JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


Home

مراد المساري: "حين يكون في الخيال حياة"


 



مراد المساري: المغرب عالم إنساني مصغر! 
حاوره: نورالدين البكراوي




مراد المساري، ابن مدينة القصر الكبير التي تخلت عن كل شيء إلا عن ثقافتها، تلقى تعليمه عبر المستويات الدراسية المعهودة بدءا بابتدائية محمد الحياني، مرورا بالثانوية الإعدادية والتأهيلية أحمد الراشدي ثم انتهاء بالمسار الأكاديمي بجامعة عبد الملك السعدي بحصوله على شهادة الماستر.

ضيفنا يمتهن صنع العوالم الأدبية ويمدها من خياله بكثير من الحياة. هو ناقد اجتماعي بامتياز يتفنن في عكس واقع الناس عن طريق حكايات تنهل من أحلام وخوف وفرح وحزن ورغبات وقضايا وإشكالات المجتمع. مراد المساري القاص والروائي المغربي عاشق المنافسة والتحدي الحاصل على جوائز وطنية ودولية عن جدارة واستحقاق في عدة مناسبات، سواء في صنف القصة أو الرواية حيث نجد:

جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب، صنف القصة سنة 2014، عن مجموعته القصصية "أنا لست لك"، وكذلك توج بالكويت بالجائزة الكبرى للملتقى الثقافي، سنة 2017،

وتم إعلانه فائزا بجائزة الشارقة للإبداع العربي لسنة 2018، عن روايته "الشجرة والعاصفة". ومؤخرا أضاف إلى سجل انجازاته المثير للانتباه جائزة الكتابة الموجهة للطفل سنة 2020. مراد المساري لا يكتفي بصنع الخيال وإثارة القلق الفكري في أعماله، بل يتعداه إلى صنع الأجيال واعتناق مهنة الرسل بمزاولته مهنة التعليم كأستاذ لمادة الاجتماعيات بمدينة طنجة. نسعد اليوم باستضافة كاتب متميز ليتشارك معنا فاصلا ثقافيا من عالمه الإبداعي الخاص. نرجو أن ينال استحسان الجميع.

-مساء النور أيها المبدع

- مرحبا بك صديقي نورالدين، وشكرا على التقديم الجميل.

تستحقه يا رجل!

مراد المساري. فزتَ بمجوعة من جوائز الأدب. دعني أبدأ معك مع الجائزة الأولى، كيفَ كان انطباعك وأنتَ تتلقى خبر فوزك بجائزة اتحاد كُتاب المغرب؟

كان شعورًا جميلا، أن تعترف بك مؤسسة كاتحاد كُتّاب المغرب، هوّ أمرٌ يُشعرك بالفخر، خصوصاً حينما تكونُ في أول طريقك، لاشكّ أن الأمر يُحفزُ على المزيد من العطاء..

انتقلتَ إلى كتابة الرواية من باب عملكَ الأول الشجرة والعاصفة، كيفَ كان هذا التحول؟ وكيفَ وجدتَ الفرق بين الكتابة في الجنسين؟ وهل كانت القصة تمرينا يسبقُ مشاريع أكبر في الكتابة كالرواية؟

القصة تفرضُ على كاتبها كثيراً من التركيز والتدقيق والتكثيف داخل اللحظة الزمنية الواحدة، هي بمثابة المجهر الّذي يُقرب و يُدقق النظر في شيء ما من أجل تكبيره وجعله مرئيا أكثر.، وهنا تكمنُ صُعوبتها، بالنسبة لي، لا أجدني مُتمرساً أو حتى بارعاً في كتابتها، أكتبُ القصة من باب حبّ القصة، لأنها تُتيح لي التعبير أكثر عن مكنوناتي الداخلية، وأيضاً الصراخ بأصوات حالات اجتماعية قريبة، إنها ذروة انصهار الفرد داخل مُحيطه.

بينما الرواية تُعطي مساحة أوسع في الكتابة وحرية أكبر، أما عن مسألة إن كانت القصة تمرينا على كتابة الرواية، فهذا أمر لا أتفقُ معه. القصة جنس أدبي وفني مُستقل بذاته.

ماذا عن الكتابة المُوجهة إلى الطفل؟

ربما لأن مجال اشتغالي هو الطفل. أشتغلُ في التدريس منذ أزيد من عشر سنوات، وبالتالي أجدني قريبا من هذه الفئة وأستطيعُ فهم -إلى حد ما- عالمها الصغير، ومنه كانت الفكرة أن أبدأ في محاولات تشكيل عوالم حكائية لهذه الفئة.

