JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


Home

كلايف جيمس: شاعر يروّض الكآبة بالكلمات




محمد قنور -شاعر ومترجم


ولد كلايف جيمس عام 1939، في أستراليا وتحديدا في سيدني، حيث ترعرع قبل أن يصير شخصا مؤثرا في المجتمع البريطاني بعد انتقاله إلى العاصمة لندن عام 1961. عرف كلايف جيمس كروائي وناقد وشاعر وكاتب أغاني. وبعدما تلقّى تعليمه في جامعة سيدني وكلية (بيمبروك)، ثم جامعة كامبريدج، صار رجلا كثير الظهور، إذ اشتهر أكثر بعمله كصحفي بارز في الإذاعة والتلفزيون. غير أنّ العالم الناطق بالإنجليزية عرفه واعترف به أيضا كأديب غزير الإنتاج الأدبي. فلم يبعد الرجل القلم من يده منذ بداياته الأولى إلى أن انتهت حياته في نوفمبر 2019.

ألّف جيمس الكثير من المجموعات الشعرية التي تركت أثرها في الأدب الإنجليزي، ومن أهم كتبهِ: "على أرض الظّلال" 1982، و"تأشيرات أُخرى" 1986، و"السبّاح الحالم" 1992، و"كتاب عدُوي" 2003، و"نفرتيتي في بُرج الحماية" 2012، و"محكومٌ بالحياة" 2015، و"بوابة اللّيلك" 2016، و"وقتَ الجُرح" 2017، و"نهرٌ في السّماء" 2018.

تنطبع قصائد جيمس بالعزاء والحكمة التي يمكن العثور عليها في الفن والموسيقى كبديل لتقلبات اليومي. كما تتنوع ثيماته لتشمل الحب والحرب والبيئة والحياة اليومية مستخدما أسلوبا نثريا ساخرا، فضلا عن اعتماده لأسلوب التكثيف والجمل الطويلة. وقد شبهه النقاد بالشاعر الإنجليزي فيليب لاركين، يقول الناقد أبيغيل دويتش "يتميّزُ شعر جيمس بقدرة هائلة على تحليل الزمن: إنه يلاحظ عالماً غير كامل مع عدم اليقين". وينظر جيمس إلى حياة غنية استثنائيا بالندم، فيبدو أثر الشفقة على النفس واضحا في أغلب قصائده، لكنه في الحقيقة، يروض الكآبة والمرض على الانضباط، ويحتفلُ بما هو قابل للذكرى ويصعب نسيانه بالكلمات.

يقول جيمس: "قلة من الناس تقرأ الشعر في هذا الزمن، لكني ما زلت أتمنى أن أنشرَ (أكتب) شتلاته على الأرض، وانتظر موسم الحصاد مرة أخرى حصاد الكلمات اليانعة"، إنه يطالب بالإبقاء على الشعر في مكانته العالية كترياق للحياة في زمن تبدو فيه القصيدة آخر ما يهتم به الناس. مرارا وتكرارا، يذكرنا جيمس بأنه أكثر من مجرد شاعر ذكي ، فهو أيضا شاعر حكيم؛ ولا عجب إن وجدنا أقوالاً واقتباسات له منتشرة هنا وهناك. إنه يحسن استخدام الشكل الشعري مركزا على فكرته المتطورة ولغته السهلة وبنية جمله الخاصة؛ فيكتب جيمس بصيرته وطاقته للحكم على الحياة إيجابيا.

