JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


Home

الاغتصاب في المجتمع المغربي

 


ذ. هشام العفو 
استشاري الصحة النفسية وأخصائي نفسي

حقيقة أن اعطاء أي تقييم لهذه الظاهرة، يجب أن يكون صادرا عن احصاءات وصفية واستدلالية بأرقام ومعدلات واضحة، لكن غياب مراكز متخصصة بشكل أكاديمي وتعمل وفق مناهج علمية في الاحصاء يجعل الأمر صعبا، وهذا ما يجعل المجتمع يعتمد غالبا على أرقام الصحف والمجلات وتحليل الإعلام وبعض المراكز التي تفتقر للأدوات العلمية والخبرة في الدراسة، لكن من جهة اخرى يمكن الاعتماد على الملاحظة اليومية وجمع المعطيات، وتدقيقها بناء على عدد الشكايات المقدمة، ثم استنتاج الوضع من الحوادث التي تقع في بلدنا، وربما هنا يكمن قولنا الأساس بأن الظاهرة ارتفعت بشكل مهول وخطير متجاوزة كل التكهنات السابقة، إذ لم يعد الأمر يقتصر على حوادث متفرقة وإنما أصبحنا نتحدث عن نمط متسلسل جديد تسرب الى ثقافة مجتمعنا لدرجة اننا سلمنا به وتعودنا عليه، وهذا ما يدفعنا الى القول، إنه رغم مجهودات الدولة والسلطات والقوانين في القضاء على ظاهرة الاغتصاب، إلا أنه مازال هناكبعض التواطؤ المجتمعي والمؤسساتي خطير معهذه الآفة بكل انواعها وأصنافها. وقبل الخوض في دوافع وأسباب هذا الارتفاع المهول، يجب التأكيد على ان الاغتصاب لم يعد ينحصر فقط في فئة واحدة او بشكل معين، وإنما تعددت طرقه ودوافعه وأبعاده وكذا تبعاته، لهذا فقد حجز المجتمع بكل انتماءاته عن تشخيص الظاهرة وإعطاءها الاولوية الحقيقية وعدم اعتبارها مجرد انحراف سلوكي مجتمعي بسيط، وهذا الامر أنتج لنا ظواهر سلوكية جديدة فرض على مجتمعنا تقبلها والعيش معها.

الأسباب الكامنة وراء تطور الاغتصاب

ان القول بوجود سبب واحد في تنامي هذا النوع من الانحراف السلوكي في المجتمع لهو مجانب للصواب، اذ من الناحية السوسيولوجية التي يمكن استخلاص قاعدة منها تعتبر أن تشكل ظاهرة معينة وتجاوزها الحد العادي لتصبح مؤثرة في سيرورة مجتمع ما، يمكن تصنيفها في خانة الظواهر المخيفة والمرضية، والتي تعكس فصام هذا المجتمع وبداية تقبله لعلته، وهذا التحليل ربما يدفعنا لعكس تصور علم النفس الاجتماعي والإحالة ايضا الى دراسة سيكولوجية قام بها الدكتور مصطفى حجازي وألفها في كتاب: سيكولوجية الانسان المقهور" ومعنى هذا ان انعدام بعض الشروط والضوابط في المجتمع والتي يتم التوافق عليها ضمن التعاقد الاجتماعي، يدفع لا محالة الى بداية التفكك المجتمعي وتدمير النواة التي يلتف حولها المجتمع، واعتبارا لمرجعية المجتمع المغربي فانه لم يحافظ على هذه النواة وقبل الخروج الى التعدد ولكن دون الحفاظ على الشروط الاساسية التي تبني كل قاعدة مجتمعية وتسير وفقها، لهذا فظهور انحرافات سلوكية في المجتمع ليست وليدة الصدفة وإنما هي قدر حتمي لمجموعة من التصنيفات المرضية المتحولة عن غياب ثقافة النظام العام وفكرة البعد الاخلاقي المجتمعي. ولا يخرج المغرب من هذه التصنيفات على اعتبار أنه شهد تطورا ملموسا على مستوى التطور التقني والتكنولوجي والانفتاح على عوالم جديدة، إلا أنه بالموازاة مع ذلك انخرط في مسلسل رعب مجتمعي محاولا التكيف مع هذه الانحرافات ومحاولة التحكم فيها عوض معالجتها بنيويا، لهذا نعتبر ان ظهور حالات الاغتصاب الجسدي بأبشع الطرق ليست مجرد انزلاق عادي وإنما هي نتيجة حتمية لاغتصاب نفسي يمارس كل يوم سواء من طرف المغتصب على نفسه لعجزه عن تحقيق الاندماج الوجداني وبالتالي معاناته من الانشطار العاطفي، أو من طرف المغتصب على ضحاياه، إذ أن جميع المغتصبين ليسوا كذلك صدفة او بالفطرة وإنما هم نتاجات تربية مجتمعية فاسدة، وتوجيه اعلامي قوي مع تركيز العلام على تكرار تجارب فشل الاندماج وبالتالي يصبح المغتصب مجرد مقلد ومحاكي لفشل المنظومة المجتمعية بأكملها في تحقيق التوازن والعدالة والسلم المجتمعي.

