باحث في التنمية المستدامة
تعد التنمية المستدامة الهدف الرئيسي للمجتمع الدولي منذ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في عام 1992 ، حيث دعا الى وضع استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة، مبنية على التطورات الاقتصادية والبيئية العالمية في العديد من البلدان. بحيث الأزمات العالمية الأخيرة طويلة الأمد في مجالات الطاقة والغذاء والمالية دقت ناقوس الخطر في ما يتعلق بتجاوز المجتمع حدود تحمل الكرة الارضية أو الحدود الإيكولوجية ((WILL KENTON,2018.
ومع سعي الحكومات اليوم إلى إيجاد سبل فعالة لإخراج بلدانها من هذه الأزمات مع مراعاة هذه الحدود طبعا، فقد اقتُرح الاقتصاد الأخضر بأشكاله المختلفة وسيلة لتحفيز تجديد تطوير السياسات الوطنية والتعاون الدولي ودعم التنمية المستدامة. فقد حصد مفهوم الاقتصاد الاخضر توافق الحكومات في مؤتمر ريو +20 باعتباره أداة هامة للتنمية المستدامة, إذ يحقق نمو اقتصادي مهم مع الحفاظ على الأداء المعقلن للنظم الإكولوجية للأرض التي توفر الإنتقال الى إقتصاد أكثر مراعاة للبيئة، و أكثر شمولا للنهوض بخطط و أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 (GREGORY SOUSA,2017).
حسب برنامج الامم المتحدة للبيئة (UNEP) ,يقصد بالاقتصد الاخضر "الاقتصاد الذي ينتج عنه تحسين الرفاهية البشرية, و المساواة الاجتماعية من جهة، ومن جهة اخري الاقلال بصورة ملحوظة من الاخطار البيئية و ندرة الموارد الايكولوجية و يرتكز على اعطاء وزن متساو للتنمية الاقتصادية و العدالة الاجتماعية و الاستدامة البيئية(UNEP, 2011).
ومن هذا المنطلق يمكن إيجاز تعريف الاقتصاد الاخضر بكونه الاقتصاد المبني على توليد كميات قليلة من الكربون, ويكون الدخل ونمو العمالة فيه مدفوعين بالاستثمار الخاص والعام في الأنشطة الاقتصادية، والأصول, والبنية التحتية التي تُعزّز من كفاءة استخدام الموارد والطاقة, وتسمح بتقليل نسبة التلوث، وكميات الكربون المنبعثة، وتجنّب فقدان التنوع البيولوجي، فهو يُمثّل منهجيةً تدعم التفاعل بين الطبيعة والإنسان، وتُحاول تلبية احتياجات كلّ منهما في ذات الوقت لجعل الاقتصادات والمجتمعات أكثر استدامةGreffet & P. Mauroux,2015)).
وكان للإقتصاد الاخضر خلفية تاريخية منبثقة من تقارير و دراسات تعد الاساس والإطار المرجعي لفهم أهميته ودوره في مواجهة المخاطر التي تجتاح العالم بدءا بتقرير "نادي روما 1972 حدود النمو" عن التهديد الذي تواجهه البشرية بسبب نضوب الموارد الاقتصادية و على أن العالم وصل مرحلة انتقالية من مرحلة البيئة المفتوحة إلى البيئة المغلقة ، و التي لا توفر للاقتصاديات موارد سرمدية الاستغلال و إنما لها حدود خضوعا للضوابط الطبيعة.
بعدها ظهر تقرير "بيرس سنة 1989" و الذي ربط الاقتصاد بالبيئة ، بإعتباره وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة و فهمها، إذ تناول تقديرا للتكاليف البيئية و عدم مقايضة المكاسب المالية على حساب رأس المال الطبيعي( 2012 Catherine Aubertin ) .
ظهرت دراسة اخرى سنة 1991 بعنوان"الاقتصاد الأخضر اعطت إطاراً اوسع للربط بين التنمية و البيئة ¸¸إذ تبحث في المجالات البيئية و الاقتصاد وقامت بتقديمه على أنه وسيلة و أداة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال استخدام أدوات الاقتصاد و مؤشراته) 2016 ( UNEP ; .
عاد إلى الظهور في 2008 سنة الازمة المالية العالمية التي اثرت على صيرورة تحقيق الأهداف الإنمائية و عرقلة التنمية المستدامة، مما اظهر ضعف الاقتصاديات التقليدية و جعل الامم المتحدة تطلق مبادرة الاقتصاد الاخضر لمواجهة هاته الازمة. (Barbier, 2011)
و قد أكتسب مفهوم الاقتصاد الاخضر شهرة سنة 2012 من خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الذي ركز على علاقة الاقتصاد الاخضر و التنمية المستدامة من أجل القضاء على الفقر( سلسلة قضايا التخطيط و التنمية،2014).