من بين مواهب جيمس العديدة قدرته المدهشة على قراءة شعراء آخرين والإشارة إليهم وتقديم ملاحظات فكرية مهمة للباحثين والمهتمين بمجال الأدب والفن. فقد ألّف العديد من الكتب النقدية والمذكرات الغنية بتحليلات هامة لشعراء ورسامين وفنانين وكتاب من عصره ومن الأزمنة السحيقة. ويعتبر مجلّد "مسودة الشِّعر" من أهم المراجع التي تهتم بالشعر تاريخيا، حيث يقدم جيمس تحليلات مهمة للشعر في القرن العشرين. وبات الكتاب ضرورة مفيدة لكل عشاق الكلمة من حيث قلب الحقائق المتعلقة بالشعر وتقديم فهم شامل لكل ما نعرفه عن الشكل الفني الذي تأخذه القصيدة بالتزامن مع ما يحدث في العالم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وعندما يطرح جيمس السؤال: لم يكتب هذا الشاعر هكذا؟ فإنه يجيب دارسا القصائد بتأنٍّ، ويكتشف معه القارئ أكثر الشعر من هارت كرين إلى عزرا باوند، ومن تيد هيوز إلى آن سيكستون. "كما ينفتح على شعرائه الخمسة المفضلين (ييتس وفروست وأودن وويلبر ولاركين)، ونقرأ من خلاله عن الخلفيات التي دفعتهم إلى اتخاذ أساليبهم الخاصة.

كان جيمس عضواً في جائزة الوسام الأسترالية للشعر، وانتخب زميلاً فخرياً في الأكاديمية الأسترالية للعلوم الإنسانية وزميلاً في الجمعية الملكية للآداب، وحصل على وسام الرئيس من قبل الأكاديمية البريطانية. وحصل أيضاً على دكتوراه فخرية في الآداب من كل من جامعة سيدني وجامعة إيست أنجليا، وجائزة إنجاز خاصة مدى الحياة في (BAFTAS 2015). كما فاز جيمس بجائزة رئيس الوزراء الأسترالي للشعر، ووسام فيليب هودجينز التذكاري، وكذلك جائزة جورج أورويل الخاصة عن إنجاز حياته في مجال الصحافة.

لقد كانت سمعة كلايف جيمس كشاعر شبه مختفية، لأنه كان مشهوراً كصحفي وإذاعي ونجم تلفزيوني. فكان من الصعب على العديد من النقاد أن يأخذوه بجدية. ولكن بعد الشهرة التي حققتها مجموعته "كتاب عدوّي"، التي يهجو فيها ذاته كشاعر لا يستطيع الجمع بين العمل والكتابة، وصارت واحدة من أكثر المجموعات الشعرية طلبا،أصبح جيمس شاعرا يستحيل إبعاده من مجموعة شعراء أواخر القرن العشرين، فقد تلقى ثناءً كبيرا على منجزه الفني الفريد.



قصائد:

"نزاع ثقافي"

لأن لا شيء يحكم مثل البلاغة المتّئدة

والمُرتبطة بالوقائعِ كلّما أقلعت إرادياً

إلى العوالمِ الطّائشة للحسّ المُشترك،

المكثّف والمزوّد بطاقةِ المهارةِ اللّفظيّة:

فلا حاجة للوقوف أمام المرآة للتّحقُّقِ من

سترة مائلة ومشقوقة الذّيلِ من جِهة العجيزة.

إنّها قبيحةٌ بالفعلِ، وقد يتجلى ما هو أسوأ

لكنّها بخلفية جميلة من الماضي،

عندما تضيقُ المدينة بخطابنا؛

عندها صار بعض منا مُثقلا

بعبء الموهبة إلى درجة الألم،

وحصل آخرون على ثروة،

فيما أصبحنا نحن رجالا بلا سكينةٍ،

لكن متأنقون، غير أننا لم ندرك ذلك حينئذٍ.



"متجرٌ متقنٌ"

اقرأ خطوطك بصوت عالٍ، نصحني رونسار ،

أومن الأفضل أن تغنيها. فالخطابُ المُشترك

يتضمّن كل التدابير الإيقاعية التي يثمّنها شعراً.

ها كان لديه الكثير لتدريسهِ،

لكنّه تعلَّم أوّلاً.

ودفعَ العديد من الشعراءِ إلى الاستجابة لهُ.

والغريب أنهُ صنعَ مكانةً،

مثل بناءِ قلعة فارهةٍ على شاطئٍ.



لكن إجمالاً، لا فائدةَ من الإشارةِ:

أن خلق حسٍّ موسيقيٍّ من شيءٍ

جزءٌ من التّهدئةِ من روعِ ما نقومُ بهِ.

