JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

 


الصفحة الرئيسية

أدب أمريكا اللاتينية في مواجهة الإمبريالية







نورالدين البكراوي

لقد تطور الأدب في أمريكا اللاتينية بشكل مذهل في النصف الأخير من القرن العشرين حتى أصبح منبعا للثقافة الإنسانية. عملية التطور هذه لم تتم بطريقة استرسالية وفي مستوى واحد، وإنما كان لزاما عليها أن تتجاوز العديد من المشكلات لتصل إلى المكانة التي تتبوؤها اليوم.من خلال قراءتنا لبعض أعمال كبار أدباء أمريكا اللاتينية، تبين لنا أن من مهام الأدب أن يجعل ذهننا أكثر تأقلما مع الواقع على مر الأيام، وذلك من خلال عالم خيالي، وواقعي وسحري لما نعيشه، وهذا طبعا يجعلنا نبني تصورا آخر للعالم الحقيقي المحيط بنا، بل وتتولد لدينا ملكة الإدراك ومعها المقدرة الفعلية على نقد هذا الواقع الذي يعيش فيه الإنسان ذئبا لأخيه الإنسان على حد قول ‘ توماس هوبس’.لا مراء أن الأدب في أمريكا اللاتينية هو أدب جدلي، وثوري ومناضل في وجه كل أشكال الاستعباد والذل والهزيمة، لهذا فإقامة قراءة تاريخية لواقع أمريكا اللاتينية انطلاقا من ملاحم روائية بمثل ضخامة أعمال ‘ غابرييل غارسيا ماركيز’ و’ كارلوس فوينتس’ و’ أوكتافيو باث’ و’ باولو كويلو’… هي مشروع شديد الإغراء.


فحقيقة العالم الروائي الذي ينشئونه والمستمدة من الواقع الذي تعيشه هذه البقعة من الأرض المسماة أمريكا اللاتينية تحتاج إلى أشعة تحت الحمراء لسبر أغوارها، وكشف الحيل والمهارات الأدبية والإبداعية التي يستعملونها لفضح الفساد ونعت الخونة والديكتاتوريات التي باعت جمهوريات الموز ومعها شعوبها بأبخس الأثمان للجارة الشمالية أمريكا.خطاب ما بعد الاستعمار الذي ركب موجة الوقوف في وجه الامبريالية بكل أشكالها وأقنعتها، والذي يمكن أن نقول أنه بدأ مع الاتجاه التحديثي بقيادة ‘ روبين داريو’ في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، هو الذي وضع أدب أمريكا اللاتينية في خارطة الأدب العالمي والذي مهد لأسماء ستأتي بعد ذلك لتقدم للعالم ثمرات من الإبداع استفادت منه البشرية وخصوصا العلوم الإنسانية ، كبورخيس، الفونسو رييس، اليخو كالربنتيير، وغيرهم…. ليكون هؤلاء قد عبدوا الطريق لأقوى جيل وأدب في القرن العشرين الذي سيطلق عليه في بداية الستينيات لقب ‘ البوم’ Boom أي الانفجار، بمعنى أنه سيتم إنتاج أدب واقعي سحري سيفحم كل من له دراية بتاريخ الأدب .



وما رواية ‘ مئة عام من العزلة ‘و ‘ الحب في زمن الكوليرا’ لغابرييل غارسيا ماركيز وروايات أخرى كـ ‘ رايويلا’ لخوليو كورتاثار وغيرهم من روايات لكارلوس فوينتس ، لإيزابيلا أييندي وميغيل انخيل استورياس، وأكتافيو باث لهي نموذج لأدب اختار لنفسه أن يحل محل السياسات الفاشلة لدكتاتوريين أغرقوا شعوبهم في أنهار المهانة والفقر والدم ، وهو كذلك أدب ثوري اختار لنفسه الوقوف في وجه الإمبريالية بكل أشكالها وأقنعتها، ليأخذ على عاتقه مواجهة هذه الأطماع والاستغلال الذي جعل هذه القارة عرضة للتخلف والاستبداد والجهل والتهميش وقلة الحيلة.


فإذا قمنا باستعراض لتاريخ أمريكا اللاتينية، سنجد علاقة خطيرة ومتوترة بين أمريكا الشمالية الممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وبين أمريكا اللاتينية، إذ بعد أن تخلصت معظم دول هذه الأخيرة من الاستعمار الإسباني في العقدين الأولين من القرن التاسع عشر( باستثناء كوبا وبويرتو ريكو وغوام)، بدأت تلوح في الأفق نهضة قومية وثقافية وفنية وكذلك سياسية تعد بمستقبل مشرق خصوصا عندما بادر القائد والمحرر‘ سيمون بوليبار’ إلى كتابة ‘ رسائل جامايكية’ التي بموجبها اقترح أن تتوحد أمريكا اللاتينية التي تتكلم بالإسبانية تحت راية واحدة، لتكون بذلك قادرة على الوقوف ضد كل نوع جديد من الاستعمار والسيادة الأوروبية وغيرها. حلم بوليبار لم ير النور وأطماع أوروبا ومعها الولايات المتحدة الأمريكية تترصدها من كل جانب، هذه الأخيرة بعد أن ساعدت دول أمريكا اللاتينية في حربها التحررية سارعت بعد ذلك مباشرة إلى فرض ميثاق استعماري والمعروف تاريخيا باسم ‘ مذهب مونرو’ Monroe والذي يقضي بأن تكون أمريكا بشمالها وجنوبها للأمريكيين، وبالتالي إجهاض أي محاولة لتدخل أوروبي مرتقب.


