سعيد الحاجي، البعد الجمالي في سياسة التخطيط الحضري خلال المرحلة الاستعمارية بشمال المغرب، مقال منشور ضمن موقع مركز تكامل


[3]ينظر في هذا الصدد : أحمد بوجداد، السياسة التعليمية للحماية الإسبانية بالمنطقة الخليفية سابقاً، أطروحة دكتوراه في القانون العام إشراف عبد الله ساعف، مرقونة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط- وكذلك- أداة في خدمة الاستعمار: التعليم في شمال المغرب (1912 - 1956)/ ترجمة: سلوى الزاهري.- دورية کان التاريخية، السنة العاشرة - العدد السادس والثلاثين؛ يونيو 2017. ص142 – 150.


[4]  Martín Corrales, Eloy: Marruecos y los marroquíes en la propaganda oficial del Protectorado (1912-1956), p 89


[5] سعيد الحاجي، جوانب من الحياة الثقافية والفنية في شمال المغرب خلال الفترة الاستعمارية: مدينة القصر الکبير نموذجًا.- دورية کان التاريخية (علمية، عالمية، مُحَکَّمة).- العدد السادس والعشرون؛ ديسمبر 2014. ص 135.


[6]الوزاني التهامي، تاريخ المغرب،ج 3 ،ص 200

لمحة عن الحياة الثقافية الإسبانية في شمال المغرب زمن "الحماية"

نورالدين البكراوي

Comments
    NameEmailMessage