يؤدّي الصوت إلى صنيعةٍ بارعةٍ، ودهاء فنّي:

ليُسمّى كل هذا براءةُ اختراع عند القلّة الموهوبةِ.

من يدري، قبل القيام بذلك، ماذا كان يجبُ فعلهُ

لجعلِ العقل مُتحدّثاً رسمياً باسمِ القلبِ.



أما بالنّسبةِ للملايين الآخرين، فطوبى لهمُ:

وهذا زَمنهم. طلباتهم العشوائيّة

من بين كل الذين هُلعوا من الفكرةِ

فقد اعتُبروا الأصدقَ،

قد يقولون أيّ شيء، وبأيّ أسلوبٍ.

لمَ لا؟ لماذا لا ينبغي لهم ذلك؟ لماذا لا يمكنهمُ؟

فلا شيء للدّراسةِ، ولا شيء يستحقُّ الإدراك.



الآن، تلكَ رِحلتهم في القافية

والسّببُ دقيقٌ وتقنيٌ

كردٍّ على اضطرابِ الزَّمنِ

فلا شيء يستحقُّ السَّماع مرّتين، سَبَقَ أنْ قالَ.

وصممُ النّاس ليس سبب إخفاقها في مطابقةِ الفَوضى.

إنّه الشّيءُ الوحيدُ الّذي يَقبِضونَ عليهِ

إنه ليسَ شكلاً، ولا نمطاً.

بل مُجرَّدَ نِرد مُتداوَلٍ



عبرَ كلام عقيمٍ، هناك تلف دائم في الإحالة،

تجد مكان لها اليومَ، لِتلبيَةِ حاجةٍ:

مثل أولئكَ الّذينَ لا يستطيعون الكتابةَ ولا زيادة الذّخيرة

بالأبيات المناسبة لأولئكَ الّذينَ لا يستطيعون القراءةَ،

بالنّسبة لأولئكَ الّذينَ يمكنهم القيام بالحالتينِ،

فالحقلُ واضحٌ لِتلبيةِ وتَداوُلِ بضاعتهم،

ولكن المخيفُ أن هذه المنفعة المتبادلة تبدو مثل جشعٍ.



إن الأمرَ ليسَ كذلكَ. إنّهُ مُجرّدَ تبادلٍ لتُحفةٍ، واصغاءٌ يحدثُ

هناكَ منذُ أن تحمّلَ رجالُ الكهوفِ الآلام لِتعديلِ

صُوّرٍ مَرئيةٍ لِوَعْلٍ وبَيْسونٍ

في أفضل مشهدٍ أثناءَ خَفَقان الضّوء.

ونصيبُنا بيع التّذاكرِ في اللّيلِ

فقط لأولئك الذين قد يشعرون بما نسعى إليهِ،



وقد انجذبوا إلينا بسبب حبّ الصّوت.

وفي المقام الأوّل، أسلوبنا في الغناءِ

هو ما يأتي بهم. ولا لُغز أكثرَ غوراً

من كيفية تصاعُد نغمة من وترٍ من الألفاظِ،

وبعد كل هذا نعرفُ:

كان رونسار مُحِقّاً في التأكيد عليها

كثيراً في يومه. وها هي كل شيء الآنَ:



تَتَداعى اللُّغةُ أمامَ أعيُنِنا،

وما حدثَ في الماضي أصداءٌ في آذانِنا

مثلَ الشِّعر، الّذي يتحدّى بكامل لياقتهِ

تيّار سَنواتِنا المُتردّيّةِ.

بخطٍّ طَرُوبٍ واحدٍ، في اتّجاهٍ واحِدٍ لعبارة:

وهذا مثبتٌ دائماً، ففي الأخير نَتَعَلَّمُ،

أن الحياة تبكي من الفرحِ، رُغم انتِهائها بدموعٍ.



"ضدّ الغرابة"

في مُوّاجَهة الرّيحِ، تُحَوّمُ طيورَ النُّوء مسعورةً

وتنقُرُ على الماءِ للرّقصِ.

وتجتثُ بيضَ التُّونة

بحركةٍ مسرعةٍ مثل بافلوفا ،

كأنّها التقطت لمرة واحدة لُؤلُؤ

قِلادة مَكسورة.