في السنوات الأخيرة الماضية, أصبح مفهوم الاقتصاد الأخضر متداولا بشكل كبير وقد زاد من تأكيد حضوره مؤتمر ريو+20 الذي سلط الضوء على هذا الاقتصاد للحد من تداعيات السياسات الاقتصادية التقليدية التي ترتكز على الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية والطاقية، التي كان من نتائجها الأزمة العالمية المالية سنة 2008 كنموذج واضح لسوء الحكامة في التدبير ( تبني جدول أعمال ريو+20 "الاقتصاد الاخضر" كتوجه رئيسي في إطار التنمية المستدامة و القضاء على الفقر) .
لكن في نفس الوقت شهدنا اقتصاديات وقفت صامدة بوجه العاصفة, ولو بصورة محتشمة لكنها أثبتت أن رَخاء الدول ليس بالثراء المالي فقط بل بواسطة تخفيف مخاطر البيئة والندرة الإيكولوجية والفوارق الاجتماعية والبحث عن تثمين الرأسمال البشري. وغير بعيد ما كرست التغيرات المناخية التي شهدها المغرب إحدى الصور التي خضعت للتغيرات المناخية الكارثية مما أوجب وقفة تأملية حول الموارد الطبيعية المهددة بشكل كبير سواء عبر الظواهر الطبيعية والطاقية أو الاستغلال المفرط وغير المعقلن للمصادر الطبيعية والطاقية.
ومن هذه المشاكل جاءت فكرة الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر كمقاربة تنموية عاجلة لتأهيل الرأسمال البشري والطبيعي لتحقيق التنمية المستدامة ومكافحة كل أوجه الفقر والهشاشة وتحقيق الأمن الغذائي للساكنة المحلية مع المساهمة في الناتج الداخلي الوطني الخام والرفع من القيمة المضافة .و للنقاش حول الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر بالمغرب, حوافزه ومبرراته الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتنموية. فهو عملية استراتيجية طويلة المدى وعليها توجيهات سياسية ومساهمة شاملة بين القطاع العام والخاص بشراكة المجتمع المدني لضمان تحول ناجع وحقيقي للتنمية المستدامة من منظور ومقاربة مع سياسية واجتماعية واقتصادية مطلوبة إلى واقع معاش عبر تبني شامل لمفهوم الاقتصاد الأخضر.
ويتطلب الانتقال الأخضر مجموعة من الخطط والسياسات وكذلك مبادرة جريئة للتنزيل المحكم لمبادئ التنمية المستدامة في إطار روية حديثة وحكامة جيدة لتحقيق النتائج الموجودة لكن ذلك لابد له من التركيز على الشروط الذاتية والموضوعية التالية :
+ تفعيل ترسانة قانونية مسؤولة : يمكن القول على أن وضع إطار تشريعي هو بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة والذي أحدث سنة 2012 كنتيجة للإحساس الدولي والمجتمع المدني بمسؤوليتهم الوظيفيتين والأخلاقية تجاه البيئة ومع ذلك يظل هذا الإطار غير كافي ويحتاج إلى قوانين منظمة أخرى.
+ دعم الاتفاق الحكومي في الاستثمارات الخضراء : ذلك عبر وضع الشعب والتخصصات الصناعية الجديدة الملائمة للإمكانيات الطبيعة والبشرية للبلاد عامة مع اعتبار خصوصية كل منطقة، ووضع مشاريع وخطط لإنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة في ميادين الاستثمار الأخضر ويتعين كذلك تطوير البرامج الوطنية التنموية الخاصة بالطاقة المتجددة ومعالجة المياه العادمة وتدبير النفايات.
+ دعم القطاع الخاص : يرتبط تشجيع القطاع الخاص بأهمية الاستثمارات الخضراء التي تعد نقلة نموذجية لخدمة التنمية المستدامة و تفعيلا ناجحا للخطط الإنمائية للدولة, إن التحول نحو برنامج الإبتكار العلمي في ميادين التكنولوجيا والإنتاج النظيف واختراع آليات و و سائل علمية وفعالة تساعد على تحقيق الثروة مع الحفاظ على مصادر الطاقة الاستغلال المتعلقة بها.
+ التكوين والتربية على البيئة للانتقال نحو الاقتصاد الأخضر : لابد من تدريب وتعليم اليد العاملة ولاسيما أصحاب الحرف المهنية على المحافظة على البيئة مع الاعتماد على المنتوجات المحلية الصديقة للبيئة. كما يجب وضع منهج دراسي على جميع المستويات التعليمية للنشر .... التحسين .... على البيئة، تطوير القدرات على الاستفادة بشكل متقن من مصادر الطبيعية الطاقة, الشراكة مع المجتمع المدني.
إن الاعتماد على الاقتصاد الأخضر هو أحد الرهانات الأساسية للتنمية المستدامة والانتقال إليه لا ينتج فقط الزيادة في الثروة، ولكنه على الخصوص يحقق مكاسب في الحفاظ على الرأسمال الطبيعي و يحقق النفع الإقتصادي بعيد المدى يصل حتى المساهمة في الناتج الداخلي الخام مع الإمكانيات المتاحة في خلق فرص شغل مستدامة والقضاء على الفقر والتهميش.