الجانب النفسي قد يكون سببا في الإقدام على مثل هذه الظواهر.

علينا أولا أن نميز ما بين الاغتصاب الناتج عن اضطراب في الحالة النفسية، ويكون ناتجا عن انشطار عاطفي ورغبة في البحث عن الاعتراف بالذات، او التعبير عن حب جامح او في ارتباط قوي ، وعادة ما ينتهي هذا الفعل "الاغتصاب" بالندم وتأنيب قوي للضمير، فيحاول المغتصب اصلاح خطيئته وطلب الضحية للزواج و"سترها"، وهنا نرصد حالات متعددة نجحت بعدها العلاقة الزوجية بعد الاغتصاب لكنها تبقى قليلة مقارنة مع الحالات الاخرى، إذن الأمر هنا ناتج عن عدم غياب التوازن النفسي والسقوط في العصاب او اضطراب الشخصية العصابي، وعادة ما يكون صاحب الفعل هو شاب او مراهق والضحية شابة أو مراهقة، لكن النوع الثاني هو الأخطر، حينما يتعلق الامر بانحراف سلوكي خطير ناتج عن انشطار جنسي وتفكك في الهوية الشخصية للفرد، وهو ما يؤدي الى ممارسة الاغتصاب بطرق شنيعة دون التمييز بين الجنس او الجماد، إذ لاحظنا مؤخرا في المجتمع المغربي ظهور ما يسمى" بزنا الأموات" بعد تطور زنا المحارم والأصول، ومن الغريب ان نسمع بهذه الممارسات في مجتمع يتبنى القيم الاسلامية ولديه مجالس العلماء ومراكز الفقه وغيرها، ويعتبر المغتصب في الحالة الثانية غير سوي من الناحية الشخصية، وهو في نطاق التصنيف المرضي، إذ أن غالبية المغتصبين الذين لا يميزون بين الجثة والحيوان، والإنسان هم مرضى وجب عزلهم عن المجتمع بأسرع وقت وإخضاعهم للعلاج الطبي أولا قبل العلاج النفسي، وأكثر من هذا فان معظمهم يتحولون الى شخصيات فصامية او سيكوباتية اي شياطين الانس وذئاب هائجة لا تميز أبدا وإنماتأكل كل شيء ـ وبالتالي فالحديث عن دور الجانب النفسي في تطور ونمائية شخصية المغتصب يقتضي اساسا الوقوف على حالات بعينها وإخضاعها للدراسة، عكس ما نجده في مراكز ومستشفيات او معتقلات الأمراض النفسية والعقلية،

غالبا ما يتم تبرير الاغتصاب باضطرابات نفسية وعقلية فإلى أي حد يمكن اعتبار هذا الطرح صحيح؟

ألا يعد هذا تحايلا للإفلات من العقاب؟

كما قلنا سابقا انه وجب التمييز بين الحالة العصابية او الاضطراب النفسي الناتج عن اختلال في الشخصية او في مراحل التوازن النفسي والعاطفي للفرد نتيجة فشله في تحقيق الاندماج والتكيف او تحقيق رغبة عاطفية معينة ، وبين الاضطراب الفصامي او السيكوباتي او تحول الشخصية من عصابية الى سادية او مازوشية، وغيرها من الاعراض الذهانية المتقدمة، وهنا لا يمكن تقييم حالة المغتصب من خلال النظرة او من طرف كل من قرا كتيبا مترجما لفرويد او يونغ ، وإنما يتم الامر من طرف اطباء ومحليين نفسانيين متخصصين ومشهود لهم بالكفاءة ، وهذا لا ينقص في المغرب بالعكس لدينا كفاءات كبيرة لكننا نفتقد لاحترام التخصص للأسف ، ويتم الاعتماد على تشخيص اولي من طرف مسؤول قضائي او طب عام، ومن جهة اخرى هناك تحايل كبير ايضا على القانون، في حالة رغبة جهة نافذة تخليص احد المعتدين فيتم الاعتماد على تقارير مزورة او من اشخاص يفتقدون للكفاءة والتزكية او الضمير المهني، فتجد المعتدي المغتصب حرا طليقا بينما الضحية تنظر اليه صباح مساء، وهذا الامر للأسف يترك اثارا عميقة جدا تعزز الرغبة في الانتقام من المجتمع بأكمله وهنا نصوغ مثالين: سفاح تارودانت الذي كان ضحية اعتداءات جنسية في طفولته" ثم مثال : الاسباني دانييل كالفان " وما تركه الافراج عنه من آلام وإحساسبالإهانة ليس لأسر الضحايا وللضحايا أنفسهم ولكن للمجتمع ككل، وقد كان ملف كالفان خير مثال على التحايل الرسمي على القانون وعلى كرامة الانسان المغربي خصوصا.