تهيِّجُ التُّونة الصّفراءَ عَنَفَةَ السِّردين

وتقتربُ من السّطحِ، حيثُ طيور جُلْمَ الماء الغائصةِ

تنحدرُ عبرَ فُقاعاتٍ لتصطادها.

طيورٌ من أعلى وسمكٌ كبيرٌ من أسفل

مثل كومةٍ تندفعُ صوبَ التَّفَكُّكِ

كبولندا، بعدد من الناجين في أرقامٍ.



غالباً، لا وجودَ لقرديس البحر الّذي يشبه أوراقا معزولة

ويتكتّلُ مثلَ سحابةٍ من غُبار الماس

ضدّ فيضان من نور الشمس على سطح مَرقصهِ،

فيرفعُ بحبلِ سحْب القرش المتشمّسِ

أو يُسحبُ مع ستائر الحوت الباليني-

يا لها من مجرّة مُنهمكةٍ في مخدعٍ

وباطلةٍ، وانقراض جَماعي في فضاء سحيقٍ

قد شوهدَ بتلسكوب هابل فقط.



ضعْ عظامكَ قُرب عائلة من قروشٍ إن أمكنكَ.

وإذ لم تستطع، كُن مُراوِغاً في تَحديدِ مكانٍ محضَ شفافية،

فستصير مُجرّد ومضةٍ على شاشةٍ مصقولةٍ -

خلفَ مناقيرِ وفكوكِ القواطعِ -

كركندٌ مُحصَّنٌ على إفريزٍ ناتئٍ

في بلاطٍ لامعٍ، مثل قلعة "ناغويا"

مرفوعةٌ بقوابسٍ ورافِعاتٍ،

ملءَ فمٍ مرهقٍ كسيّارةٍ مُحطّمةٍ، انتَهى عملها،

فقُم بالزّحفِ إلى الخلفِ باتّجاهِ حُفرةٍ ولا تخرجْ.



"القيقب الياباني"

موتُكَ يقتربُ الآن، إنّهُ من الصّنفِ السّهلِ.

ولا ألم حقيقي في الاختفاءِ البطيءِ.

حينَ يقلُّ التَّنفُّسُ

وبلا راحةٍ فقط، تشعرُ بهجران الطّاقةِ،

ولكن تبقى الفِكرة والرُّؤيا:

مؤيِّداكَ في الواقعِ،فقد سبقَ أن رأيتَ

الكثير من الجمال الأخّاذ، مِثلما يسقطُ المطرُ الرّقيقُ

على تلكَ الشّجرةِ الصّغيرةِ

ويُشبِعُ جُدرانَ حديقتكَ الخلفيةِ المشيّدةِ بالطُّوبِ،

والكثير من غرفِ العنبر والردهات بِمرايا



وأكثِرِ السّخاءَ كلّما ينتشرُ الغَسقُ

هذا اللَّمعان الّذي ينيرُ الهواءَ.

هذا الّذي لا يَنتهي أبداً.

وكلّما هطلَ المطرُ سيكون هناك،

بعدَ زمني، ولكن الآن أنا أغتنمُ حِصّتي.



اختارَت ابنتي شجرةَ القيقب الجديدة.

فتعالَ أيُّها الخريفُ وستَتَحوّلُ أوراقها إلى لهبٍ.

وماذا يلزمُني فِعلهُ:

غير العيشِ لِرؤيةِ ذلكَ. وهذا سَيُنهي اللُّعبة

بالنّسبةِ لي، ولو أنَّ الحياة تستمرُّ كما هي عليهِ:



مِلْءَ الأبواب المُزدوجة لِتغتَسِلَ عينيَ،

سوفَ يعيشُ فيضانٌ نهائيٌ من الألوانِ

كما يموتُ عقلي،

فقدْ أحرقتُ إبصاري لأجلِ عالمٍ أشرقَ

ولمعَ كثيراً في الماضي، ثمَّ انتَهى.

كلايف جيمس: شاعر يروّض الكآبة بالكلمات

نورالدين البكراوي

Comments
    NameEmailMessage