أعودُ معكَ إلى روايتك (الشجرة والعاصفة) من باب الشخصية البطلة، هل يمكنُ تصنيفُ موضوع الرواية على أنه موضوع نفسي اجتماعي؟

الشخصية الرئيسية في "الشجرة والعاصفة" شخصية تعيشُ بيننا ومعظمنا لا يُدرك ذلك. فنحو 21 مليون شخص في العالم مُصابون بالفصام بمختلف أنواعه. أولئك "الحمقى" الذين نراهم يمرون بمحاذاتنا في الشارع ونرميهم بسهام جهلنا، مُعظمهم مصابون به وهم يشتركون مع الشخصية البطلة في هذه المعاناة، والذي يحد من وطأة الوضع هو التفسير الشعبي البسيط لهذا المرض بكونه مسا شيطانيا أو سحرا. وحاولتُ في الرواية أن ألفت الانتباه إلى هذا الصراع الداخلي الخفي لهذه الفئة. حيثُ يتداخلُ الواقع بالخيال فيلتبسُ الأمر على المريض حول ماهية ما يعيشه، هل هو حقيقة ثابتة لا مناص من تكذيبها أم هو مزج خيال فقط، والخلاصة أن الأمرين معا واقعٌ يعيشه المريض بالفصام. إنها معاناة تُدمي القلب، للأسف لا يكتوي بنارها إلا الممسوسون بها.

في (الشجرة والعاصفة) أيضًا تطرقتَ إلى بعض الأزمات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع المغربي. حدثنا عن واحدة منها؟

الخلفية الاجتماعية لـ"الشجرة والعاصفة" هي وضعية المجتمعات العربية ككل وخاصة الشمال الإفريقية التي تجمعها روابط ثقافية أكبر. على سبيل المثال تناولت أزمة الجنود الذين أسهموا في استكمال المغرب لبقية ترابه الجنوبي والجحود الذي قوبل به سواء من الحكومات المتعاقبة أو من الأهل الذين تنكروا لهم، إضافة إلى النظرة التي يرى بها مُجتمع "الأصحاء" مُجتمع "المرضى".

ذكرتَ في روايتك "الشجرة والعاصفة" علاقة الحب التي جمعت الشخصية البطلة وهي من خلفية مُسلمة بشخصية يهودية هي "سارة" وهي علاقة يمكننا تشبيهها بتمازج الزيت بالنار. كيفَ حدث ذلك؟

"سارة" بعيدا عن كونها يهودية هي مُواطنة مغربية. وفي المغرب تعايشَ المغاربة المُسلمون مع المغاربة اليهود لسنوات طويلة في إخاء وتلاحم، وقد كان المغرب بمثابة عالم إنساني مُصغر ذابت فيه الأعراق وانصهرت فيه الطوائف. أما عن الحبّ فهو لا يخضعُ لمنطقٍ. فحينَ ترى شخصًا قادما إليك عن بعد قد تسقطُ في غرامِ عينيه وحينها لا يكونُ بمقدورك التراجع، وهو ما حصلَ للشخصية البطلة مع "سارة" الفتاة المغربية اليهودية. أما عن المقصد فكان لا شك بناء عالم يسوده الحب فقط بغضِّ النظر عن الدين واللون والطائفة، فما أحوجنا إلى ما يجمعنا على الرغم من قلته أما ما يفرقنا فهو كثير. وإذا كان ذلك لا يتأتى في الواقع ففي الخيال توجدُ حياتنا الأخرى، وكما يقولُ العقاد "ولنا في الخيال حياة".




بما أنك كاتب شاب، كيف ترى مستقبل الرواية العربية في ظل الإقبال الكبير من الشباب؟

يظهرُ لمتتبع الشأن الأدبي تنامي الاهتمام بهذا الجنس الأدبي عما سواه. الرواية خلقت حياة أخرى لقاعدة واسعة من القراء وإقبال الأدباء على كتابة الرواية مرده إلى وجود جيل من الشباب يهتم بها ويُقبل على اقتنائها. وتوفرُ القراء يعطي حافزًا للكتاب على بذل مزيد من الجهد. أيضًا نُدرج نقطة أخرى. تزايد الجوائز التي تحتفي بالرواية. وهي ما يضعنا أمام طريقين متنافرين. الأول يُفضي إلى الدفع بعجلة الثقافة والأدب، والثاني يدخلنا متاهة الرداءة.