زنا المحارم والطبيعة المرضية للفاعل:

يجب ان نتفق اولا على قاعدة اساسية ، تستمد مشروعيتها من القيم الدينية عامة والإنسانية خاصة وحتى الحيوانية اكثر خصوصية ، وهي ان الزنا بين المحارم أو الأصول أي بين الأب والبنت أو الأخ وأختهأو الابن وأمه وغيرهم، تعتبر انحرافا كبيرا وخطيرا عن قيم الانسانية وتتجاوز العقل وحتى الرغبة الحيوانية ، وبالتالي فان من يسقط في زنا المحارم ليس بسوي ابدا وهو يصنف في فئتين ، الاولى انه مريض عقلي او سيكوباتي وبالتالي يجب عزل صاحب الفعل تماما عن المجتمع بأسره ،اما الفئة الثانية نتحدث فيها عن شخصية منحرفة اخلاقيا ودينيا وفكريا وثقافيا...تحت اسم التحرر والحرية الجنسية وشيوعية الجنس، وبعض هذه الممارسات كانت تعرفها حتى الجامعات في فترة زمنية معينة، لأن من يدعي التحرر من القيم الدينية والمجتمعية يتخلص ذهنيا من كل الموانع والمحرمات ويحاول أن يتعايش مع نوع جديد وقديم في نفس الوقت مع الذات المنحرفة( حسب المعيار الاجتماعي )، لكن المشكل هنا أن زنا المحارم لم تكن ظاهرة عرضية فقط في مجتمعنا المغربي أو العربي، وإنما تم التخطيط لها منذ سنوات وتعزيزها إعلاميا من خلال بعض الأفلام والبرامج التلفزيونية التي تحاول تجاوز منطق الابوية أو الأمومة وتدميرها من الداخل، اضافة الى ان هذه الظاهرة ناتجة بشكل قوي عن خلل في الاسرة التي قدمت استقالتها بشكل تام لفائدة الاعلام والتقنية، اذ غابت المراقبة وانعدم التوجيه الاسري وحتى الحنان والحب داخل الاسرة ، اضافة الى الانفتاح الاعمى على بعض الممارسات الغريبة عن ثقافتنا الاسلامية، ثم هناك الخلل في الشخصية والذي يتغذى بالمحيط الاسري أو المجتمعي فيتطور لخلق شخصية سيكوباتية لن تحس أبدا بتأنيب الضمير أو بالذنب أثناء النظر إلى المحارم وقد رصدنا هنا في دراساتنا الميدانية أن هناك مواقع اباحية ونوادي الشات خاصة فقط بزنا المحارم وتعلم المراهقين والمراهقات كيفية التلذذببعضهم البعض وترسيخ فكرة تجاوز المحرمات وعيش اللذة الجنسية بشكل عادي، وهذا الأمر يستمر في غياب تام للسلطات والمسؤولين عن تكنولوجيا الاتصال وكل الفاعلين المدنيين.

المصاحبة النفسية ودورها في التقليص من هذه الظاهرة؟

إن لكل داء دواء، وان المرض النفسي لديه أساليب علاجية متعددة، لكن التأخر في علاج هذه الأمراض النفسية يحولها إلى حالات واضطرابات عقلية وذهانية يصعب معها العلاج، ولا ننكر أن المغرب لازال متأخرا على مستوى التوعية النفسية، بل حتى المجتمع لازال متحفظا بشكل ما على التعاطي للعلاج النفسي، لكن هذا لا يمنع القول أن أهمية العلاج النفسي بكل مرجعياته وتقنياته وأصنافه لا يغيرمن الوضع شيئا، بالعكس يمكننا هنا التنبيه إلى مسألتين، الأولى تتعلق بالوقاية النفسية أو ما يسمى بعلم النفس الوقائي، وهو التخصص الذي يعتمد على التحفيز والدعم والمصاحبة النفسية من أجل تطوير شخصية الفرد وتعزيز تماسكها وتوازنها الداخلي، وهذا أفضل حل لتجاوز الكثير من الانحرافات السلوكية في الانسان، فعوض أن نخسر الملايير ببرامج وخطط ومشاريع وهمية يمكننا فقط ان نعتمد على التوعية والتحسيس وتكوين المرشدين والمتخصصين في المرافقة النفسية والدعم والإرشاد، على مستوى الاسرة والمدرسة ثم المجتمع، وهنا يمكننا حصر ظاهرة الاغتصاب في حالات متحكم فيها إن هي تجاوزت الشكل العادي الى المرضي فعندها يستخدم العلاج النفسي والكيميائي بالعقاقير لكن في مرحلة متقدمة، لهذا فالاهتمام أولا بالمتخصصين في الارشاد النفسي والأسريأولى من أن نبني جدرانا وبنايات لا دور لها، فالأساس في تقدم الأمم في العقول والأطر وليست الجدران والحجر، إضافة الى فتح المجال أمام المتخصصين لاستكمال الدراسات العليا في التخصصات العلاجية في علم النفس عوض جعل الجامعات محطات استراحة فقط وإعادة انتاج العقم الفكري والعلمي وتفريخ الاطر عوض تخريجهم وتأهيلهم.




الاغتصاب في المجتمع المغربي

نورالدين البكراوي

Comments
    NameEmailMessage