ومنذ ذلك الوقت تحولت أمريكا الجنوبية إلى حديقة خلفية للولايات المتحدة تفعل فيها ما تشاء وتتصرف كسيد تبقى له الكلمة الأولى والأخيرة، وهذا هو ما ترجمته الحرب اللا متكافئة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك التي اغتصَبـَت فيها الأولى نصف الأراضي الشمالية للمكسيك الغنية بالنفط والتي هي اليوم تشكل الولايات الجنوبية لبلاد العم سام.إن الجارة الشمالية لم يهنأ لها بال إلا بعد أن طردت إسبانيا من كوبا وبويرتو ريكو في سنة 1898. وبعد ذلك تحولت وأصبحت المارد والدركي الذي يسيطر على ثاني أكبر قارة في العالم بكل ثرواتها وخيراتها عن طريق سيل من الشركات وقطيع من الديكتاتوريين المرتزقة أمثال: تروخيو وبارغاس وأوبيكو وسوسوما وباتيستا وبينوتشي.


إن مثقفي أمريكا اللاتينية لطالما وقفوا في وجه الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أن بعضهم ارتموا في أحضان الشيوعية مشكلين صوت ‘ فيدل كاسترو’ ليتخذوا من الاشتراكية دينا ومذهبا للوقوف في وجه طغيان العملاق وشركاته، التي امتصت وما تزال تمتص دماء وخيرات أمريكا اللاتينية. فإذا ما قرأنا قصيدة ‘ بابلو نيرودا’ UNITED FRUIT COMPNY سنلمس بشاعة اللاعدالة التي جعلت من ‘ كوكاكولا’ و’ يونايتد فروت كومباني’ و’ فورد’…معجما داخل قصيدته كرموز لنهب الثروات الطبيعية لأمريكا اللاتينية. إن مثقفي أمريكا اللاتينية يتسلحون بالجرأة، مما يجعل مواقفهم واضحة ومباشرة الشيء الذي يفسر وقوفهم المستمر ضد السياسات التي تنهجها الحكومات المتعاقبة على البيت الأبيض، إذ هناك أصوات لطالما خصصت مقالات وروايات وقصائد تتوجه فيها إلى الرؤساء في الجارة الشمالية ناعتة اياهم بالنازيين والماديين والفاشيين والشوفينيين… ويظهر هذا جليا كذلك في كتاب كارلوس فوينتس الأخير الذي يحمل عنوان ‘ ضد بوش’. وهناك قبله أمثلة كثيرة لعل أكثرها تعبيرا الرسالة التي وجهها غابرييل غارسيا ماركيز إلى بوش بعد واقعة سقوط البرجين في 11 أيلول ( سبتمبر) والتي جاء فيها ما يلي: ‘ بماذا تشعر؟ما هو شعورك وأنت ترى الرعب يضع أوزاره في بيتك وعند الجيران؟ وكيف تشعر والخوف يخنق صدرك والهلع الذي أحدثه الضجيج يصك المسامع، والنار تفقد السيطرة، والمباني تتساقط، والرائحة الكريهة تخترق أعماق الرئتين وعيون الأبرياء تمشي مطلية بالدماء والغبار؟ كيف تمضي النهار في بيتك وأنت لا تعلم ما سيحدث ؟ كيف خرجت من حالة الصدمة؟’.هذا الأدب الذي لطالما وقف ندا أمام الثقافة الأمريكية البراغماتية والتي يصفها شومسكي، الذي هو بالمناسبة شاهد من أهلها، بقوله: ‘ من البداية إلى النهاية، نرى بقدر كبير من الوضوح صورة ثقافية سياسية شديدة الانضباط ، مفعمة حتى النخاع بفيض من القيم التوتاليتارية’.هؤلاء الأدباء، أي أدباء أمريكا اللاتينية، لم يكونوا بالمطلق مثقفي مؤسسات ولم يختاروا أبدا أن يسجنوا أنفسهم في حقول التخصص، فالمثقف هنا يتقيد بمبدأ المعارضة على الوضع القائم في زمن الصراع، ويؤيد الجماعات المهمشة كالهنود التي تتعرض للسرقة والظلم والإجحاف ، تلك الطبقات التي لا يمثلها أحد، والتي هي كذلك تحتاج بدورها إلى قلم يمثلها ويعيد اعتبارها، ويعلن وضعها ومأساتها للعالم.








أدب أمريكا اللاتينية في مواجهة الإمبريالية

blogger ami

تعليقات
    الاسمبريد إلكترونيرسالة