إذا طلبنا منكَ أن تصفَ العلاقة التي تربطُ جيلَك من الكُتَّاب بالأجيال السابقة، كيفَ تصفها؟

علاقة إعجاب كبير، لا شكَّ في ذلك. فلولا الأعمال الكبيرة التي تركوها لمَا وقعنا في حب الكتابة، وأعمالهم كانت وقودا أشعلَ فتيلَ الرغبة في البحث عن النص المُشتهى. كُتاب من قبيل حيدر حيدر وطه حسين وعبد الرحمن منيف وحنا مينه وإبراهيم جبرا وآخرين كثر، تركوا لنا إرثا ثقيلا من الجمال. وبالتالي فهي علاقة معلم بتلميذه.

يشكل الشباب اليوم طاقة شرائية كبيرة فيما يخص الروايات، هل ترى ذلك الأمر إيجابي بشكل مطلق؟

هو فعلا أمر إيجابي. نشهدُ إقبالا كبيرا على شراء الرواية، بيد أن ذلك يكونُ على حساب أجناس أدبية أخرى كالشعر مثلا. فمن يقرأ الشعر الآن؟ إذن للأمر وجهان واحد إيجابي وآخر أعتبره سلبيا بصراحة. فكاتب الرواية لا يمكنُ أن يغذي لغته إلا بالشّعر. الشّعر عمود الأدب وعليه يجبُ أن نعيد له الاعتبار حتى لا يضيعَ منَّا أكثر، وحتى لا يتجه ما تبقى من الشعراء إلى كتابة الرواية بحثا عن القارئ.

أمر آخر أود أن أشيرَ إليه، إذا كان الشاب يُقبل على شراء الرواية، وبالتالي الانخراط في الفعل الثقافي فعلى دور النشر ألا تُنفر هذا الإقبال عبر رفعها لأثمنة الكتب. ففي أوربا مثلا لا يحصلُ هذا. دور النشر تحترم القدرة الشرائية للقارئ ولك أن تلاحظ الفرق.

رأينا إقبالا يُشبه التهافت من الكتَّاب على المشاركة في الجوائز الأدبية، كيفَ تُفسر ذلك؟

هذا يجعلنا نجيبُ عن سؤال جوهري. ما الدَّافعُ وراء الكتابة؟ هو إيجاد قارئ. فالتوجه نحو المشاركة في جائزة ما يكونُ مُحركه الأساسي هو البحث عن القارئ الذي يعتني بالعمل. والجوائز أتاحت لنا هذا، عن طريق الاحتفاء بنا أولا ماديا ومعنويا وثانيا تقديمنا إلى قاعدة واسعة من القراء في العالم العربي. هذا يُعطي دافعا أكبر للمُبدعين حتى يستمروا في طريقِ إبداعهم ويُطوروا من ملكاتهم وقدراتهم وتقديم أعمال أخرى. إذن الجوائز مفتاحٌ يولجُ المبدع نحو أفق أوسع من الحلم.

نصوصٌ أدبيةٌ تمنيتَ لو كنتَ كاتِبها؟

الكثير من الأعمال تركت بصمةً قوية في تجربتي البسيطة. في الأدب العالمي، رواية الجريمة والعِقاب للروسي فيودور لداستاييفسكي، كافكا على الشاطئ للياباني لهاروكي موراكامي. في الأدب العربي، أسرتني رواية دروز بلغراد للكاتب اللبناني ربيع جابر، أيضا روايته أميركا...

ما مشروعك الروائي المقبل؟

الآن أعمل على فكرة رواية جديدة تتناولُ قضية الهجرة إلى أوروبا عبر المتوسط والمعاناة الإنسانية التي يعاني منها هؤلاء، فهم الباحثون عن أمل في كومة قش.

كلمة أخيرة.

في الأخير أودُّ أن أتوجهَ بالكثيرِ من الشُّكر إلى موقع باب المغاربة على جميلِ عنايتهِ بالكتاب المغاربة، واهتمامهِ المُفرط بالقضايا الوطنية. مُتمنيا للموقع الازدهار الوافر، ذلك أنه تجربة جديدة تستحق التنويه.
مراد المساري: "حين يكون في الخيال حياة"

نورالدين البكراوي

Comments
    NameEmailMessage