يعد الاقتصاد الأخضر أحد الاقتصاديات التي تدرك أهمية الثروة الطبيعية وقيمة التنوع البيولوجي والذي يمثل مصدر لتحقيق الرخاء. والاقتصاد الأخضر ليس سهل المنال ويلزم لتحقيقه أعطاء أولية للاستثمار العمومي في الحالات التي تحفز الانتقال إليه مع الحد من الإنفاق في الميادين التي تستنزف الموارد الطبيعية والطاقة. ولتحقيق اهداف الاقتصاد الاخضر :
1- تشجيع أنوع الطاقة المتجددة : الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر يمكن أن يؤدي إلى التخفيف من الاعتماد على الوقود الاحفوري وبالتالي انخفاض انبعاث الكربون والاحتباس الحراري، والتشجيع على أنوع الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية و الريحية وهي من الصناعات التي تخلق فرص شغل مستأنسة وتعطي نتائج اقتصادية مهمة.
2- تدبير النفايات: مع تزايد عدد السكان وارتفاع الاستهلاك وكبرا المدن تزداد أهمية تدبير النفايات في السياسات العمومية الوطنية والمحلية. وكما أن إعادة تدوير المنتجات اليومية كالورق، النفايات المنزلية والفلاحية مصدر عمل تساهم بشكل كبير في الحد من استهلاك الطاقة وتلوث الهواء والماء والتربة.
3- تدبير الأراضي الفلاحية: يعد القطاع الفلاحي أحد الميادين الرئيسية في السياسيات العمومية والاعتماد على الاقتصاد الأخضر بدعم الاستغلال المعلن للمصادر الصحية وذلك عبر تحسين وسائل التخزين والنقل, وإنتاج الأسمدة العضوية بطريقة بيولوجية ومتكاملة لمكافحة الشوائب . و يعد كذلك إعادة التشجير من خلال الزيادة في المساحات الخضراء ضرورة ملحة وسياسة رشيدة لتثمين الغطاء النباتي ومحاربة التصحر وزحف الرمال.
4- إدارة المياه : ويعد الاقتصاد الأخضر من الخطط والمشاريع البديلة في استخدام المياه وتحسين كفاءتها مما يحفظ بشكل كبير من استهلاكه والنقص من الضغط على المياه الجوفية والسطحية عبر عدة مشاريع تكنولوجية وبيولوجية منها جمع مياه الأمطار والسيول بإنشاء السدود كذلك حصاد مياه الضباب المتردد .كما أن إعادة استغلال المياه المستعملة في غسالات الثياب وأحواض الاستحمام والمعامل بطريقة ناجحة للزيادة في جرد الماء.
5- النقل المستدام :يؤمن النقل المستدام الحاجيات الأساسية للفرد والمجتمع مع الحفاظ التام على الصحة والنظام البيئي، كما يقلل من انبعاثات الغازات الدفينة وذلك عبر استعمال النقل العمومي المعتمد على الكهرباء" كالمطار" والترام" وذلك لاستهلاكها القليل من الطاقة لكل راكب وتساعد على التخفيف من ازدحام السير مع خلق فرص شغل مستدامة وبيئية وكذلك محاولة استبدال محركات السيارات العاملة بالوقود الأحفوري كليا أو جزئيا بالتي تعمل على أنواع الوقود النظيف.
6- البناء الأخضر: يعد قطاع البناء والتعمير من الميادين الكبيرة التي تمنح فرص شغل طويلة المدى وخصوصا مع الامتداد العمراني والزيادة في الكثافة السكانية. وهو القطاع الأكثر استثمارا نظرا لفرص تحقيق الثروة بسرعة مع زيادة العمران التي تكثف جهود وسياسات الدولة في وضع خطط بديلة للبناء الأخضر الذي يتوفر على مساهمات خضراء، ويعتمد على مواد أساسية ذات معايير وكفاءة طاقية تحترم البيئة.
وفي الاخير لابد من التوضيح على أن الاقتصاد الأخضر هو فقط خطة لتنزيل مبادئ التنمية المستدامة وتحقيق التكامل بين جميع أبعادها، ويبقى الهدف الأول هو محاربة الفقر والتهميش من خلال خلق فرص شغل عبر تسريع وتيرة النمو الاقتصادي في تناغم تام مع الاستغلال المعقلن للموارد الطبيعية والتحتية, وللوصول لهذا الهدف نحاول أن نقترح بعضاً من التوصيات:
· تكريس مفهوم الاقتصاد الأخضر كمقاربة تنموية تقتصر على التجانس بين التواجد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تنزيل رشيد للمبادئ التنمية المستدامة.
· تحديد استراتيجية شاملة وخطة ناجعة للحكامة الرشيدة للانتقال نحو الاقتصاد الأخضر على الصعيد الوطني والمحلي, تعتمد على إدماج لمختلف الاستراتيجيات، البرامج القطاعية التي تتقاطع مع مضامين ومتطلبات الاقتصاد الأخضر.
· إعادة توجيه البرامج التعليمية نحو أهمية الاقتصاد الأخضر وإنشاء تخصصات علمية في هذا السياق وكذا تكوين المهنيين بالقطاعات المعنية.
· تعزيز الشراكة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وكذا القطاع الخاص لدعم المبادرات الشبابية لإنشاء مقاولات صغرى ومتوسطة ذات توجهات خضراء.